يقف قطاع إدارة المرافق في الشرق الأوسط على أعتاب حقبة تحولية في عام 2025، حيث من المتوقع أن تصل قيمته إلى ما يقارب من 75 مليار دولار أميركي بحلول عام 2029. يجلب هذا التحول معه فرصاً واعدة وتحديات مُعتبرة في الوقت الذي تبادر إليه منظومة إدارة المرافق ككل بتبني نماذج تشغيلية جديدة تعطي الأولوية للابتكار التكنولوجي والاستدامة ورفع مستوى المهارات.
بالنسبة لشركات إدارة المرافق، سيكون عام 2025 عاماً مشهوداً لإعادة تعريف عمليات إدارة المرافق، الارتقاء بالقدرات والمهارات، تعزيز علاقات الموردين، وتبني استراتيجيات تعتمد على البيانات لضمان مواءمة القطاع في المنطقة مع التطورات العالمية، وضمان استمرار نموه وتأثيره.
ستلعب التكنولوجيا دوراً محورياً في مشهد إدارة المرافق، خاصة مع بروز الذكاء الاصطناعي والروبوتات وأتمتة العمليات كقوى فاعلة في دفع القطاع إلى الأمام. ستعمل هذه الابتكارات على تحويل طرق تقديم الخدمات واستهلاكها، مما سيؤدي بدوره إلى الارتقاء بتجارب المستخدمين وإضفاء طابع السلاسة عليها.
في المستقبل القريب، سيتمكن الموظفون من استخدام أجهزة محمولة أو أنظمة يتم تنشيطها صوتياً للتفاعل مع أماكن عملهم، بدءاً من تشغيل الأضواء، أو ضبط درجات حرارة الغرفة، إلى طلب القهوة مسبقاً، كل ذلك بتكامل سلس قائم على التقنيات الذكية.
ومع ذلك، يجلب هذا التحول معه الحاجة الملحة إلى رفع مستوى المهارات داخل شركات إدارة المرافق وبين مقدمي الخدمات. يجب أن تتخلى الشركات عن اعتمادها التقليدي على العمالة منخفضة التكلفة، وأن تفسح المجال للاستثمار في المهنيين المهرة القادرين على إدارة الأنظمة المتقدمة لتعزيز الإنتاجية والكفاءة.
تُظهر الاتجاهات العالمية في الأسواق المتقدمة أن زيادة تبني التكنولوجيا في إدارة المرافق تؤدّي إلى تحسينات كبيرة في الإنتاجية. وفقاً لتوقعات شركة "فروست أند سوليفان" لأبحاث السوق، ستولد أنظمة إدارة المباني أكثر من 500 مليون دولار أميركي من إيرادات دول مجلس التعاون الخليجي بحلول عام 2027، خاصة مع تبني أصحاب المباني شكل حلول الأتمتة الذكية هذه بشكل متزايد. ينبغي أن تحذو شركات إدارة المرافق في المنطقة ككل حذوها من خلال مركزية العمليات، وتبني أدوات الإدارة عن بعد، والاستفادة من الأتمتة لتظل قادرة على المنافسة وتعزز من جاهزيتها للمستقبل.
أحياناً، تركز الأساليب القديمة لتوفير خدمات إدارة المرافق بشكل غير متناسب على توافر العمالة، وغالباً بأقل تكلفة. في أسواق إدارة المرافق المتقدمة مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والعديد من أجزاء آسيا، تشير ممارسات ترسية عقود إدارة المرافق إلى تباين ملحوظ، إذ تؤكد النماذج المعتمدة لتقديم العروض في أسواق إدارة المرافق المتقدمة على الخبرة والنتائج، وتمكين التكنولوجيا لتقديم الخدمات، والابتكار، والتحول.
تحرص أسواق إدارة المرافق المتقدمة إلى الحصول على خدمات إدارة المرافق بطريقة تشجع الموردين على الابتكار وتمكين التكنولوجيا، مما يشجعهم على الارتقاء بمهاراتهم لتقديم خدمات أفضل. تركز الطرق التقليدية لتوفير العمالة في الغالب على شيء واحد: التكلفة الأقل. يجب أن تتحول استراتيجيات توفير الخدمات في منظومة إدارة المرافق في دول مجلس التعاون الخليجي أيضاً لمواكبة الاحتياجات المتطورة في المنطقة.
لقد ولّت أيام إعطاء الأولوية لخفض التكاليف على حساب الخبرة. ومع انتشار الذكاء الاصطناعي والروبوتات والأنظمة الذكية بشكل متزايد، ينبغي أن تركز الجهات المتخصصة بإدارة المرافق على تطوير الكفاءات التقنية والإدارية المتقدمة لتوفير هذه الابتكارات بشكل فعال. وفقاً لشركة "برايس ووتر هاوس كوبرز"، أعرب 61% من الموظفين عن حاجتهم إلى تعلم أدوات وتقنيات جديدة لأداء وظائفهم.
