أغلقت الإدارة الأميركية أمس الجمعة، «ثغرة تجارية» وصفها الرئيس دونالد ترامب بـ«عملية الاحتيال الكبرى»، حيث ستطال الرسوم الجمركية الآن حتى تلك الطرود الصغيرة القادمة من الصين، ما يضع حداً لإعفاء صمد لفترة طويلة يطلق عليه «دي مينيميس» (De minimis).
هذا التغيير يجعل جميع الواردات من الصين، بما فيها تلك منخفضة القيمة التي يقل سعرها عن 800 دولار، خاضعة لرسوم جمركية تصل إلى 145%، في ضربة موجعة لتجار التجزئة الصينيين الذين شرعوا بالتعامل مع هذا الواقع الجديد.
اختارت شركة «شي إن» (Shein) للأزياء على سبيل المثال، إضافة تكلفة الرسوم الجمركية إلى السعر الإجمالي، أما شركة «تيمو» (Temu) للتجارة الإلكترونية فقررت تفصيل تكلفة الرسوم الجمركية، بمعنى إدراجها بشكل منفصل وشفاف داخل الفاتورة النهائية التي يتلقاها الزبون.
بدورها، أحجمت «أمازون» الأميركية عن أي خطط حالياً، بعد هجوم شرس من البيت الأبيض أعقب تقريراً يفيد بأن الشركة تدرس تفصيل التكاليف الإضافية التي خلقتها الرسوم، ضمن الفاتورة النهائية، ما يحمّل الإدارة الأميركية مسؤولية مباشرة عن ارتفاع الأسعار أمام الزبائن.
التغيير الجديد لا يتسبب فقط في الإضرار بجيوب الأميركيين، وتقليص إيرادات عمالقة التجزئة الصينيين وشركات الشحن الأميركية نتيجة الضعف المنتظر في الطلب، بل سيكون له أثر أيضاً على مدة الشحن وسرعة وصول الطلبيات، خاصة أن الشركات لم تمنح مهلة كافية للتكيّف.
كان ترامب وقّع الشهر الماضي، أمراً تنفيذياً يُغلق ثغرةً كانت تسمح بدخول سلع من الصين وهونغ كونغ، لا تتجاوز قيمتها 800 دولار، دون تقديم إقرارات جمركية أو رسوم استيراد، كما أنها لم تكن تخضع للفحص الجمركي.
وفي إطار دفاعه عن قراره، قال ترامب إن الإعفاء استفادت منه منصات التجارة الإلكترونية الصينية على حساب تجار التجزئة الأميركيين.
صرح ترامب يوم الأربعاء خلال اجتماع وزاري قائلاً: «إنها عملية احتيال كبرى تُمارس ضد بلدنا، ضد الشركات الصغيرة تحديداً، وقد أنهيناها».
يعود تاريخ هذا الإعفاء إلى ثلاثينيات القرن الماضي، تحديداً عام 1938، حين حدّده الكونغرس بـ5 دولارات للهدايا، وبدولار واحد للحالات الأخرى.
وارتفع سقف (De minimis) على مر السنين، ليبلغ 200 دولار في عام 1994 بموجب قانون تحديث الجمارك، وفقاً لموقع (Customs City) المتخصص في التجارة.
وبقدوم إدارة أوباما العام 2009، رأت أنه من الحكمة رفع عتبة (De minimis) لتعزيز التجارة الدولية وتنشيط الاقتصاد، بحيث أصبح 800 دولار.
كان للإعفاء دور في الزيادة المهولة التي طرأت على الواردات منخفضة القيمة إلى الولايات المتحدة، خاصة مع انتشار منصات التجارة الإلكترونية. ويُعدّ أعلى منه في دول أخرى، إذ يبلغ نحو 40 دولاراً في كندا، و 150 دولاراً في منطقة اليورو، وفق ما أوردته صحيفة (The Economic Times).
استفادت منصات مثل «شي إن» و«تيمو» من (De minimis)، عبر شحن طرود منخفضة القيمة مباشرة من الصين إلى المستهلكين الأميركيين دون دفع رسوم جمركية. وقد فرضت هذه الميزة التنافسية ضغوطاً على تجار التجزئة الأميركيين.
في السنوات العشر الماضية، ارتفع عدد الشحنات الداخلة إلى الولايات المتحدة والمستفيدة من إعفاء (De minimis) بشكل مهول. وفقاً لبيان حقائق أصدره البيت الأبيض عام 2024، فإن أكثر من مليار شحنة فردية دخلت إلى الولايات المتحدة سنوياً مُستفيدة من الإعفاء، بزيادة عن نحو 140 مليون شحنة قبل عقد من الزمن.
صعّب هذا الارتفاع السريع على هيئة الجمارك وحماية الحدود الأميركية إنفاذ قوانين التجارة، ومعايير الصحة والسلامة، وقواعد حماية المستهلك، فضلاً عن حقوق الملكية الفكرية بشكل سليم، وفقاً لما ذكرته على موقعها الإلكتروني.
من المتوقع أن يُحدث قرار إنهاء الإعفاء آثاراً واسعة النطاق على المستهلكين الأميركيين، الذين وجدوا في المنصات الصينية منخفضة التكلفة، ملاذاً من موجات التضخم التي أثرت في القدرة الشرائية لشريحة كبيرة منهم. كما قد يُوجّه ضربة قوية للبائعين الأميركيين عبر الإنترنت الذين يعتمدون على الواردات الصينية.
ومن الأزياء إلى أدوات المطبخ، رفعت «شي إن» أسعار منتجاتها قبل بدء تطبيق الرسوم الجمركية الجديدة.
واعتباراً من اليوم الجمعة، ارتفع متوسط سعر أفضل 100 منتج في فئة الجمال والصحة 51%، مع تضاعف أسعار العديد من المنتجات، بحسب ما رصدته (The Economic Times).
يأتي ذلك مع تزايد الشكوك حول أجندة ترامب الاقتصادية، وقد يؤدي اضطراب أنماط التسوق إلى زيادة الضغط على البيت الأبيض للتوصل إلى اتفاق مع الصين.
تواصل الإدارة الأميركية الدفاع عن إجراءاتها التجارية، وقد ظهر نائب الرئيس جيه دي فانس في مصنع للصلب في ساوث كارولينا يوم أمس الخميس، مُبشراً بـ«نهضة صناعية» وشيكة نتيجة للرسوم الجمركية.
قال فانس: «هذا هو التراث الوطني لأميركا.. إنه التصنيع». «أليس من الجيد أن يكون لديك إدارة تدعمك من أجل التغيير؟».
أما ترامب فردّد شعارات مماثلة، واعداً بـ«عصر ذهبي» للتصنيع المحلي خلال خطاب ألقاه في جامعة ألاباما.
في غضون ذلك، أشارت الصين إلى أن إدارة ترامب قد تواصلت معها لإجراء مفاوضات بشأن الرسوم الجمركية، لكن بكين تُصرّ على أن الخطوة الأولى يجب أن تكون أميركية.