تشهد الأوساط المالية والاقتصادية في مصر حالة من الترقب قبيل الاجتماع الرابع للبنك المركزي المصري، خلال العام الحالي، والمقرر انعقاده غداً الخميس لتحديد سعر الفائدة الجديد.
ويترقب المصريون بشغف قرارات "المركزي المصري" بشأن أسعار الفائدة، والتي تمثل إحدى أهم الأدوات الاقتصادية لمواجهة الضغوط التضخمية والحفاظ على استقرار الأسعار في السوق.
يأتي هذا الاجتماع في ظل انتهاج البنك سياسة نقدية متشددة خلال السنوات الأخيرة، والتي كان لها تأثير كبير على مختلف قطاعات الاقتصاد المصري، وتهدف هذه السياسات النقدية المشددة إلى السيطرة على الضغوط التضخمية الناجمة عن تحرير سعر الصرف وانخفاض قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار.
إزاء اجتماع الخميس، اختلفت آراء الخبراء الاقتصاديين بشأن قرار البنك المركزي المقبل؛ إذ يرجح خبيران لـ"إرم بزنس" اختيار البنك المركزي الإبقاء على أسعار الفائدة للحفاظ على استقرار السوق المالية، بينما رأت محللة اقتصادية ثالثة احتمالية رفعها على خلفية التحديات الاقتصادية العالمية والمحلية.
أوضح الخبير الاقتصادي الدكتور مدحت نافع، أن هناك العديد من المؤشرات التي قد تدفع البنك المركزي المصري إلى الإبقاء على سعر الفائدة في اجتماعه المقبل.
وأشار نافع إلى أن من هذه العوامل، اتجاه الحكومة المصرية لرفع أسعار المحروقات خلال الفترة المقبلة؛ ما يعرقل أي توجه نحو التيسير النقدي وخفض أسعار الفائدة، هذا فضلا عن تراجع معدل التضخم السنوي في يونيو إلى مستويات لم تصل إلى النطاق المستهدف حسب الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، الذي يهدف إلى خفض التضخم لأدنى من 25%.
لكنه أوضح أن التضخم على المستوى الشهري ارتفع في يونيو 1.8% بعد تراجعه خلال مايو 0.8% وهو مؤشر على ضرورة التمهّل في زيادة أسعار منتجات الطاقة والتيسير النقدي بخفض الفائدة.
وتعكس الزيادة في مستوى التضخم الشهري تأثير الصدمة التضخمية الناتجة عن قرارات مارس؛ إذ شهدت معدلات التضخم ارتفاعًا بين مايو ويونيو الماضيين، لذا استبعد الخبير المصري أن يرفع "المركزي المصري" سعر الفائدة في اجتماعه المقبل.
يتفق مع نافع الخبير الاقتصادي المصري وائل عنبه بأن من المحتمل أن يتجه البنك المركزي نحو تثبيت أسعار الفائدة في الاجتماع المقبل، نظراً للانخفاض الطفيف في معدلات التضخم وتحقيق استقرار نسبي في السوق المالية.
واستشهد "عنبه" ببيانات البنك المركزي المصري بشأن معدل التضخم السنوي في مصر، التي أظهرت تراجعا للشهر الرابع على التوالي في يونيو الماضي إلى 27.1% في يونيو من 27.4% في مايو على أساس سنوي، موضحاً أنه رغم تباطؤ التضخم لا يزال فوق مستهدفات البنك المركزي المقررة بين 5% إلى 9% بنهاية الربع الرابع من 2024.
كما يرى الخبير الاقتصادي أن البنك المركزي المصري يلتزم باستخدام جميع الأدوات المتاحة للحفاظ على استقرار الأسعار والسيطرة على التضخم.
في المقابل، هناك من يعتقد أن البنك المركزي قد يضطر إلى رفع أسعار الفائدة مرة أخرى لمواجهة أي تصاعد محتمل في معدلات التضخم. ومن بينهم المحللة الاقتصادية ريم خليل، التي تشير إلى أن "الضغوط التضخمية قد تستمر بسبب التحديات الاقتصادية العالمية والمحلية، والتوترات الجيوسياسية في المنطقة، وتأثر البحر الأحمر بها؛ إذ تقلصت إيرادات هيئة قناة السويس؛ ما قد يدفع البنك المركزي إلى رفع أسعار الفائدة كإجراء "احترازي" خصوصاً أنه سبق وثبت سعر الفائدة في آخر اجتماع له خلال مايو الماضي.
فالاقتصاد المصري، وفق خليل، يواجه تحديات عدة تؤثر على قرارات السياسة النقدية، وترجح الاتجاه نحو رفع الفائدة، منها استمرار ارتفاع التضخم الذي يعد أحد أبرز هذه التحديات.
قررت لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري، في مايو الماضي، الإبقاء على أسعار الفائدة القياسية على الإيداع والإقراض لليلة واحدة دون تغيير عند 27.25% و28.25% على التوالي.
هذا القرار جاء بعد رفع أسعار الفائدة بمقدار 600 نقطة أساس في مارس الماضي، ليصل إجمالي زيادات أسعار الفائدة منذ بداية سياسة التشديد النقدي في عام 2022 إلى 1900 نقطة أساس.
وتضمنت هذه الزيادات 300 نقطة أساس في عام 2022، و800 نقطة أساس في عام 2023، و800 نقطة أساس أخرى في عام 2024.
أما في 21 مارس 2022، فرفع "المركزي" سعر الفائدة 1% للمرة الأولى من 5 سنوات وقتها، ليصل إلى 9.25% للإيداع و10.25% للإقراض. ومنذ ذلك التاريخ أصدر "المركزي" 18 قراراً بشأن سعر الفائدة تباينت ما بين التثبيت والرفع.
كما رفع البنك المركزي المصري سعر الفائدة، 19% على مدار ثماني مرات خلال العامين الماضيين، ليصل إلى 27.25% للإيداع و28.25% للإقراض.
تأتي هذه الزيادات في وقت بدأت فيه الضغوط التضخمية بالانحسار، متراجعة إلى أدنى مستوياتها خلال الأشهر الـ 18 الماضية.
وأسفرت سياسة التشديد النقدي ورفع سعر الفائدة إلى انخفاض في قيمة الجنيه المصري، فمنذ أوائل عام 2022 خفض المركزي المصري العملة المحلية 3 مرات، ثم قرر في السادس من مارس الماضي السماح لسعر صرف الجنيه بالتحرك وفقا لآليات السوق، بعد قراره المفاجئ برفع أسعار الفائدة بصورة كبيرة 6%.