بينما يشهد الاقتصاد العالمي مرحلة إعادة تموضع، يجد المستثمرون أنفسهم أمام حاجة ملحّة لإعادة تقييم كيفية بناء محافظ استثمارية تتميز بالمرونة وتركز على النمو، وقادرة على الصمود أمام حالة عدم اليقين السائدة. ويكتسب هذا التوجه زخماً متزايداً في منطقة الشرق الأوسط، حيث يبرز التنويع كخيار استراتيجي جوهري لإدارة التقلبات ودعم خلق القيمة على المدى الطويل.
يتطلب بناء محفظة متوازنة وفعّالة توزيع الاستثمارات على فئات أصول مختلفة– مثل الأسهم، والسندات، والسلع، والعقارات – للمساهمة في الحد من مخاطر التركز. وفي منطقة الشرق الأوسط، حيث ترتبط الدورات السوقية غالباً بتقلبات أسعار النفط، والتطورات الجيوسياسية، والإصلاحات السياسية، يصبح توزيع الاستثمارات عبر أنواع مختلفة من الأصول أمراً بالغ الأهمية.
وتعد المملكة العربية السعودية مثالاً بارزاً على ذلك. فقد شهدت المملكة في الآونة الأخيرة تقلبات كبيرة في أسعار النفط، الذي يشكل جزءاً كبيراً من إيراداتها. وسعياً للحد من الاعتماد على النفط، عمد صندوق الاستثمارات العامة السعودي إلى توسيع حضوره الاستثماري عالمياً، بحيث يشمل الأسهم، والسندات، والسلع، مع تركيز خاص على قطاعات التكنولوجيا والسياحة. وقد مكّن هذا التنويع الاستباقي المملكة من امتصاص الصدمات الخارجية ورسم مسار نمو أكثر استقراراً.
ولا يُعد ذلك بالأمر المفاجئ أو الجديد؛ إذ إن المستثمرين من الأفراد والمؤسسات الذين يحتفظون بتعرض لكل من الأسهم والسندات يكونون في موقع أفضل خلال فترات التراجع. فالسندات غالباً ما تؤدي دوراً معادلاً ومُهدئاً عندما تتراجع أسواق الأسهم، ما يعزز أداء المحفظة ككل خلال الفترات العصيبة. وإذا توفر للمستثمر إمكانية الوصول إلى أدوات استثمارية متنوعة، فلا يوجد ما يمنع من اعتماد استراتيجية التنويع.
يؤدي حصر الاستثمارات في منطقة جغرافية واحدة إلى زيادة خطر التركز. أما التنويع الجغرافي، فيتيح للمستثمرين توزيع تعرضهم عبر أسواق مختلفة من حيث الديناميكيات الاقتصادية، وحركات العملات، وسلوكات الأسواق.
لطالما نظر المستثمرون في الشرق الأوسط إلى ما وراء حدودهم. ففي الغرب، توفر الأسواق المتقدمة في الولايات المتحدة وأوروبا استقراراً وقطاعات راسخة، أما في الشرق، فتقدّم الاقتصادات الناشئة في آسيا وإفريقيا فرص نمو مغرية بتقييمات جذابة. ففي عام 2023 وحده، ضخ المستثمرون من المنطقة أكثر من 24 مليار دولار في عمليات استحواذ أوروبية، مدفوعين بجاذبية التقييمات وآفاق مشاريع البنية التحتية. وبالمثل، شهدت إفريقيا موجة استثمارات قوية، حيث استثمرت دولة الإمارات العربية المتحدة أكثر من 97 مليار دولار بين عامي 2022 و2023، مركزة على قطاعات مثل التكنولوجيا، والخدمات اللوجستية، والطاقة المتجددة.
إن اعتماد منظور عالمي شامل في بناء المحافظ يمكن أن يساعد المستثمرين على تحصين أنفسهم من المخاطر المرتبطة بمنطقة بعينها – مثل التحولات الجيوسياسية أو تقلبات أسعار السلع – مع وضعهم في موقع أفضل للاستفادة من مجموعة أوسع من الفرص.
المحفظة القوية هي تلك التي تُصمَّم للتكيّف لا للتفاعل فقط. ويهدف نهج بناء محفظة تناسب «جميع الظروف» إلى ضمان الأداء في مختلف البيئات السوقية من خلال مزج الأصول التي تستجيب بشكل متباين للتغيرات الاقتصادية. فالأمر لا يتعلق بتوقيت الدورات الاقتصادية، بل بالاستعداد المسبق لها.
