بالديون والاستثمار.. الصين تمتلك العالم قريباً

قروض الدول الفقيرة تخطت التريليون دولار
تقارير
تقاريرمواطنون في الصين- شاتر ستوك
رغم المعاناة التي يعيشها الاقتصاد الصيني ومحاولات التحفيز التي تطلقها السلطات في بكين في الأسابيع الأخيرة لاستعادة زخم النمو عقب العودة من فترة إغلاقات طويلة إبان جائحة كوفيد -19، لم تغفل الصين عن مستهدفات دعم تواجدها في الخارج عبر الاستثمارات المباشر في العديد من بلدان العالم، جنبًا إلى جنب تلك الدول المشاركة في مبادرة الطريق الحزام والطريق.

وفي غضون ذلك يبدو أن واشنطن قد استنفرت جهودها لمواجهة التمدد الصيني، لوقف توغل نفوذ بكين في عشرات الدول التي باتت تعتبر الصين هي ملاذ القروض الأسهل بدلًا عن المؤسسات الدولية التقليدية التي تتطلب شروطًا صعبة لإقراض المتعثرين.

ارتفاع كبير

وبحسب بيانات صادرة عن وزارة التجارة الصينية، ، فقد ارتفع الاستثمار المباشر الموجه إلى الخارج بالقيمة الدولارية إلى 104.74 مليار دولار أميركي خلال الـ 10 أشهر الأولى من العام الجاري 2023، بزيادة نسبتها 11% عن العام السابق.

ووصل الاستثمار الصيني المباشر غير المالي الموجه إلى الدول المشاركة في مبادرة "الحزام والطريق" في الفترة من يناير وحتى أكتوبر الماضي إلى 181.69 مليار دولار أميركي، بزيادة نسبتها 27% على أساس سنوي.

وأوضحت الوزارة أن إيرادات المشروعات المتعاقد عليها في الخارج ارتفعت بنسبة 8.3% على أساس سنوي لتصل إلى 856.88 مليار يوان.

الصين تسيطر على العالم
الصين تسيطر على العالممنصة إكس
توغل صيني

وقدر تقرير حديث لـ"إيد داتا"، وهي هيئة تنموية دولية في جامعة وليام أند ماري في الولايات المتحدة إن إجمالي الديون الصينية المستحقة على دول الفقيرة وتلك المشاركة في مبادرة الحزام والطريق مبالغ يزيد مجموعها عن تريليون دولار.

ولفت تقرير معهد إيد داتا للبحوث إلى أن بكين تولي الدول المشاركة في المبادرة أهمية قصوى، وفي الوقت ذاته فإن نحو 80% من هذه القروض ممنوحة لدول تعاني من صعوبات مالية.

ووفقًا لوزراة الاقتصاد الصينية فإن أكثر من 150 دولة من الأوروغواي وصولًا إلى سريلانكا تشارك في مبادرة الحزام والطريق.

والحزام والطريق مشروع ضخم أطلقته الصين بقيادة شي جينبينغ قبل عشرة أعوام لتطوير ممرات وبنى تحتية دولية.

الديون الصينية المستحقة على الدول الفقيرة والمشاركة في مبادرة الحزام والطريق تزيد عن تريليون دولار
إيد داتا
قروض ضخمة

وفي غضون ذلك منحت الصين قروضًا ضخمة لتمويل بناء جسور وموانئ وسكك حديد وطرق سريعة في دول ذات دخل منخفض أو متوسط.

غير أن أكثر 50% هذه القروض دخلت حاليًا مرحلة سداد المبلغ الأصلي، وفق تقرير معهد "إيد داتا" للبحوث في جامعة وليام إند ماري بولاية فرجينيا الأميركية.

وتوقع معهد "إيد داتا" للبحوث في جامعة وليام إند ماري أن ترتفع نسبة القروض المستحقة إلى 75% بحلول نهاية العقد.

اقرأ أيضًا- نفط إيران يضرب بالعقوبات عرض الحائط
80 مليار دولار

من خلال تحليل بيانات حول التمويل الصيني لنحو 21 ألف مشروع في 165 دولة، قدر معهد إيد داتا أن تكون بكين قد منحت مساعدات وقروض تقرب من 80 مليار دولار سنويًا.