كما ينبغي أن تعطي المؤسسات الأولوية للتدريب والتطوير لتنمية قوى عاملة قادرة على الاستفادة من الأدوات الجديدة لتقديم خدمات متفوقة. مع الاستراتيجيات الحكومية البارزة، وعلى رأسها رؤية السعودية 2030 التي تدفع المملكة العربية السعودية نحو الريادة العالمية في مجال الأعمال والتكنولوجيا والسياحة، يجب على قطاع إدارة المرافق تأسيس قاعدة من القوى العاملة الماهرة لإدارة البنية التحتية المتقدمة التي تدعم هذه الطموحات.
ومن جهة أخرى، ينبغي أن تتحول الشركات من التفكير بخفض التكاليف إلى التركيز على خلق القيمة من خلال توظيف المهنيين المهرة والاستثمار في ثقافة التعليم المستمر. يساهم التدريب المعزز بتحسين جودة الخدمات ورفع الكفاءة التشغيلية وتعزيز رضا العملاء وولائهم. ناهيك عن الطلب المتزايد على إدارة الأصول التقنية والبيانات ومؤهلات الاستدامة والمهارات الشخصية.
بالإضافة إلى ذلك، يجب على شركات إدارة المرافق التأكد من تعزيز معارف المهنيين بالبيانات، وتمكينهم من تفسير الرؤى القائمة على البيانات واتخاذ قرارات مستنيرة. من شأن هذا الالتزام بالتطوير المهني أن يضع القطاع في وضع يسمح له بمواجهة التحديات والحفاظ على تنافسيته في هذا السوق سريع التطور.
مع تبني العديد من الحكومات في المنطقة نهجاً يستشرف مستقبلاً خالياً من الانبعاثات الكربونية، لم تعد الاستدامة مجرد كلمة فقط، بل أصبحت عاملاً مهماً لتمييز استراتيجيات قطاع إدارة المرافق. وفي عام 2025، سوف تشتد الجهود نحو الحياد الكربوني والعمليات المستدامة. يتطلع العملاء بشكل متزايد إلى مقدمي خدمات إدارة المرافق لمساعدتهم على تحقيق أهداف الاستدامة الطموحة عبر دورة حياة الأصول العقارية بالكامل - من التصميم والبناء إلى التشغيل وما بعده.
مع استنفاد التدابير الأكثر بساطة، مثل الإضاءة الموفرة للطاقة أو برامج الحد من النفايات، ينبغي أن تبادر المؤسسات باستكشاف طرق مبتكرة لدمج الاستدامة في كل مرحلة من مراحل عملياتها. يشمل هذا النهج الشامل إدارة مواد البناء وإعادة التدوير ودمج الشهادات الخضراء في الأطر التشغيلية. كما سيتم إلزام الموردين بمعايير أعلى مع التأكّد من مواءمة عقودهم مع أهداف الاستدامة التي يتبناها عملاؤهم، مع التركيز على المساءلة والشفافية.
ستمتد الاستدامة لتشمل مجالات أكثر مثل إعادة تدوير المواد والحفاظ على المياه والشهادات الخضراء، مما يجعلها بحق عامل تمييز رئيسي في سوق تنافسية. ستنجح الشركات التي تبادر بشكل استباقي في تحقيق الأهداف البيئية في تحقيق قيمة طويلة الأجل لعملائها والمجتمع الأوسع.
في عام 2025، ستصبح البيانات العمود الفقري لعمليات إدارة المرافق، مما سيمكّن المؤسسات من تحسين عملية اتخاذ القرار وتعزيز الكفاءة وتعظيم العائد على الاستثمار. ستوفر الأنظمة المركزية والتحليلات اللحظية لقادة إدارة المرافق الرؤى اللازمة، من نفقات رأس المال إلى تقديم الخدمات، لتحسين أداء الأصول وخفض التكاليف وتقديم خدمات متفوقة.
من خلال الاستفادة من كل ما سبق، ستتمكّن المؤسسات من تحديد الأنماط ودفع الرؤى القابلة للتنفيذ مثل الصيانة التنبؤية، تحسين تخصيص الموارد، إدارة دورة حياة الأصول بشكل أفضل وإجراء استثمارات أكثر ذكاءً. على سبيل المثال، يمكن للتحليلات اللحظية تحديد أوجه عدم الكفاءة لتمكين التدخل في الوقت المناسب والحد من الاضطرابات التشغيلية. كما ستسمح الاستراتيجيات القائمة على البيانات لشركات إدارة المرافق بالعمل بشكل أكثر فعالية، وتحسين تجارب العملاء، وتعزيز المرونة على المدى الطويل.
يمثل عام 2025 بداية رحلة تحويلية واعدة لمنظومة إدارة المرافق في الشرق الأوسط. يواصل مشهد إدارة المرافق في التطور إلى ما هو أبعد من صيانة المباني ليشمل دفع الابتكار وخلق القيمة ودعم العمليات المستدامة. ومع تبني القطاع للتقنيات المتقدمة والاستدامة وتحسين المهارات والاستراتيجيات القائمة على البيانات، ستعيد مؤسسات إدارة المرافق تعريف تجارب العملاء وتسليط الضوء على دور القطاع في دعم النمو الإقليمي. عند أخذ هذه الاتجاهات بعين الاعتبار، ستتمكن قيادات منظومة إدارة المرافق من وضع معايير جديدة للتميز، وضمان مرونة القطاع ونجاحه في المستقبل.