في خطوة مفاجئة تحمل الكثير من الدلالات، قررت شركة فيراري الإيطالية تأجيل إطلاق سيارتها الكهربائية الثانية، لتُرحّل موعد الكشف عنها من عام 2026 إلى 2028 على الأقل، بحسب ما نقلته وكالة «رويترز» عن مصادر مطلعة داخل الشركة.
المصادر أكّدت أن الطلب الحقيقي على سيارات فيراري الكهربائية عالية الأداء يكاد يكون معدوماً. أحد المطلعين على خطط الشركة قال لرويترز إن «الطلب المستدام على هذه الفئة من السيارات الرياضية غير موجود حالياً»، في إشارة إلى تردّد العملاء الأثرياء في تبني التكنولوجيا الجديدة.
هذا التراجع في الطلب لا يخص فيراري وحدها، بل يعكس أزمة أوسع في سوق السيارات الرياضية الفاخرة، التي تجد صعوبة في إقناع زبائنها بالتخلي عن محركات الوقود التقليدية وما تمنحه من صوت، وإحساس، وروائح محببة لعشاق القيادة الحقيقية.
على الرغم من أن السبب الرئيس للتأجيل يعود إلى ضعف الإقبال، فإن فيراري ترى في هذه المهلة الإضافية فرصة لتطوير حلول كهربائية خاصة بها داخل الشركة، دون الاعتماد على موردين خارجيين. هذا التوجه يعكس فلسفة فيراري القائمة على التحكم الكامل بالتفاصيل الهندسية والبرمجية؛ ما قد يمنحها ميزة تنافسية مستقبلية.
من المخطط أن تكون أول سيارة كهربائية من فيراري نموذجاً محدود الإنتاج يُطرح في ربيع العام المقبل، بعد تأجيله سابقاً من أكتوبر. أما الطراز الثاني، فكان يُفترض أن يكون موجهاً للإنتاج الواسع؛ ما جعله عرضة أكثر لتقلبات السوق، وأدى إلى قرار التأجيل.
فيراري ليست وحدها في هذا التحدي؛ إذ إن شركة أستون مارتن، على سبيل المثال، أجّلت أيضاً إطلاق أول سيارة كهربائية لها، وعلّل رئيسها التنفيذي لورانس سترول ذلك بعبارة لافتة:
«العملاء يريدون أصواتاً وروائح... لا يريدون سيارة صامتة».
أما مازيراتي، فقد تخلّت عن مشروع سيارتها الكهربائية MC20 Folgore بعد 5 سنوات من التطوير، مبررة القرار بـ«غياب الاهتمام التجاري».
هذه المؤشرات مجتمعة تعكس فجوة عاطفية وتسويقية بين ما تريده الشركات وما يريده العملاء الحقيقيون في فئة السيارات الرياضية الفاخرة.
رغم أن التأجيل قد يُفسّر على أنه تراجع، إلا أنه يعكس نضجاً في القرار الاستراتيجي لدى فيراري. فالدخول في قطاع لا يزال غامض المعالم دون وجود قاعدة طلب قوية قد يضر بصورة العلامة التجارية الفاخرة، التي بنت شهرتها على الأداء المتطرف والعاطفة لا على التجريب.
كما يمنح التأجيل وقتاً أطول لتحسين الأداء، وإعادة تصميم تجربة القيادة الكهربائية لتلائم عشاق فيراري، الذين لا يقبلون بأنصاف الحلول.
من الناحية الاقتصادية، تُعدّ هذه الخطوة محاولة لتفادي مغامرة باهظة وغير مضمونة العوائد. تطوير سيارة كهربائية رياضية مكلف للغاية، وعندما تكون التوقعات التجارية منخفضة، تتحول هذه المشاريع إلى عبء على الميزانيات البحثية والتسويقية.
كما أن ارتفاع تكلفة المواد الأولية للبطاريات، وعدم وجود حوافز كافية في أسواق الرفاه، يجعل من تسويق هذه السيارات مهمة شاقة، حتى لشركة بحجم فيراري.
تأجيل فيراري لا يعني تراجعاً عن المسار الكهربائي، بل هو إعادة تموضع ذكية بانتظار نضوج السوق ووضوح اتجاهاتها. ومع التقدم المستمر في تقنيات الصوت الصناعي، ونقل الإحساس الميكانيكي إلى السيارات الكهربائية، قد نشهد في المستقبل القريب سيارة فيراري كهربائية لا تقل شغفا عن شقيقاتها المزودة بمحركات الاحتراق.
الرهان الحقيقي الآن، هل تستطيع فيراري إعادة تعريف الأداء الكهربائي بطريقتها الخاصة، كما أعادت سابقاً تعريف السرعة والإتقان في عالم السيارات؟.