logo
مقالات الرأي

هل يصبح الخليج لاعباً عالمياً في اقتصاد الذكاء الاصطناعي؟

هل يصبح الخليج لاعباً عالمياً في اقتصاد الذكاء الاصطناعي؟
مفهوم الذكاء الاصطناعي، المساعد الافتراضي، خدمة العملاء، التحول الرقمي، البرمجة والتكنولوجيا المستقبلية.المصدر: شاترستوك
تاريخ النشر:18 يوليو 2025, 02:59 م

فيما ينشغل العالم بمتابعة سباق الهيمنة على الذكاء الاصطناعي بين الولايات المتحدة والصين، تتحرك دول الخليج بهدوء وثقة في مسار موازٍ يستند إلى رؤية بعيدة المدى واستراتيجية دقيقة لبناء مستقبل يرتكز على الذكاء والابتكار.

ففي دولة الإمارات، تهدف الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي 2031 إلى ترسيخ موقع الدولة كلاعب عالمي رائد في هذا المجال. أما السعودية، فتضع الذكاء الاصطناعي في صلب رؤيتها الطموحة للتحول الاقتصادي ما بعد النفط، حيث تضطلع الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (SDAIA) بتنفيذ خطة وطنية ترمي إلى إدراج المملكة ضمن قائمة أقوى 15 دولة عالمياً في هذا القطاع بحلول 2030.

أخبار ذات صلة

مايكروسوفت.. تسريحات بالآلاف ورواتب مغرية لمطوري الذكاء الاصطناعي

مايكروسوفت.. تسريحات بالآلاف ورواتب مغرية لمطوري الذكاء الاصطناعي

استثمارات ضخمة تبني منظومة رقمية متكاملة

لا تكتفي دول الخليج بإطلاق الشعارات، بل تضخ استثمارات بمليارات الدولارات لتأسيس منظومة قوية ومستدامة للذكاء الاصطناعي. وتشير التقديرات إلى أن الذكاء الاصطناعي سيضيف نحو 320 مليار دولار إلى اقتصادات منطقة الشرق الأوسط بحلول 2030، وستكون الحصة الأكبر -نحو 80%- من نصيب الخليج، لا سيما السعودية والإمارات.

وفي خطوة تعكس جدية الطموح الإماراتي، تخطط أبوظبي لبناء أحد أكبر مراكز الحوسبة الفائقة خارج الولايات المتحدة بقدرة 5 غيغاواط، ما سيوفر خدمات ذكاء اصطناعي منخفضة الكمون لنصف سكان العالم. وفي موازاة ذلك، أُطلقت جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي كأول مؤسسة أكاديمية متخصصة في الدراسات العليا بهذا الحقل عالمياً، بينما تتجه صناديق الدولة الاستثمارية إلى ضخ مليارات في شركات رائدة مثل «أوبن إيه آي» (OpenAI).

من جهتها، تسير قطر والكويت في مسارات مدروسة تركز على تطبيقات الذكاء الاصطناعي في قطاعات حيوية مثل الطاقة والأمن السيبراني. فمبادرة تسمو قطر الذكية، على سبيل المثال، توظف الذكاء الاصطناعي لتحسين كفاءة الخدمات العامة وتعزيز الاستدامة في قطاعات كالرعاية الصحية والخدمات اللوجستية.

مدن ذكية تنبض بالذكاء الاصطناعي

تتجلى طموحات دول مجلس التعاون الخليجي في الذكاء الاصطناعي بشكل أوضح في بنيتها التحتية المادية. ويبرز ذلك خاصة في صعود المدن الذكية، مثل دبي في الإمارات، ومشروع نيوم المستقبلي في السعودية. فقد دمجت مبادرة دبي الذكية (Smart Dubai) الذكاء الاصطناعي في كل شيء بدءاً من إدارة المرور ووصولاً إلى المرافق العامة والأمن. وتهدف استراتيجية دبي للتنقل الذاتي إلى أن تكون 25% من جميع الرحلات داخل المدينة ذاتية القيادة بحلول عام 2030.

وقد عاينت بنفسي كيف تعيد إشارات المرور الذكية والحافلات الذاتية القيادة تشكيل ملامح مناطق الأعمال في دبي.

أما في السعودية، فيجري بناء مدينة نيوم، بتكلفة تبلغ 500 مليار دولار، من الصفر مع جعل الذكاء الاصطناعي جوهراً لها. من أنظمة النقل الخالية من السيارات والمدارة بالذكاء الاصطناعي في مشروع «ذا لاين» (The Line)، إلى شبكات الطاقة الذكية، يُعد مشروع نيوم نموذجاً لكيفية تشكيل الذكاء الاصطناعي للبنية التحتية الحضرية.

