logo
اقتصاد

من أوكرانيا لغزة.. مخاوف من ركود غير مسبوق للاقتصاد العالمي

من أوكرانيا لغزة.. مخاوف من ركود غير مسبوق للاقتصاد العالمي
تاريخ النشر:27 أكتوبر 2023, 06:03 م
حذر محللون من احتمالية الانحدار إلى فترة "كساد" جديدة، كتلك التي ضربت العالم خلال ثلاثينيات القرن العشرين وبداية عقد الأربعينيات، وذلك في ظل وقوع حربين في منطقتين استراتيجيتين تتميز كل منهما بأحد أهم السلع العالمية (القمح والنفط).

وتعاني أوروبا من حرب مستمرة بين روسيا وأوكرانيا، إحدى كبريات الدول الأعلى إنتاجًا للقمح عالميا - منذ فبراير 2022، بينما يشهد الشرق الأوسط - المنطقة ذات الإنتاج الغزير للنقط - حربًا أخرى بين حركة حماس وإسرائيل.

أيضًا، يعد الشرق الأوسط موطنًا لأكثر طرق الشحن ازدحامًا في العالم، حيث يضم طرقا ذات خاصية استراتيجية هامة، مثل: (قناة السويس والبحر الأحمر والخليج العربي ومضيق هرمز)، وهو ما يزيد من المخاطر الاقتصادية المرتبطة بالتصعيد.

وتتذبذب أسعار النفط بين ارتفاع وانخفاض محدود، ما بين 85-90، بينما بلغت أسعار القمح أرقامًا غير مسبوقة، خصوصًا بعد استهداف روسيا لميناء أوكراني على نهر الدانوب في يوليو الماضي.

ويصل سعر الطن الواحد للقمح لنحو 260 دولارا، وسط مخاوف من ارتفاعات أخرى في الطريق، مع استمرار الحرب.

في المقابل، تضرب حالة عدم يقين الاقتصاد الإسرائيلي، ما اضطر البنك المركزي للإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير للمرة الثالثة على التوالي.

أيضًا، أبقى البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة ثابتة مع تباطؤ الاقتصاد.

ركود كبير

وترى مديرة قسم الشرق الأوسط وإفريقيا لوحدة الاستخبارات الاقتصادية، بات ثاكر، أن أي هزات تضرب الشرق الأوسط تحديدًا، تؤثر بشكل كامل على السوق العالمي، كونها ممر الشحن الرئيسي للتجارة العالمية، فضلا عن أنها تعد "منتجا ضخما للنفط".

وحذرت في تصريحات نشرتها شبكة سي إن بي سي الأميركية، من أن استمرار الحربين - أوكرانيا وغزة - يساعد في تفاقم حالة عدم اليقين الاقتصادي الهائلة، ما يضطر بالبنوك المركزية إلى نقطة تحول في دورات تشديد السياسة النقدية.

وأوضحت أن عددا من الاقتصادات دخلت بالفعل في مرحلة الركود أو تتجه نحو الركود، محذرة من أنه مع ظهور المزيد من ارتفاع أسعار الفائدة من قِبل بنك الاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي، قد يدفعها إلى "حافة الهاوية"، على غرار مرحلة الكساد العظيم التي شهدها العالم في ثلاثينيات القرن الماضي.

ووضعت ثاكر ما وصفته بـ"السيناريو المتطرف" للحرب الدائرة في الشرق الأوسط، متوقعة أن يتخطى سعر خام برنت 100 دولار للبرميل لفترة طويلة، فضلا عن ارتفاع غير مسبوق للتضخم العالمي، ونمو اقتصادي أكثر ضعفًا، وركود كبير.

كما حذرت من أن أي توسع للحرب يزيد من مخاطر الهجوم على تجارة الطاقة وغير الطاقة التي تتدفق عبر قناة السويس، والتي تمثل ما يقرب من 15% من التجارة العالمية، وحوالي 45% من النفط الخام، لافتة إلى أن 9% من ناقلات الغاز الطبيعي المسال المكرر و8% تمر عبر هذا الطريق.

أعباء جديدة

ويرى الدكتور علي عبدالرؤوف الإدريسي، أستاذ الاقتصاد بالأكاديمية البحرية، أن الحرب في غزة تضع أعباءً جديدة على الاقتصاد العالمي على عدة مستويات، جزء منها ارتفاعات في معدلات التضخم، مع مزيد من الانكماش وتراجع في معدلات النمو الخاص به.

واعتبر أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من أكثر المناطق التي ستتأثر بهذه الحرب، لأن معظم الاقتصادات بها "منهكة" من عدة صدمات اقتصادية متتالية سواء كانت تداعيات أزمة كورونا أو حرب أوكرانيا، وبالتالي فإن حرب غزة تزيد من الأعباء على اقتصاداتهم وعلى سعر الصرف وعلى معدلات التضخم وعلى تراجع في معدلات النمو، وتراجع في معدلات الاستثمار الأجنبي المباشر وغير المباشر، مع ضغوط أكبر بشأن رفع أسعار الفائدة.

وأوضح أن هذا التأثر سيذهب أيضًا إلى حجم الإنفاق العسكري نتيجة التوترات الجيوسياسية القائمة، وكلها أعباء جديدة يتحملها الاقتصاد العالمي وبالأخص منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وحول الطرق التي على هذه الدول اتخاذها لمواجهة مثل هذه التداعيات والتحديات، يرى الإدريسي أن المواجهة الخاصة بالتداعيات جزء منها سياسي يعتمد على العمل لوجود حل دبلوماسي سريع.

