ليس لدي شك أن الدول الآسيوية الكبرى — الصين، الهند، اليابان وكوريا الجنوبية —بدأت تفكر باستراتيجيات لتأمين احتياجاتها من الطاقة بعيدا عن التقلّبات الجيوسياسية في منطقة الخليج، وهذا يلوّح بتحديات جوهرية تهدد الدول المُصدرة للنفط في الخليج والعراق. فمع تكرار التهديدات الإيرانية بإغلاق مضيق هرمز، بات من الضروري أن تعيد هذه الدول تقييم موقعها في المعادلة العالمية الجديدة للطاقة.
لطالما استخدمت إيران موقعها الجغرافي كمفتاح لمضيق هرمز كورقة ضغط سياسية وعسكرية في وجه الغرب ودول الخليج. لكن هذه الورقة بدأت تفقد فاعليتها، بل وبدأت تتحوّل إلى خطر على مستقبل الصادرات النفطية للمنطقة بأسرها، بما فيها إيران نفسها — وكأنها بذلك جنت على نفسها براقش، إذ إن تهديد الملاحة في المضيق يهدد مصالحها بقدر ما يهدد خصومها.
ففي حال أي تعطيل فعلي للمضيق — سواء بسبب حرب أو مناورات عسكرية أو عقوبات جديدة — فإن الخاسر الأول لن يكون فقط الدول الخليجية التي تمر معظم صادراتها عبر هذا الممر الحيوي، بل إيران ذاتها، التي تعتمد على ذات المضيق لتصدير نفطها المحدود تحت ضغط العقوبات.
والأخطر أن هذه التهديدات المتكررة تدفع الدول الآسيوية إلى إعادة التفكير في استراتيجيات أمن الطاقة، والبحث الجاد عن بدائل..
تشير الأرقام إلى أن نحو 75% من صادرات النفط والغاز المسال التي تمر عبر مضيق هرمز تذهب إلى الصين، الهند، اليابان، وكوريا الجنوبية. هذه الدول، التي لطالما اعتمدت على نفط الخليج، بدأت الآن في تنويع مصادرها وتطوير إنتاجها المحلي من الطاقة المتجددة.
فالصين التي بدأت في بناء شراكة مع روسيا لتقليل اعتمادها على نفط الخليج وإيران هي التي تقود التحوّل العالمي في مجال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، والهند كذلك تتوسع في الطاقة المتجددة بشكل غير مسبوق. أما اليابان وكوريا الجنوبية، رغم تباطؤهما، فقد بدأتا تتعاملان مع أمن الطاقة كأولوية استراتيجية، حتى لو كان ذلك على حساب العلاقات التاريخية مع دول الخليج.
في حال استمرار هذا التوجه، ستفقد الدول الخليجية — إلى جانب العراق — أكبر وأهم أسواقها، ما قد يؤدي إلى تراجع العوائد النفطية، وزعزعة الاستقرار الاقتصادي والمالي في المدى المتوسط والبعيد.
رغم محاولات إيران استخدام المضيق كورقة ضغط، فإنها أيضاً تقف على حافة الخطر. مستقبل صناعتها النفطية مهدد، ليس فقط بالعقوبات، بل بتغيرات السوق العالمية. التهديدات المستمرة تعزل إيران أكثر، وتدفع الزبائن الآسيويين نحو موردين آخرين أكثر استقراراً، مثل روسيا، ماليزيا، الولايات المتحدة، بل وحتى إفريقيا.
أضف إلى ذلك أن أي تعطيل للمضيق يعني أن صادرات إيران، التي تمر أساساً عبره، ستتوقف، ما يشكل انتحاراً اقتصادياً ذاتياً.
تحول في الطلب الآسيوي ليس مؤقتاً ولا عاطفياً، بل مدفوع باعتبارات الأمن القومي والاقتصاد طويل الأجل. وعلى دول الخليج والعراق وإيران معاً أن تلتقط هذه الإشارات، لا عبر خطاب التطمين فقط، بل من خلال إعادة هيكلة سياسات الطاقة، وتنويع الاقتصاد، والمشاركة الجادة في التحول العالمي نحو الطاقة النظيفة. وإلا، فإن الزمن قد يتجاوزهم، ومضيق هرمز — الذي كان لعقود رمزاً للقوة قد يصبح كعب أخيل" الجغرافيا السياسية في المنطقة، أو كما قالت العرب «من مأمنه يؤتى الحَذِر».