ويتوقع المحللون أن تضيف مشاريع مثل نيوم ودبي الذكية ما لا يقل عن 50 مليار دولار من القيمة الاقتصادية الناتجة عن الذكاء الاصطناعي خلال العقد المقبل.

الحوكمة الذكية.. الحكومة كرؤية رقمية

تستخدم دول الخليج الذكاء الاصطناعي لبناء ما يمكن وصفه بـ«الحوكمة الذكية». وبالفعل، أعلنت دبي هدفها بأن تكون خالية تماماً من الورق ورقمية بنسبة 100% في خدماتها، وهو ما حققته بنهاية عام 2021. واليوم، يتفاعل المواطنون والمقيمون مع بوابات حكومية وروبوتات محادثة مدعومة بالذكاء الاصطناعي، تعمل على تبسيط الإجراءات البيروقراطية بدرجة مذهلة. فمثلاً، توفر منصة «تم» (TAMM) في أبوظبي، وهي تطبيق شامل للهواتف الذكية، نحو 950 خدمة حكومية حسب الطلب باستخدام الذكاء الاصطناعي، بدءاً من تجديد تسجيل المركبات وحتى إصدار عقود الزواج.

أما السعودية، فتسير على نهج مشابه. وضمن أهداف الحكومة الرقمية في إطار رؤية 2030، أطلقت المملكة منصات مدعومة بالذكاء الاصطناعي لخدمات مثل معالجة التأشيرات، وإصدار التراخيص، والاستفسارات العامة.

أخبار ذات صلة

«غوغل» تستثمر 25 مليار دولار في بنية تحتية بالذكاء الاصطناعي في أميركا

«غوغل» تستثمر 25 مليار دولار في بنية تحتية بالذكاء الاصطناعي في أميركا

تشريعات رصينة.. وأخلاقيات حاضرة

يدرك قادة دول مجلس التعاون الخليجي جيداً أن كيفية تطبيق الذكاء الاصطناعي لا تقل أهمية عن التطبيق نفسه. ومن خلال خبرتي، لاحظت تكرار الحديث عن "الذكاء الاصطناعي المسؤول"، الذي يضمن أن تعكس الابتكارات القيم المجتمعية والمعايير الأخلاقية. فقد كانت الإمارات سبّاقة في وضع أطر الحوكمة: إذ سنّت قانوناً وطنياً لحماية البيانات، وشكلت مجلس الذكاء الاصطناعي وتقنيات البلوك تشين لتوجيه تطبيقات الذكاء الاصطناعي الأخلاقية.

وفي عام 2023، أصدرت الإمارات إطاراً قانونياً اتحادياً للمركبات الذاتية يشمل جوانب مثل السلامة والأمن السيبراني والمسؤولية القانونية. ويسهم هذا التوازن بين تشجيع الابتكار وفرض الضوابط في بناء الثقة العامة بأن الذكاء الاصطناعي يُدار في بيئة منظمة تضع رفاه الإنسان في المقام الأول.

بدورها، تؤكد السعودية نهج «الذكاء الاصطناعي المرتكز على الإنسان» ضمن أجندتها. وتشير استراتيجية الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي إلى أن الهدف هو بناء ذكاء اصطناعي «مبتكر، ومستدام، وعملي، وأخلاقي». ويتحقق ذلك عملياً من خلال إشراك مختلف الجهات المعنية في مناقشة تأثير الذكاء الاصطناعي على المجتمع، وتدريب موظفي القطاع العام على أخلاقيات الذكاء الاصطناعي وخصوصية البيانات.

الخليج على خريطة الذكاء الاصطناعي العالمي

من وجهة نظري، تعود إنجازات دول مجلس التعاون الخليجي في مجال الذكاء الاصطناعي إلى مزيج من الطموح والبراغماتية. طموح، لأن قادة الخليج وضعوا أهدافاً جريئة: فهم يتصورون أن «نفط» الشرق الأوسط الجديد سيكون البيانات والذكاء، محركين لاقتصادات متنوعة لعقود قادمة. وبراغماتية، لأنهم يقرنون هذه الرؤى باستراتيجيات مفصلة، واستثمارات كبيرة، وإدراك للتحديات مثل فجوات المواهب وقضايا خصوصية البيانات.

وهذا النهج بدأ يؤتي ثماره، إذ تستضيف دول مجلس التعاون الخليجي اليوم مؤتمرات عالمية للذكاء الاصطناعي بشكل منتظم، وتبرم شراكات مع عمالقة التكنولوجيا، ولم تعد تكتفي بدور المستهلك للتقنيات، بل تسعى لأن تكون منتِجاً ومصدراً لحلول الذكاء الاصطناعي.

logo
اشترك في نشرتنا الإلكترونية
تابعونا على
تحميل تطبيق الهاتف
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC