وتأتي هذه المشاريع في إطار توجه الدولة نحو التنمية الشاملة، وحرصها على تحقيق العدالة الاجتماعية، وتوفير حياة كريمة لجميع المواطنين.
وتشمل إنشاء مدن جديدة، وتطوير البنية التحتية، ومناطق صناعية وتجارية، وتطوير القطاعين الزراعي والسياحي.
ويقول الخبير الأمني والاستراتيجي، اللواء حمدي بخيت، إن "عملية التنمية في سيناء ضرورية للغاية، بسبب حالة الإهمال التي طالتها لسنوات عديدة".
وأوضح، في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن "سيناء اعتمدت لسنوات طويلة على السياحة في شرم الشيخ والزراعة في بعض المناطق التي تتمتع بمساحات شاسعة من الأراضي الخصبة".
وبحسب "بخيت"، أدركت الدولة أهمية اتخاذ خطوات جادة لتحقيق طفرة تنموية في سيناء، مع زيادة الأطماع في تلك الرقعة الجغرافية، سواء كانت مع تنامي الإرهاب خلال حقبة ما، أو مع تنامي دعوات توطين الفلسطينيين في هذه المنطقة، بعد أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
واتسمت التنمية في سيناء بالشمولية، حيث ركزت على إنشاء مجتمعات متكاملة، من خلال البناء والتطوير وتوفير الخدمات كافة، لجعلها منطقة جاذبة للسكان، مع مراعاة التقاليد البدوية، وفق "بخيت".
وأوضح أن "هذا التوجه شمل أيضًا تنويع المصادر الاقتصادية بين الصناعة والتجارة، من خلال استغلال الموارد المتاحة كافة في تلك الرقعة الجغرافية".
وعقب الاجتماع الأسبوعي لمجلس الوزراء في 2 نوفمبر/تشرين الثاني، المنصرم أعلنت الحكومة تخصيص 363 مليار جنيه لاستكمال المرحلة الثانية من تنمية شمال سيناء.
وجاء في الإعلان أن "قطاع الخدمات سيستحوذ على 55% من الاستثمارات الحكومية الموجهة لشمال سيناء، يليه قطاع البناء بنسبة 10.5%، ثم قطاع الزراعة واستصلاح الأراضي بنسبة 6.4%".
ومنذ عام 2014، خُصص أكثر من 600 مليار جنيه للمرحلة الأولى من مشروع تطوير وإعمار شمال سيناء، أُنفق الجزء الأكبر منها على مشروعات البنية التحتية"وذلك حسب مصادر حكومية.
وقال رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي، إن "خطة تطوير محافظتي شمال وجنوب سيناء، التي بدأت في عام 2014 مع زيادة عديد الجيش المصري في شبه الجزيرة لمحاربة تمرد داعش، كلّفت 600 مليار جنيه (19.4 مليار دولار)".
أما بشأن دعوات التوطين، فرأى "بخيت" أن "العملية التنموية تُعزز انتماء المواطن لبلاده، وهو الأمر الذي يخلق سداً شعبياً منيعاً ضد أي تهديد"، موضحًا أن "هذه الدعوات هي عملية تقويض لمعاهدة السلام مع مصر، بالإضافة إلى أنها تطمس الهوية الفلسطينية، في مخالفة صريحة لقواعد الشرعية الدولية".
ووفقًا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، يبلغ عدد سكان شمال سيناء 450.528 نسمة، بينما يعيش 111.108 نسمة فقط في جنوب سيناء، وتبلغ مساحة شبه الجزيرة 61 ألف كيلومتر مربع، أو 6% من إجمالي مساحة اليابسة في مصر.
ومن جانبها، أكدت أستاذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة، الدكتورة نورهان الشيخ، أن "التنمية هي السلاح الأبرز في مواجهة التحديات المرتبطة بالأمن القومي، حيث يُمثّل غياب الجانب التنموي المدخل الرئيس لجميع المخاطر التي تواجه جبهات معينة، خاصة الجبهات التي تحظى بأهمية استراتيجية كسيناء".