فعلى سبيل المثال، خلال فترات التضخم، أظهرت السلع والسندات المرتبطة بالتضخم أداءً قوياً تاريخياً. وقد أكّد الذهب، على وجه الخصوص، مجدداً دوره كملاذ آمن، مسجلاً مؤخراً رقماً قياسياً بلغ 3500 دولار للأونصة، وسط تصاعد التوترات التجارية والتقلبات في الأسواق بفعل الرسوم الجمركية الأميركية الجديدة. أما في الفترات التي يسودها النمو البطيء، فعادةً ما تبرز السندات الحكومية والأسهم ذات التوزيعات المرتفعة كخيارات مفضلة.
وقد تجلى هذا التوجه بوضوح في عام 2015، عندما شهدت أسواق الأسهم الإماراتية تقلبات نتيجة تراجع أسعار النفط وعدم اليقين في الاقتصاد العالمي. فقد تراجع المؤشر العام لسوق دبي المالي بنسبة 16.5%، بينما انخفض سوق أبوظبي للأوراق المالية بنسبة 4.9%. وخلال هذه الفترة، كان المستثمرون الذين نوّعوا محافظهم من خلال أصول بديلة مثل الذهب، والسندات، والأسهم الخاصة، أكثر قدرة على اجتياز التراجع. وقد حافظت أسعار الذهب – على وجه الخصوص – على استقرارها بل وحققت مكاسب، ما عزز دورها التقليدي كوسيلة تحوط في مواجهة تراجع أسواق الأسهم.
ويمكن للمستثمرين في الشرق الأوسط تطبيق مثل هذه الاستراتيجيات من خلال الجمع بين الأسهم الإقليمية وأدوات الدخل الثابت العالمية، والتعرض للسلع، وصناديق الاستثمار العقاري (REITs).
بالنسبة لجميع المستثمرين، يجب أن يكون الهدف الأساسي هو خلق الثروة المستدامة. ومن هذا المنطلق، ينبغي النظر إلى التنويع باعتباره ضرورة استراتيجية لا مجرد تكتيك دفاعي اختياري.
إذا كنت مستثمراً في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فإليك بعض الأساليب التي تمكِّنك من التنويع:
إلى جانب الأسهم والسندات، ضع في اعتبارك الاستثمار في مشاريع البنية التحتية، والأسهم الخاصة، أو الصكوك الإسلامية، التي تشهد إقبالاً متزايداً في منطقة الخليج.
تنويع الاستثمارات عبر قطاعات اقتصادية متنوعة يمكن أن يشكّل استراتيجية ذكية لبناء محفظة متوازنة. فمن خلال التوسّع إلى ما هو أبعد من قطاعي النفط والغاز، يمكنك الاستفادة من الإمكانات التي توفرها قطاعات نامية مثل الرعاية الصحية، والتكنولوجيا، والخدمات اللوجستية، والسياحة. وتقدّم هذه القطاعات فرص نمو جيدة وأساساً مستداماً لتحقيق عوائد طويلة الأمد.
تضمن التقييمات المنتظمة بقاء المحفظة متماشية مع الأهداف طويلة الأجل وقدرة تحمّل المخاطر، لا سيما في ظل تغير ظروف السوق.
تشهد منطقة الخليج تحولاً اقتصادياً يعيد تشكيل المشهد الاستثماري. ومع تعزيز الحكومات للانخراط في الأسواق المالية، وسعي الصناديق السيادية لاعتماد استراتيجيات تنويع عالمية، تتبنى المنطقة بشكل متزايد نهجاً أكثر ديناميكية في إدارة الثروة.
ففي الإمارات، على سبيل المثال، تسهم مبادرات التوعية المالية في تمكين الأفراد بالمعرفة والأدوات التي تؤهلهم للانتقال من نماذج الادخار التقليدية إلى التخطيط الاستثماري طويل الأجل. لقد حان وقت التغيير، والتحول إلى مستثمر أكثر نضجاً يتطلّب تبني ضرورة التنويع.
وفي بيئة تختلط فيها الفرص بعدم اليقين، يجد المستثمرون أنفسهم في موقع مثالي لتطبيق المبادئ نفسها التي قادت إلى نجاح المؤسسات الاستثمارية الكبرى. يظل التنويع المدروس حجر الزاوية في بناء المرونة، إذ يتيح للمحافظ امتصاص الصدمات، والتكيف مع الظروف المتغيرة، والسعي إلى النمو بثقة أكبر.
من خلال التوزيع عبر فئات الأصول، والقطاعات، والمناطق الجغرافية، يمكن للمستثمرين بناء محافظ ليست فقط أكثر توازناً، بل أكثر استعداداً للمستقبل. وبذلك، يؤسسون لثروة مستدامة قادرة على تجاوز الدورات الاقتصادية، والاستجابة للتغيرات، والمساهمة في تحقيق الرؤية الاقتصادية الأوسع للمنطقة.