يشهد منصب «رئيس الذكاء الاصطناعي» (CAIO) في دبي طلباً متزايداً ليصبح من أكثر الألقاب الوظيفية المطلوبة، وهو تحوّل كبير مقارنةً بما كان عليه الحال قبل ثلاث سنوات فقط، حين كان هذا المنصب شبه غائب في منطقة الشرق الأوسط والخليج.
وفقاً لتقرير نشره موقع (AGBI)، يعود هذا الانتشار المتسارع للمنصب إلى التطورات السريعة في تقنيات الذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى تأثير شركات التكنولوجيا العالمية الكبرى، إذ بدأ رؤساء الذكاء الاصطناعي يظهرون في كل من القطاعين العام والخاص.
وفي الشهر الماضي، أعلنت «غوغل كلاود» عن شراكة مع «مؤسسة دبي للمستقبل» لتدريب دفعة جديدة من 22 مسؤولاً لشغل هذا المنصب تم تعيينهم في عام 2024، ما يعكس التزام دبي المتزايد بتعزيز الريادة الحكومية في مجال الذكاء الاصطناعي.
ورغم أن القطاع العام يشهد تبنياً متسارعاً لهذا المنصب، فإن تأثير رؤساء الذكاء الاصطناعي يبدو أكثر وضوحاً في القطاع الخاص. فقد أشار تقرير صادر عن شركة «ألتراتا» (Altrata) المتخصصة في تحليل الثروات إلى أن 4% فقط من المناصب المماثلة في الولايات المتحدة تتركز في القطاع العام، ما يسلط الضوء على هيمنة القطاع الخاص على هذا التوجه، وهو اتجاه بدأ ينعكس بشكل متزايد في المنطقة.
وبدأت كبرى الشركات في دبي في إدماج خبرات الذكاء الاصطناعي على مستوى القيادة العليا. فمجموعة «الفطيم»، إحدى أكبر المجموعات التجارية في المنطقة، عينت رئيساً للذكاء الاصطناعي يتولى مسؤولية استكشاف فرص الاستثمار المعتمدة على الذكاء الاصطناعي وتسريع التحول الرقمي داخل الشركة.
ومن المهم الإشارة إلى أن هذا المنصب لا يهدف إلى استبدال دور «رئيس قسم التكنولوجيا» (CTO) التقليدي، بل يُعد مكملاً له. ويوضح ناصر رحمن شيخ، رئيس الذكاء الاصطناعي في شركة «ساترون باور» البريطانية والمقيم في دبي، الفرق بين الدورين قائلاً: «إذا كان رئيس قسم التكنولوجيا مسؤولاً عن ضمان تشغيل الأنظمة بكفاءة، فإن رئيس الذكاء الاصطناعي يركز على التوجيه الاستراتيجي، والإرشاد الأخلاقي، وتحديد الأهداف بعيدة المدى».
ويضيف شيخ أن رئيس قسم التكنولوجيا غالباً ما يُعنى بتطبيق التكنولوجيا، فيما يُكلّف رئيس الذكاء الاصطناعي بالإجابة عن أسئلة أعمق تتعلق بالذكاء الاصطناعي، مثل: «هل هذا النموذج مناسب لاحتياجاتنا؟ وهل يمكننا شرح آلية عمله؟».
وتُظهر نتائج البحث على منصة «لينكدإن» تزايد عدد المهنيين في دبي الذين يحملون لقب رئيس الذكاء الاصطناعي، لا سيما في قطاع التكنولوجيا، إلا أن الشركات التقليدية بدأت بدورها مواكبة هذا التوجه. فمثلاً، يصف أحد كبار المسؤولين في شركة «دناتا» (Dnata) للخدمات الجوية التي تتخذ من دبي مقراً لها نفسه بأنه يشغل منصبي رئيس قسم التكنولوجيا ورئيس الذكاء الاصطناعي معاً، في إشارة إلى تداخل الأدوار على مستوى الإدارة العليا.
ويرى الخبراء أن تعيين رئيس الذكاء الاصطناعي يمنح الشركات ميزة تنافسية حقيقية، ويبعث برسائل قوية إلى المواهب المحتملة والمستثمرين. ويؤكد يان كرون، مستشار التوظيف التنفيذي في «راسل رينولدز أسوشيتس» (Russell Reynolds Associates)، والمتخصص في التوظيف التقني في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أن هذا المنصب يمثل بوابة نحو تحول استراتيجي عميق. ويقول: «يساعد وجود رئيس الذكاء الاصطناعي في جذب الكفاءات المتميزة في الذكاء الاصطناعي، ويُظهر مدى جدية الشركة في اعتماد التكنولوجيا المتقدمة».
لكن كرون يشير أيضاً إلى أن هذا الدور قد لا يكون دائماً. فمع مرور الوقت واندماج الذكاء الاصطناعي في العمليات المؤسسية، قد تُوزّع مهامه على مناصب تنفيذية أخرى مثل مدير المعلومات (CIO) أو رئيس قسم التكنولوجيا. ويضيف: «يمكن اعتبار هذا الدمج داخل المناصب التقليدية في الإدارة التنفيذية علامة حقيقية على نجاح الشركة في استيعاب الذكاء الاصطناعي».