ولفت التقرير إلى ان أغلب تلك الاستثمارات والقروض تتده لدول ذات الدخل المنخفض أو المتوسط.

وفي المقابل تمنح الولايات المتحدة 60 مليار دولار سنويًا لهذه الفئات من الدول، وفقًا لتقرير معهد إيد داتا.

المقرض الأكبر

ولفت تقرير معهد إيد داتا الأميركي إلى أن بكين تلعب دورًا غير مألوف وغير مريح، وهو أنها أصبحت رسميًا أكبر محصّل للديون في العالم.

ولفت التقرير إلى أن إجمالي الديون المستحقة بما في ذلك المبالغ الأصلية لكن باستثناء الفوائد للمقترضين من العالم النامي للصين يبلغ 1,1 تريليون دولار على الأقل.

بكين تلعب دورًا غير مألوف وغير مريح، وهو أنها أصبحت رسميًا أكبر محصّل للديون في العالم
معهد إيد داتا الأميركي
غير مباشرة

ورجح خبراء معهد إيد داتا أن نصف القروض التي تُقدمها الصين للدول النامية لا يتم الإبلاغ عنها في الإحصائيات الرسمية الخاصة بالديون.

ويتم في الغالب إبقائها خارج الميزانيات العمومية الحكومية، وتوجيهها إلى الشركات و البنوك المملوكة من الدولة أو المشاريع المشتركة أو مؤسسات القطاع الخاص، بدلاً من أن تتم بشكل مباشر من حكومة لأخرى.

اقرا أيضًا- الأقوى بعامين.. اقتصاد روسيا لا يبالي بـ 11 جولة من العقوبات
تأثير خطير

وفقًا لتقرير حديث للبنك الدولي فإن هناك الآن أكثر من 40 دولة من ذوات الدخل المنخفض والمتوسط تبلغ نسبة انكشافها المتعلق بالديون للمقرضين الصينيين أكثر من 10 % من حجم الناتج المحلي الإجمالي السنوي.

وتبلغ ديون جيبوتي ولاوس وزامبيا وقيرغيزستان للصين ما يعادل 20 % على الأقل من ناتجها المحلي الإجمالي السنوي.

ويتعلق جزء كبير من الديون المستحقة للصين بمشاريع كبيرة للبنية التحتية مثل الشوارع وسكك الحديد والموانئ، وكذلك بصناعة التعدين والطاقة، بموجب مبادرة الرئيس شي جينبينغ المعروفة باسم مبادرة الحزام والطريق.

مصيدة الديون

قال ريتشارد مور، رئيس وكالة الاستخبارات الخارجية البريطانية إن الصين تستخدم ما أسماه مصائد الديون للحصول على نفوذ على دول أخرى.

ويفيد هذا الادعاء بأن الصين تقرض المال لدول أخرى، ينتهي بها المطاف إلى أن تتنازل عن سيطرتها على أصول أساسية إذا لم تتمكن من تسديد ديونها وهو اتهام ترفضه بكين منذ أمد بعيد.

أحد الأمثلة التي غالباً ما يستشهد بها منتقدو الصين هو سيريلانكا، التي بدأت قبل سنوات في مشروع إنشاء ميناء ضخم في هامبانتوتا باستثمارات من الصين.

وأخيراً، وافقت سيريلانكا في 2017 على منح شركة تشاينا ميرتشانتس المملوكة للدولة حصة مسيطرة بنسبة 70 %في الميناء في عقد إيجار لمدة 99 سنة مقابل استثمارات صينية إضافية.

الصين تستخدم ما أسماه مصائد الديون للحصول على نفوذ على دول أخرى
ريتشارد مور
خطة المواجهة

وتضع واشنطن خطة لإعادة تنشيط البنك الدولي وصندوق النقد حيث تراهن على نجاح الخطة وتوسيع العرض الاقتصادي الأميركي للدول النامية في جميع أنحاء العالم بما في ذلك مواجهة النفوذ الصيني المتصاعد دولياً.

و تمثل الخطة الأميركية اختباراً لمستقبل النظام الذي تقوده الولايات المتحدة، وما إذا كان من الممكن تجديد مؤسسات مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.

يأتي ذلك تزامناً مع الوقت الذي تلعب فيه الولايات المتحدة دوراً أقل هيمنة في الاقتصاد العالمي، أو ما إذا كانت ستصبح أكثر هامشية وسط تزايد المنافسة الجيوسياسية بين الولايات المتحدة والصين.

