تصعيد الحرب التكنولوجية سيعيد على الأرجح تشكيل مشهد التجارة العالمية
اتسعت ساحة التوترات الجيوسياسية المستمرة بين الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين والصين، وامتدت نحو السيطرة على التقنيات الحيوية، خصوصاً تلك المتعلقة بأشباه الموصلات المتقدمة. وعلى مدى سنوات عدة، لجأت الدول الغربية إلى تشديد القيود على وصول الصين إلى الرقائق الإلكترونية المتقدمة، التي تعد ضرورية لدعم الابتكارات، مثل الذكاء الاصطناعي، فيما ردّت الصين بفرض قيود على تصدير المواد الأساسية لإنتاج أشباه الموصلات، ما خلق تحديات كبيرة أمام سلاسل التوريد العالمية.
في أغسطس من العام الماضي، فرضت بكين قيوداً على تصدير عنصري الغاليوم (Gallium) والجرمانيوم (Germanium)، المادتين الأساسيتين لصناعة أشباه الموصلات، إذ تسيطر الصين على الجزء الأكبر من الإنتاج العالمي لهاتين المادتين، بواقع 98% من إنتاج الغاليوم و60% من إنتاج الجرمانيوم. وتفرض القيود على الشركات الراغبة في تصدير أي من هاتين المادتين من الصين، الحصول على تراخيص خاصة بكل شحنة على حدة، ما تسبّب بحالة كبيرة من عدم اليقين والاضطراب في الإمدادات العالمية.
كان التأثير الفوري لهذه القيود واضحاً، فقد أظهرت بيانات التصدير نقصاً حاداً في توافر هذه المواد، تلاه انخفاض مستمر إلى نحو نصف المستويات التي كانت قائمة قبل فرض القيود. وأدى هذا الانكماش في العرض إلى زيادة حادة في الأسعار، ما خلق وضعاً حرجاً للشركات التي تعتمد على هذه المدخلات. ويحذر المطلعون على الصناعة من أن استمرار الاضطراب، قد يؤدي إلى نقص حاد، مع تأثيرات متسلسلة على سلاسل التوريد العالمية.
تؤكد هذه الحالة على الطبيعة المترابطة للاقتصاد العالمي. فبينما تسعى الدول الغربية إلى الحد من وصول الصين إلى أشباه الموصلات المتقدمة، فإنها لا تزال تعتمد على الصين في توفير المواد الخام الضرورية لإنتاج هذه الرقائق. وبالمثل، تعتمد الصين على أشباه الموصلات المصنعة في الغرب لقطاعاتها التصنيعية التي تنتج السلع الاستهلاكية للأسواق العالمية. وبالتالي، أدت هذه التبعية المتبادلة إلى لعبة معقّدة بين الطرفين، إذ يسعى كل جانب إلى استغلال نقاط قوته للتفوق على الآخر.
لم تقتصر الإستراتيجية الصينية على استخدام قيود التصدير المتعلقة بالغاليوم والجرمانيوم. فقد وسّعت تلك القيود لتشمل مواداً حيوية أخرى، بما في ذلك الغرافيت (Graphite) الضروري لبطاريات الليثيوم-أيون، ومؤخراً، الأنتيمون (Antimony)، وهو مادة تُستخدم في التطبيقات الدفاعية والسلع الاستهلاكية. ومن خلال سيطرتها على سلاسل الإمداد الحيوية هذه، تشير الصين إلى قدرتها على التأثير بشكل كبير على الصناعات التكنولوجية والدفاعية العالمية.
يعكس الصراع المستمر بين الولايات المتحدة والصين حول التكنولوجيا والمواد الخام لأشباه الموصلات، توترات أوسع في التجارة العالمية والسيطرة التكنولوجية.
ومع استمرار الطرفين في التصعيد، يُرجح أن تكون لهذه التحركات تداعيات واسعة على الصناعات العالمية، ما قد يعيد تشكيل مشهد سلاسل التوريد العالمية، والابتكار التكنولوجي، والتجارة العالمية.