تأثير واسع للحرب الدائرة في قطاع غزة على قطاع السياحة لما يتمتع به من حساسية شديدة تجاه الأوضاع الأمنية والعسكرية.
فالسائح الذي يغادر بلده ويتوجه إلى مكان آخر، هدفه الأول والأخير هو الاستمتاع بقضاء أيام هادئة في البلد التي سيزورها، وهذا الحال لا يتوافق حاليا مع ما تشهده منطقة الشرق الأوسط من صراعات عسكرية، والتي ستكبد القطاع السياحي خسائر بمليارات الدولارات.
فبعد أن كانت التوقعات تشير إلى موسم سياحي واعد في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة مصر ولبنان والأردن، إلا أن الرياح أتت بما لا تشتهي السفن.
فقد توقعت مذكرة بحثية لبنك الكويت الوطني، أن تؤدي حرب غزة وعدم وضوح مدة الصراع الحالي، إلى خفض إيرادات مصر الخارجية بقيمة 1.5 مليار دولار في كل ربع من العام بسبب انخفاض إيرادات السياحة وصادرات الغاز.
ووفقا لغرفة الشركات السياحية المصرية، تراجعت نسبة إشغال الفنادق في منطقة جنوب سيناء إلى نحو 10% منذ نشوب الحرب بعد أن كانت كاملة الحجز.
وتستهدف مصر زيادة إيرادات قطاع السياحة خلال العام المالي الحالي إلى ما بين 16 و17 مليار دولار، مقابل 14 مليار دولار متوقعة بنهاية العام المالي الماضي، وذلك وفقاً لموازنة العام المالي 2024/2023، الصادرة عن وزارة المالية المصرية.
وفي يوليو الماضي، كشف وزير السياحة المصري أحمد عيسى، أن مصر استقبلت ما يقرب من سبعة ملايين سائح في النصف الأول من العام الجاري، وهو ما يعد الأعلى في تاريخ البلاد لهذه الفترة ويمثل طفرة في انتعاش السياحة في مصر.
وتوقع عيسى، أن يتجاوز عدد الزوار في النصف الثاني من العام نظيره في النصف الأول، متوقعاً وصول عدد السياح القادمين إلى مصر في العام المقبل إلى 18 مليوناً.
أما لبنان التي كانت تشهد موسما سياحيا قويا خلال الصيف، ووصل عدد السياح إلى أكثر من مليوني سائح، بقيمة دخل نحو 1.5 مليار دولار، ما شجع على القيام بالتحضيرات المتقدمة لموسمي الخريف والشتاء مع الأعياد الآتية، لكن الحرب أوقفت كل ذلك، ووصلت عمليات إلغاء الحجوزات إلى 90%، ويتوقع أن تسجل 100% في حال توسعت الأعمال العسكرية.
وفي الأردن، أظهرت بيانات صادرة عن البنك المركزي الأردني، أن الدخل السياحي حقق ارتفاعاً بنسبة 50.1% خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري، ليبلغ 4.238 مليارات دولار.
وأوضحت البيانات، أن هذا الارتفاع جاء مدفوعا بارتفاع عدد السياح، الذين وصل عددهم إلى 3.720 ملايين سائح، بنسبة نمو بلغت 51.3%، لكن الوضع في الأردن يتشابه كثيرا مع لبنان ومصر، وبدأت إلغاءات الحجوزات في التزايد، ولم يتم تحديد نسبتها حتى الآن.
في هذا الصدد، قال مجدي سليم، وكيل وزارة السياحة المصرية الأسبق، إن القطاع السياحي في المنطقة العربية سوف يتأثر بقدر كبير بالحرب الدائرة في قطاع غزة، وهذا التأثير سيمتد إلى بعض الدول الأوروبية.
وأضاف سليم، في تصريحات خاصة لـ "إرم الاقتصادية"، أن التأثير الأكبر سيكون على مصر ولبنان والأردن وإسرائيل، لكن هناك بعض الدول الأوروبية مثل تركيا، سوف تتأثر أيضا بالحرب، مشيرا إلى أنه بالنسبة لإسرائيل، فهي طرف في الصراع والتأثير سيكون عليها أشد وطأة من أي دولة أخرى قريبة في المنطقة، وستتوقف السياحة فيها قطعا، سواء السياحة القادمة إليها أو المغادرة منها إلى دول أخرى.
وأوضح وكيل وزارة السياحة المصرية الأسبق أن التأثير سوف يمتد إلى مصر، سواء في مدن سيناء أو القاهرة والأقصر وأسوان، وقد لوحظ خلال الأيام الماضية انخفاض عدد السياح القادمين، وارتفاع طلبات إلغاء الحجوزات، مضيفا: "وهذا أمر طبيعي بسبب التوتر العسكري والسياسي في المنطقة، والذي يؤدي في النهاية إلى تخوف السياح من المجيء إلى البلاد القريبة من الصراعات".
وأشار سليم إلى أن إلغاء بعض الحجوزات وتناقص نسبة إشغالات الفنادق، مقارنة بالفترة السابقة لاندلاع الحرب قبل 20 يوما من الآن، يشير إلى تأثر السياحة المصرية بما يحدث، خاصة وأن معدلات السياحة كانت جيدة جدا، وإشغالات الفنادق كانت كاملة بنسبة كبيرة قبل الحرب.
وفيما يتعلق بلبنان، فإن حزب الله ومشاركته في الحرب بصفة أو بأخرى، والتصعيد المستمر في الجبهة اللبنانية وقصف إسرائيل لبعض المناطق في الجنوب سوف يؤثر على السياحة فيها، وتأثيره سيكون واضحا خلال الفترة القادمة، بحسب وكيل وزارة السياحة المصرية الأسبق.
وأوضح أن الأردن دولة مليئة بالفلسطينيين وبالتأكيد سوف تتأثر بالحرب، خاصة وأن التظاهرات في الشوارع الأردنية لا تتوقف تقريبا، وبالتالي سيكون هناك تخوف لدى السياح من زيارتها خلال الفترة القادمة.
وتابع سليم: "بصفة عامة التأثير لن يكون على هذه الدول فقط، وإنما سيكون على معظم الدول العربية وبعض الدول الأوروبية مثل تركيا، ولذلك نتمنى أن تنتهي هذه الحرب بعد تدخلات الدول الكبرى، حتى يعود الاستقرار والمعدلات الطبيعية للسياحة مرة أخرى في معظم الدول العربية، وخاصة مصر التي كان من المتوقع أن تتجاوز الرقم التاريخي المسجل في عام 2010 بنحو 15 مليون سائح، لكن ما حدث سوف يؤثر على الأعداد بنهاية العام".