اقرأ أيضًا- ورطة بنك إسرائيل.. التضخم قد يقفز لذروة 20 عامًا
اهتمام واشنطن

وفي إشارة إلى الخطة الاميركية تقول كارين ماثياسن التي شغلت سابقاً منصب المدير التنفيذي بالإنابة للولايات المتحدة في البنك الدولي: " إنه لم يسبق أن اهتم الرئيس الأميركي ووزير الخزانة في بنوك التنمية متعددة الأطراف، وفي إدارة الشؤون الدولية بوزارة الخزانة".

وكان الرئيس الأميركي قد توصل بالفعل إلى اتفاق مع الدول الأعضاء في مجموعة العشرين إلى اتفاق بشأن إصلاحات البنك الدولي وبنوك التنمية المتعددة الأطراف الأخرى التي من شأنها توسيع ميزانيته العمومية بمقدار 200 مليار دولار وجعلها أكثر ذكاء في مساعدة الدول المتعثرة.

وإلى جانب ذلك، دعا بايدن الكونغرس أيضاً إلى الموافقة على تعزيز القوة المالية للبنك الدولي بمبلغ إضافي قدره 25 مليار دولار، وفي حال انضمت دول أخرى إلى هذا الوضع فمن الممكن أن ينمو إجمالي الصندوق الاحتياطي بمقدار 100 مليار دولار إضافية.

واقترح بايدن بتوجيه 21 مليار دولار من الأموال الأميركية نحو تعزيز قدرة البنك على تقديم المساعدة للدول منخفضة الدخل، ودعم خطة لزيادة رأس المال على المدى الطويل.

من الصعب أن يقدم صندوق النقد والبنك الدولي مساعدات تضاهي مبادرة الحزام والطريق الصينية
كارين ماثياسن
أقوى من الصندوق

وتشكك كارين ماثياسن في قدرة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي على تقديم المساعدة للاقتصادات النامية على نطاق يضاهي مبادرة الحزام والطريق الصينية، وهي خطة كبيرة لكسب النفوذ في الجنوب العالمي التي أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينغ في 2013.

وأقرضت الصين ما يقارب من تريليون دولار للدول النامية، معظمها لبناء البنية التحتية في إطار مبادرة الحزام والطريق، وفقًا لماثياسن

ومع انزلاق العديد من هذه البلدان إلى ضائقة مالية، تدخلت المؤسسات المالية الصينية بحزم إنقاذ بلغ مجموعها 240 مليار دولار بين عام 2000 ونهاية 2021، وهو ما يمثل أكثر من 20% من إجمالي قروض صندوق النقد الدولي على مدى العقد الماضي.

علاقة متشابكة

ويقول كينيث روجوف الذي يعمل في مجال إدارة الأعمال من جامعة هارفارد، إن العلاقات الصينية الأميركية تمر بفترة من التوتر لم نشهدها منذ 40 أو 50 عاماً، بينما صندوق النقد الدولي والبنك الدولي عالقان في المنتصف.

ويضيف: "إنهما عند مفترق الطرق حيث يحتاجان إلى اتخاذ قرار بشأن ما إذا كانا سيبقيان الصين منخرطة بشكل كامل أو يبدآن عملية فك الارتباط.. لا أرى حقًا كيف سنحل مشاكل العالم بدون الصين".

ويقول يونان تشين الباحث في مؤسسة ODI البحثية التي يوجد مقرها في لندن: " إن الصين لطالما كانت ترغب بعزيز قوتها التصويتية في البنك الدولي، وحاولت من تعزيز مساهماتها الرأسمالية خاصة في السنوات التي أعقبت الأزمة المالية في عام 2008".

وأضاف تشين: "أن كبار المساهمين الغربيين في البنك أبدوا معارضتهم لأن زيادة قوة التصويت للصين من شأنه أن يؤدي إلى تقليص قوة الدول الأخرى مثل أميركا واليابان وبريطانيا".

اقرأ أيضًا- اللاحرب واللاسلم واللاطلب تدفع النفط صوب قاع 4 أشهر

الأكثر قراءة

No stories found.
إرم الاقتصادية
www.erembusiness.com