ووفقا لمعهد "أنسي" في فرنسا، فإن العمل عن بعد غيّر علاقة الأسر الفرنسية بأماكن إقامتهم وفسح لهم المزيد من الحرية بهذا الخصوص.
فبسبب القيود الصحية التي فرضتها جائحة "كوفيد" اضطر العديد من الموظفين للعمل في منازلهم، لا بل وأحب العديد منهم طريقة العمل هذه كونها تسمح لهم بتغير مساكنهم للإقامة في الريف أو في أماكن صحية أخرى. بعيدة عن المدن الكبرى وضوضائها.
ووفقا لدراسة معهد "أنسي" يبدو بعد 3 سنوات من بداية جائحة كوفيد، أن هذا التوجه المتمثل بمغادرة المراكز الحضرية الكبيرة للاستقرار في المدن الصغيرة، قد أصبح واقعا، لا بل وهو يتسارع.
ووفقا لمؤلفي هذه الدراسة التي نشرت الأسبوع الفائت، فإن الديناميكية التي بدأت في عام 2020 بسبب التدابير للحد من انتشار الفيروس وتعميم العمل عن بعد "قد ساهمت في تعديل اختيار مكان الإقامة، وعلى وجه الخصوص اختيار أماكن بعيدة عن مكان العمل".
وللاطلاع على مدى انتشار هذه الظاهرة، قالت إيزابيل كابلا لانجلوا، المديرة الإقليمية للمعهد": قمنا بمقارنة بيانات الشركات الخاصة بالموظفين وبأماكن إقامتهم، فتبين أن الحد الأدنى للمسافة بين المنزل والعمل الذي يقطعه 10% من الموظفين الفرنسيين قد ازداد، وخاصة بالنسبة للعاملين في باريس وفي المدن التي يزيد عدد سكانها عن 700 ألف نسمة".
وأكدت لانجلوا أن زيادة المسافات ملحوظة بشكل خاص. بالنسبة للوظائف"القابلة للعمل عن بعد"، وأضافت أن هذا الواقع لا يعود فقط للموظفين، بل وأيضا لرواد الأعمال وأرباب العمل.
ومن جهتها، قالت ماري، التي تعمل لحسابها الخاص في مجال الإبداع الرقمي: "انتقلت إلى قرية في الشمال، وأنا الآن أعيش في منزل في الريف في مكتبي الخاص، وهذا ما أدى إلى تحسن كبير في نوعية حياتي وعملي".
من جانبه، ذكر ناتانيبل ماتيو، الرئيس والمؤسس المشارك للمنصة الرقمية" نيو نوماد ": إنه غادر باريس ليستقر في نانت قبل عقد من الزمن"، موضحا: "لم تعد باريس مناسبة للحياة الأسرية". وهو قرار سمح لموظفيه أيضا أن يحذو حذوه، وخصوصا بعد انتشار الوباء.
وأضاف ماتيو: "فريقنا موجود جغرافيا في كل مكان في جميع أنحاء البلاد، بفضل العمل عن بعد، بينما مكاتبنا في باريس.
وتظهر دراسة معهد "أنسي" بوضوح أن المناطق المعروفة بالفعل بجاذبيتها قد عززت صورتها وجذبت نسبة كبيرة من تحركات السكان منذ الأزمة، مثلا. المناطق في جنوب فرنسا. وعلى العكس من ذلك، يميل الفرنسيون إلى مغادرة منطقة باريس وغيرها من المناطق في شمال غرب البلاد.
وفي عام 2022، وصلت إلى مدينة أيل دي فرنسا، 35 أسرة جديدة، مقابل 100 أسرة غادرت المنطقة، وهذه النسبة أعلى مما كانت عليه في عام 2021.
هذه المغادرات العديدة من منطقة باريس (بما في ذلك على وجه الخصوص العديد من العائلات التي لديها أطفال صغار) تفيد جميع المناطق الأخرى في فرنسا الحضرية، ولا سيما المدن الصغيرة والمتوسطة الحجم.
وتلاحظ دراسة "أنسي" أن في المناطق الحضرية الصغيرة، تصل النسبة بين الوافدين والمغادرين في المدن التي يقل عدد سكانها عن 50000 نسمة إلى 1.28 في عام 2022، بينما كانت 1.19 في عام 2019.
ويقول ناثانايل ماتيو إنه "من خلال منصتي لتحديد مساحات العمل المشترك، يمكننا أن نرى بوضوح هذا الاتجاه التصاعدي في حضور رواد الأعمال في المناطق الأقل كثافة".