أما اقتصاديًا، - يضيف الخبير الاقتصادي - "نحن بحاجة لمزيد من برامج الحماية الاجتماعية لمواجهة موجات التضخم الحالية والمتوقع زيادتها خلال الفترة المقبلة، وبحاجة لتقديم المزيد من الحوافز بالنسبة للمستثمرين وبالأخص المحليين".

وأشار إلى أن ما أسماه "مفتاح الصمود أمام هذه الصدمات" يأتي في يد المستثمر المحلي قبل الأجنبي، لأنه مع المخاطر الجيوسياسية الموجودة قد يترتب عليها تراجع في حجم الاستثمارات الأجنبية سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة.

وبالتالي فإن تقديم مزيد من الحوافز للمستثمر المحلي، مع إعفاءات جديدة والعمل على خلق منافسة حقيقية داخل السوق وزيادة الإنتاج في كافة القطاعات، وبالأخص قطاعات الاقتصاد الحقيقية المتمثلة في الزراعة والصناعة، ممكن أن تكون آليات لتقليل تداعيات الوضع الحالي، حسب وصف الخبير الاقتصادي.

وشدد الإدريسي على ضرورة أن تنتهج الحكومات بالمنطقة ما سماه "فقه الأولويات"، أي عدم البدء في أي مشروعات جديدة إلا إذا كانت ذات جدوى اقتصادية قصيرة الأجل، العائد منها سريع وذو تأثير، مشددًا على أن الاقتصادات الدولية، وخاصة بالشرق الأوسط لا تستطيع تحمل نتائج مشروعات خلال فترات زمنية طويلة - إبان الحروب -، مع ضرورة ترشيد فاتورة الاستيراد كخطوات للتقليل من تداعيات الحرب على الناس العاديين.

آثار اقتصادية مباشرة

وأوضح الخبير الاقتصادي السوداني الدكتور عادل عبد العزيز الفكي، أنه تجهيزًا للحرب على غزة وللتعبير عن المساندة لإسرائيل حركت الولايات المتحدة حاملتي طائرات للمنطقة فضلا عن حشد 2500 عنصر من القوات الخاصة ، فيما حركت بريطانيا عددًا من البارجات الحربية وكذلك فعلت ألمانيا ودول أخرى.

وأشار إلى أن تحريك هذه الجحافل العسكرية لمنطقة حيوية في قلب العالم سوف يكون له بكل تأكيد آثار اقتصادية مباشرة وأخرى غير مباشرة.

من الآثار الاقتصادية المباشرة - وفق المحلل الاقتصادي - الإنفاق المالي الهائل للتجهيزات العسكرية، حيث تكلف عمليات الاستنفار وتحريك قوات الاحتياطي ملايين الدولارات يوميًا ، فيما أدى استنفار قوات الاحتياطي في إسرائيل لتوقف العديد من الأنشطة الاقتصادية ، مما أدى لتوقع انخفاض نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل.

ورأى أن التحريك المفاجئ للقطع البحرية ورفع حالة الاستنفار لدى جيوش المنطقة والدول الأوربية له كلفة اقتصادية كبيرة سوف تؤثر على ميزانيات هذه الدول واستقرارها الاقتصادي.

وأوضح أنه من الآثار الاقتصادية المباشرة توقف الأنشطة السياحية أو تأثرها بشدة في دول المنطقة، حيث تم إلغاء العديد من الأفواج والرحلات السياحية في كل من إسرائيل ومصر والأردن ولبنان.

ومن الآثار المباشرة أيضًا ارتفاع كلفة التأمين البحري والتأمين الجوي العابر للمنطقة ولممر قناة السويس الحيوي.

أما الآثار غير المباشرة فتتمثل - وفق الفكي - في ارتفاع نسبة التضخم لدى دول المنطقة والدول الأوروبية الداعمة عسكريًا لإسرائيل ، مشيرًا إلى أن الدول الأوروبية خاضعة الآن لضغوط اقتصادية هائلة بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، واضطرارها لشراء الغاز الروسي بالروبل وبأسعار غالية مما أدى لاهتزاز اقتصاداتها، ومن ثمّ ستضيف الحرب على غزة المزيد من الضغوظ على اقتصادات هذه الدول.

وتوقع المحلل الاقتصادي السوداني، أن يكون للدول العربية المصدرة للنفط والغاز وبضغط من شعوبها مواقف قوية جدًا في حال استمرار الحرب على غزة، وقد تصل هذه المواقف لمرحلة إيقاف إمدادات النفط والغاز لأوروبا ولكل الدول الداعمة للحرب على القطاع، بما يُشكل كارثة اقتصادية على هذه الدول، وهذا شبيه بما تم في حرب 1973 على إسرائيل حينما أوقفت الدول العربية إمدادات النفط لدول أوربا الغربية.

ورغم استبعاد الفكي، أن تصل الأمور حد "الكساد" كما حدث في ثلاثينيات القرن الماضي، إلا أنه شدد على أن استمرار الحرب سيؤدي لكوارث اقتصادية كبيرة، لا تستهدف فقط دول منطقة الشرق الأوسط، وإنما أيضًا العديد من دول العالم.

logo
اشترك في نشرتنا الإلكترونية
تابعونا على
تحميل تطبيق الهاتف
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC