وول ستريت
وول ستريتShutterstock

أوروبا.. من أزمة طاقة إلى انفجار في أسعار الأغذية

يواجه الأوروبيون، الذين لم يتنفسوا الصعداء بعد أزمة الطاقة، انفجاراً في أسعار المواد الغذائية يؤدي إلى تغيير النظم الغذائية، وإرغام المستهلكين في جميع أنحاء المنطقة على شد أحزمتهم - بالمعنى الحرفي للكلمة.

وتحدث هذ الزيادات على الرغم من أن التضخم ككل، ينخفض بفضل تراجع أسعار الطاقة، مما يمثل تحدياً جديداً للحكومات التي خصصت مليارات الدولارات، كمساعدات العام الماضي لإبقاء الشركات والأسر على قدميها خلال أسوأ أزمة طاقة منذ عقود.

وأظهرت بيانات جديدة يوم الأربعاء، أن التضخم في المملكة المتحدة انخفض بشكل حاد في أبريل، مع تباطؤ أسعار الطاقة، في أعقاب نمط مماثل في جميع أنحاء أوروبا والولايات المتحدة، لكن أسعار المواد الغذائية كانت أعلى بنسبة 19.3% عن العام السابق.

وفاجأ الارتفاع المستمر في أسعار المواد الغذائية، محافظي البنوك المركزية وزاد الضغوط على الحكومات التي لا تزال تعاني من تكلفة الدعم الطارئ في العام الماضي، كما أنه يضغط أيضاً على ميزانيات الأسر التي تتعرض أيضًا لضغوط بسبب ارتفاع تكاليف الاقتراض.

وفي فرنسا، خفضت الأسر مشترياتها من المواد الغذائية، بأكثر من 10% منذ غزو أوكرانيا، بينما انخفضت مشترياتها من الطاقة بنسبة 4.8%.

وفي ألمانيا، انخفضت مبيعات السلع الغذائية بنسبة 1.1% في مارس عن الشهر السابق، وتراجعت بنسبة 10.3% عن العام السابق، وهو أكبر انخفاض منذ عام 1994. ووفقاً لمركز المعلومات الفيدرالي للزراعة، كان استهلاك اللحوم أقل في عام 2022 أكثر من أي وقت مضى منذ عام 1989، على الرغم من أنه قال إن ذلك قد يعكس جزئياً تحولاً نحو تبني المزيد من النظم الغذائية، القائمة على استهلاك النباتات بشكل أكبر.

وشهد تجار بيع المواد الغذائية بالتجزئة، تقلص هوامش ربحهم لأنهم لا يستطيعون نقل الزيادات في الأسعار بالكامل من مورديهم إلى عملائهم. وأخبر ماركوس موسى، الرئيس التنفيذي لسلسلة متاجر إيديكا، وسائل الإعلام الألمانية أن الشركة توقفت عن طلب المنتجات من العديد من الموردين الكبار، بسبب ارتفاع الأسعار.

ووجدت دراسة استقصائية أجراها مكتب الإحصاء الوطني البريطاني، في وقت سابق من هذا الشهر، أن ما يقرب من ثلاثة أخماس أفقر 20% من الأسر كانت تقلص من مشترياتها من المواد الغذائية.

وقال لودوفيك سوبران كبير الاقتصاديين في شركة "أليانز"، الذي عمل سابقاً في برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة: " هذه أزمة استحقاقات، لم ينخفض إجمالي إنتاج الغذاء".

ويمثل الغذاء نصيباً أكبر بكثير من إنفاق المستهلكين مقارنة بالطاقة، لذا فإن ارتفاع الأسعار بشكل أقل له تأثير أكبر على الميزانيات. وتقدر مؤسسة ريزوليوشنز في المملكة المتحدة، أنه بحلول الصيف سيكون الارتفاع التراكمي، في فواتير الغذاء منذ عام 2020، قد وصل إلى 28 مليار جنيه إسترليني، أي ما يعادل 34.76 مليار دولار، متجاوزاً الارتفاع في فواتير الطاقة، التي تقدر بنحو 25 مليار جنيه إسترليني.

وكتب تورستن بيل الرئيس التنفيذي لمجموعة ريزوليوشنز للأبحاث، في تقرير حديث: "أزمة تكلفة المعيشة لا تنتهي، إنها تدخل مرحلة جديدة".

الغذاء ليس المحرك الوحيد للتضخم في المملكة المتحدة، ارتفع معدل التضخم الأساسي - الذي يستثني الغذاء والطاقة - إلى 6.8% في أبريل من 6.2% في مارس، وهو أعلى مستوى له منذ عام 1992، وكان التضخم الأساسي قريباً من أعلى مستوى قياسي له في منطقة اليورو خلال نفس الشهر.

ومع ذلك، أخبر حاكم بنك إنجلترا أندرو بيلي المشرعين يوم الثلاثاء أن أسعار المواد الغذائية تشكل الآن "الصدمة الرابعة" للتضخم، بعد الاختناقات التي أوقفت سلاسل التوريد خلال وباء كوفيد -19، وارتفاع أسعار الطاقة الذي صاحب الغزو الروسي لأوكرانيا، وأسواق العمل الضيقة.

وأنفقت الحكومات الأوروبية بشكل كبير على دعم الأسر، مع ارتفاع أسعار الطاقة، لكن الآن لديهم هامش أقل للاقتراض نتيجة زيادة الديون منذ تفشي الوباء في عام 2020.

كما خفضت بعض الحكومات - بما في ذلك حكومات إيطاليا وإسبانيا والبرتغال - ضرائب المبيعات على المنتجات الغذائية لتخفيف العبء على المستهلكين. ويعتمد البعض الآخر على تجار التجزئة للمواد الغذائية، لإبقاء أسعارهم تحت السيطرة. وفي مارس، تفاوضت الحكومة الفرنسية على اتفاقية مع كبار تجار التجزئة للامتناع عن ارتفاع الأسعار، إذا كان من الممكن القيام بذلك.

ويخضع تجار التجزئة أيضاً للتدقيق في أيرلندا وعدد من الدول الأوروبية الأخرى. في المملكة المتحدة، بدأ المشرعون تحقيقاً في سلسلة التوريد الغذائية بأكملها "من المزرعة إلى طاولة الطعام"، بينما قالت هيئة المنافسة والأسواق الحكومية الأسبوع الماضي، إنها ستجري تدقيقاً على تجار التجزئة.

وقالت سارة كاردل، المديرة العامة لهيئة المنافسة والأسواق: "نظراً للمخاوف المستمرة بشأن الأسعار المرتفعة، فإننا نعمل على تكثيف عملنا في قطاع البقالة للمساعدة في ضمان سير المنافسة بشكل جيد".

ويتوقع بعض الاقتصاديين أن يؤدي التدقيق الإضافي إلى نتائج ملموسة، بافتراض أن تجار التجزئة لن يرغبوا في تشويه صورتهم، وسيعتمدون على مورديهم للحفاظ على انخفاض الأسعار.

وقال سانجاي راجا الخبير الاقتصادي في "دويتشه بنك": "مع وجود المتاجر الكبيرة الآن تحت الأضواء الحكومية، نعتقد أنه من المرجح أن يتباطأ زخم الأسعار في سلة الغذاء".

وليس من الواضح تماماً سبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية بهذه السرعة لفترة طويلة. في أسواق السلع العالمية، التي تحدد الأسعار التي يتلقاها المزارعون، انخفضت أسعار المواد الغذائية منذ أبريل 2022. لكن تكاليف السلع الأولية ليست سوى جزء واحد من السعر النهائي، إذ يدفع المستهلكون أيضاً تكاليف التشغيل والتعبئة والنقل والتوزيع، وحجم الفجوة بين المزرعة وطاولة الطعام كبيرة بشكل غير عادي.

ويعتقد بيلي حاكم بنك إنجلترا أن أحد أسباب سوء تقدير البنك لأسعار المواد الغذائية هو أن منتجي المواد الغذائية قد أبرموا عقوداً طويلة الأجل ولكنها باهظة الثمن نسبياً مع الأسمدة والطاقة والموردين الآخرين في وقت قريب من الغزو الروسي لأوكرانيا مع حرصهم على ضمان التوافر في فترات عدم اليقين.

ولكن كما توحي الضغوط التي يتم فرضها على تجار التجزئة، فإن بعض صانعي السياسة يشكون في أن زيادة هوامش الربح ربما لعبت دوراً أيضاً. وفي حديثه إلى المشرعين، كان بيلي حذراً من إلقاء اللوم على موردي السلع الغذائية.

وقال: "إنها قصة حول إعادة بناء الهوامش التي تقلصت في الجزء الأول من العام الماضي".

Related Stories

No stories found.
إرم الاقتصادية
www.erembusiness.com