وأولت الدولة اهتمامًا كبيرًا بتنمية سيناء، ويظهر ذلك بوضوح من خلال الاستثمارات التي تخصصها الحكومة في خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية السنوية، لتنفيذ مشروعات في مجالات مياه الشرب والصرف الصحي والزراعة، الري والتعليم والنقل وغيرها.
وفي تصريحات لـ"إرم نيوز"، أوضحت "الشيخ" أن "التنمية أدت دورًا رئيسًا في مكافحة الإرهاب، الذي مثّل تهديدًا صارخًا خاصة في سيناء".
وفيما يتعلق بخطة التنمية الاقتصادية لسيناء، أنفقت مصر أكثر من 750 مليار جنيه على مشروعات التنمية خلال السنوات العشر الماضية.
وقد بلغت الاستثمارات الحكومية بمجملها لتنمية سيناء حسب وزارة التخطيط لعامي 2024/2023 نحو 6.5 مليارات جنيه.
وأشارت "الشيخ" إلى أن "التنمية لا تقتصر على الجانب الاقتصادي، بل تتضمن أيضًا الجانب الاجتماعي، الذي يعتمد على تنمية الفكر وتعميق الانتماء للوطن، ويُعدُّ الجانب الاجتماعي أساسًا مهمًا في مواجهة دعوات التوطين".
وحاولت التنظيمات الإرهابية استقطاب عناصرها عبر الإغراءات المالية، من خلال الرواتب الضخمة التي كانت تدفعها، وبالتالي أمام هذه المغريات التي تغذي التطرف كان لا بد للتنمية أن تكون ركيزة أساسية إلى جانب الأمن في مواجهة الميليشيات المتطرفة، وفق تقدير "الشيخ".
وترى أن "الحديث عن توطين الفلسطينيين ليس جديدًا، ولكنه امتداد لطروحات سابقة تتكرر اليوم، ويبقى الأهم في مواصلة العملية التنموية في سيناء، التي تمثّل ردًّا قوياً على تداعيات أزمة غزة، وإلى جانب التصدي التنموي لا بد من ذكر الخطاب السياسي الصلب والثابت للدولة المصرية التي تتصدى بلا هوادة لمخطط التوطين.
وقد رفضت مصر أي محاولة لنقل أهالي غزة من أراضيهم للأراضي المصرية، على أساس أن موقف القاهرة نابع من حماية حقوق الشعب الفلسطيني في بناء دولته.
أما أستاذ العلوم السياسية، الدكتور رأفت عبد العزيز، فيرى أن "تأخر التنمية سابقا يُعد المعضلة الكبرى التي واجهت سيناء، ما جعلها مطمعًا كونها تحظى بأهمية استراتيجية"، موضحًا أن "المشروعات التنموية تُحصنّها من كل المحاولات التي تُهدد أمنها القومي".
فالتنمية الشاملة في سيناء، اقتصاديًّا وسياسيًّا واجتماعيًّا، تجعلها محصنة أمام أي مخطط يستهدفها، فالتنمية تعطي سيناء استقلالية أكبر ودورًا أهم في منطقة الشرق الأوسط، وفق تقدير "عبد العزيز".
ورأى في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن "التنمية أدت الدور الأكبر في الحرب على الإرهاب، وظهرت ثمارها مجددًا مع الحرب في غزة"، مؤكدًا أن "الجانب التنموي بات محورًا رئيسًا في مجابهة التحديات الأمنية، بعدما كان الاعتماد قاصرًا على البُعد العسكري والأمني فقط".
ويعكس هذا التحول مواكبة الدولة المصرية للتطورات العالمية التي تؤكد أهمية التنمية في تحقيق الأمن والاستقرار، وفق تقدير "عبد العزيز".