خاص
خاصالرئيسان الروسي والصيني

روسيا والصين.. تحالفٌ اقتصادي يغير قواعد اللعبة على الساحة الدولية

يشهد عام 2024 تحولاتٍ مُتسارعة على الساحة الدولية، تُلقي بظلالها بشكل خاص على الدول الأوروبية فبينما تُحاول الولايات المتحدة الحفاظ على قوتها وهيمنتها للعالم، تُبادر كل من الصين وروسيا بخطواتٍ استراتيجية بتعزيز نفوذهما على الصعيدين السياسي والاقتصادي.

ولم يكن من المتوقع بالنسبة لرؤساء الدول الأوروبية ولخُبراء الاقتصاد العالمي أن يشهد الربع الأول من العام 2024، قمة ثنائية بين الرئيس الصيني شي بينج، والروسي فلاديمير بوتين تُوّجت باتفاقياتٍ اقتصاديةٍ ضخمة.

تجاذبات سياسية

ورأى الخبير الاقتصادي الدكتور شادي مشقوق، أن التقارُب الروسي الصيني رد طبيعي على التجاذبات الجيوسياسية بين كل من بكين وواشنطن، وموسكو وواشنطن.

وأوضح، في تصريحات لـ"إرم اقتصادية"، أن "هذا التقارب ساعد البلدين على الهروب من وطأة العقوبات الأمريكية، التي ما زالت تُلقي بظلالها على الاقتصادين".

وأشار إلى أن التعاون بين روسيا والصين نجح بشكلٍ كبيرٍ في تعزيز قوة اقتصاديهما، مُوجّهاً ضرباتٍ قويةً للدولار الأمريكي، الذي يشهد تقلباتٍ عنيفةً لم يشهدها من قبل.

وتوقع مشقوق أن يستمر هذا التقارب في الازدياد خلال الفترة المقبلة، مما سيُؤدي إلى تغيراتٍ جذريةٍ في النظام الاقتصادي العالمي.

وتأتي تصريحات مشقوق في ظل تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة والصين، وروسيا والولايات المتحدة، ففي الوقت الذي تُحاول فيه واشنطن الحفاظ على هيمنتها، تُسعى كل من بكين وموسكو إلى تغيير قواعد اللعبة.

ويُعدّ التقارب الروسي الصيني أحد أهم التطورات الجيوسياسية في العقد الحالي، إذ يُمكن أن يُؤدي إلى تشكيل نظام عالمي جديد يُنافس النظام الحالي الذي تقوده الولايات المتحدة.

وأضاف الخبير أن "الرئيسين الروسي والصيني توقعا أن يبلغ حجم التجارة بين البلدين العام الماضي نحو 200 مليار دولار، إلا أن الحقيقة تجاوزت هذه التوقعات بنسبة 26% تقريبًا، إذ بلغ حجم التجارة الصينية الروسية مستوى 240 مليار دولار"، وعزا هذا الازدهار إلى خطوة الاستغناء عن الدولار، والتعامل بالعملات المحلية للبلدين.

وتحاول واشنطن السيطرة على الاقتصاد العالمي، خاصةً الاقتصاد الروسي والصيني، من خلال فرض عقوباتٍ اقتصاديةٍ عليهما وحرمانهما من التصدير إليها، إلا أن هذه العقوبات لم تُحقق أهدافها، بل أدّت إلى نتائج عكسية، إذ اتجهت روسيا والصين إلى التعاون مع بعضهما، مما ساعد على تعزيز قوة اقتصاديهما.

وأشار الخبير إلى أن "هذا التقارب أدى أيضاً إلى خسارة الولايات المتحدة للتبادل التجاري مع دولتين من كبرى اقتصادات العالم، مما أثر بشكلٍ كبيرٍ على اقتصادها".

وفي العام الماضي، سجلت التجارة الثنائية بين الصين وروسيا مستوى قياسيًّا ليصل حجم التجارة بين البلدين إلى أكثر من 240 مليار دولار، وللمرة الأولى تراجع حجم التجارة بين بكين وواشنطن إلى 327 مليار دولار، وفقًا لصحيفة "آسيا تايمز".

ولم تكتفِ هاتان الدولتان بتوسيع التبادل التجاري بينهما والذي بلغ مستويات قياسية، بل اتفقتا على مواجهة العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الولايات المتحدة عليهما، من خلال الاستغناء عن الدولار في التعامل التجاري بينهما، الأمر الذي أدى إلى تفاقم المشكلات الاقتصادية التي يُعانيها الاقتصاد الأمريكي، وفقًا لتصريحات خُبراء الاقتصاد.

مستويات غير مسبوقة

ويقول أستاذ الاقتصاد بجامعة سطيف الجزائرية، فارس هباش، إن "الاقتصاد الصيني بدأ بالتعافي من أزماته، مدعومًا بالتبادل التجاري مع روسيا"، وأوضح أن "حجم التبادل التجاري بين الصين وروسيا وصل إلى مستويات غير متوقعة، بينما تراجع حجم التجارة الصينية الأمريكية بشكلٍ كبير".

وأشار الخبير، في تصريحات لـ"إرم اقتصادية"، إلى أن "حجم التجارة بين الصين والولايات المتحدة انخفض من 664 مليار دولار في عام 2019 إلى 327 مليار دولار في منتصف عام 2023".

واستغلت الصين وروسيا التوترات الجيوسياسية مع الولايات المتحدة لصالح اقتصاديهما، إذ ارتفع حجم التبادل التجاري بينهما بشكلٍ كبيرٍ بعد القمة الثنائية التي جمعت الرئيسين شي بينج وفلاديمير بوتين في الربع الأول من عام 2023، وفق هباش الذي أضاف أن "حجم التبادل التجاري بين البلدين بلغ نحو 190 مليار دولار في عام 2022، بينما ارتفع إلى 240 مليار دولار بعد القمة".

وأوضح هباش أن "الصين تُعد أكبر مُستورد للنفط في العالم، إذ بلغ حجم احتياجها السنوي في العام الماضي 11.200 مليون برميل، ووصل حجم احتياجاتها من الغاز إلى 119.97 مليون طن سنوي، وهو ما يدل على أن روسيا هي المورد الآمن لبكين".

وبعيدًا عن التبادل التجاري بين موسكو وبكين، هناك استثمارات متبادلة بينهما تبلغ نحو مليار دولار استثمارات روسية في الصين، ونحو 10 مليارات دولار استثمارات صينية في روسيا، لذا فإن حجم التبادل التجاري هو الذي يجسد التقارب السياسي والاقتصادي بين البلدين، وفق تقدير الخبير الاقتصادي.

ويقول عضو مجلس أمناء مركز الشرق الأوسط للدراسات الاقتصادية، هاشم عقل، إن "ارتفاع معدلات التبادل التجاري بين بكين وموسكو نابع من الاستراتيجية السياسية التي اتفق عليها رئيسا الدولتين"، وتوقع أن يشهد العام الحالي زيادة في هذا التبادل التجاري بينهما، الذي قد يصل إلى 300 مليار دولار بنهاية 2024.

وأضاف عقل، في تصريحات لـ"إرم اقتصادية"، أن "التعاون بين روسيا والصين نجح في التغلب على العقوبات الأوروبية المفروضة على البلدين من الولايات المتحدة"، وأوضح أن "هذا التعاون سمح للبلدين بالاستغناء عن الاستيراد من الدول الغربية، وتوطين الاستثمار الصيني الروسي والعكس، خاصة في مجالات صناعة السيارات والطاقة وغيرها".

Related Stories

No stories found.
إرم الاقتصادية
www.erembusiness.com