قفزت تكاليف المعيشة في مصر بشكل غير مسبوق خلال العقد الماضي، حيث ارتفعت الأسعار بأكثر من 310% منذ عام 2015، في حين لم تشهد الأجور ارتفاعاً مماثلاً، ما أدى إلى تراجع القدرة الشرائية للمواطنين وزيادة الضغوط على ميزانيات الأسر، وفقاً لتقديرات مؤسسة «فوكوس إيكونوميكس» وتقارير التضخم الصادرة عن «البنك المركزي المصري» و«فريد» التابع للاحتياطي الفيدرالي الأميركي.
بحسب البيانات المتاحة من مؤسسات دولية، ارتفع معدل التضخم التراكمي في مصر خلال السنوات العشر الماضية بنسبة تفوق 310%، هذا يعني ببساطة أن ما كان المواطن يشتريه بـ100 جنيه في 2015، أصبح يحتاج إلى أكثر من 400 جنيه لشرائه اليوم.
ويُعد هذا الارتفاع من بين الأعلى في تاريخ الاقتصاد المصري الحديث، وتُظهر بيانات «البنك المركزي المصري» أن معدلات التضخم السنوية تراوحت بين 5% و34%، وبلغت ذروتها في عام 2023 عند 33.9%، وفقاً لمؤسسة «فوكوس»، ثم بدأت تتراجع تدريجياً إلى نحو 28.3% في 2024، مع بقاء الأسعار مرتفعة مقارنة بالمستويات السابقة.
في المقابل، تشير بيانات «سي إي آي سي» إلى أن متوسط الأجر الشهري في مصر بلغ نحو 163 دولاراً في عام 2023، انخفاضاً من حوالي 456 دولاراً في 2015، أي أن الدخل المقوّم بالدولار تراجع بنسبة تقارب 64% خلال العقد.
أما بالجنيه المصري، فقد ارتفع متوسط الأجر الأسبوعي من قرابة 1,000 جنيه في بداية العقد إلى 1,251 جنيهاً مؤخراً، بحسب تقرير الأجور السنوي الصادر عن «الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء». لكن بالنظر إلى التضخم الكبير، فإن هذه الزيادة لم تنعكس تحسناً حقيقياً في مستوى المعيشة، بل تآكلاً في القيمة الشرائية للدخل، وهو ما يشعر به المواطن يومياً في الأسواق.
سجلت أسعار السلع الغذائية والإيجارات والنقل والمرافق زيادات حادة، خاصة بعد تحرير سعر صرف الجنيه في عام 2016، ثم جائحة كورونا، وأخيراً تداعيات الحرب في أوكرانيا التي أثرت على أسعار الغذاء والطاقة عالمياً.
وتُظهر بيانات «الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء» أن الطعام والشراب يستحوذان على أكثر من 40% من نفقات الأسر المصرية، ما يجعل هذه الفئات الأكثر تأثراً بالتضخم المرتفع.
في ظل تسارع الأسعار وبطء نمو الأجور، يعاني العديد من المصريين، خاصة من أبناء الطبقة المتوسطة ومحدودي الدخل، من فجوة متزايدة بين الرواتب وتكاليف المعيشة، وتضطر الأسر لتقليص استهلاكها أو البحث عن مصادر دخل إضافية، بينما يفكر بعض الشباب في الهجرة كخيار بديل لتحسين ظروفهم الاقتصادية.
بحسب توقعات صندوق النقد الدولي وتقارير اقتصادية دولية، من المرجّح أن يتراجع التضخم تدريجياً خلال النصف الثاني من عام 2025، مدفوعاً باستقرار الجنيه وتحسن بيئة الاستثمار، ضمن برنامج الإصلاح الاقتصادي الجاري.
لكن، بحسب تقارير دولية ومحلية، فإن كبح التضخم وحده لا يكفي، بل يتطلب الأمر أيضاً رفع الأجور الحقيقية وتحسين الإنتاجية وربط الرواتب بمستوى الأسعار، بما يضمن استعادة التوازن المعيشي للمواطن المصري.