خاص
خاصأحد العاملين في مصنع بروسيا - رويترز

شح العمال يضرب الاقتصاد الروسي.. 3 أسباب فاقمت العجز

تراجع معدل البطالة في روسيا إلى 3%، وهو أدنى معدل منذ 30 عاما، لكن الرقم مخادع هذه المرة، ولا يعكس واقع الاقتصاد والقطاعات كثيفة العمالة، التي تعاني بشكل كبير في الوقت الحالي.

تكافح الشركات كثيفة العمالة التي تهيمن على الاقتصاد الروسي، من أجل العثور على عمال، والسبب الجيش الروسي، حيث تستقطب مصانع الأسلحة التابعة للجيش عدداً متزايداً من العمال في الوقت الذي تنخرط فيه موسكو في حرب طويلة في أوكرانيا.

هذا الواقع يترك القطاعات المدنية تعاني من نقص مؤلم في العمالة وتزعزع استقرار الاقتصاد الروسي، وفقا لصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية.
ويكشف نقص العمالة في القطاعات المدنية، نقاط ضعف الاقتصاد الروسي، والتي تتناقض مع الصورة التي يرسمها الكرملين، إذ أشار الرئيس فلاديمير بوتين مراراً وتكراراً إلى ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي في روسيا كدليل على صحة الاقتصاد، وعدم تأثره بأضرار جسيمة نتيجة للحرب أو العقوبات الغربية.
لكن الاقتصاديين يقولون إن هذه الأرقام تبدو من الخارج جيدة، وتعود بشكل كبير إلى الزيادات الكبيرة في الإنفاق الدفاعي، بيد أنها تخفي مشاكل هيكلية يمكن أن تؤدي إلى زعزعة الاستقرار الاقتصادي على المدى الطويل، وفق فايننشال تايمز.

وفي الشهر الماضي، قالت الحكومة الروسية إنها تهدف إلى إنفاق نحو 108 مليارات دولار، أو حوالي 6% من الناتج المحلي الإجمالي، على الدفاع في العام المقبل، ما يمثل 3 أضعاف المبلغ المخصص في عام 2021 قبل الحرب.

وبحسب البيانات الرسمية للبنك الدولي، ارتفع الناتج المحلي الإجمالي لروسيا إلى 2.240 تريليون دولار أميركي في عام 2022.


العمالة تتحول للدفاع

ويقول رئيس شركة تعدين روسية كبيرة لصحيفة فايننشال تايمز: "سوق العمل ضيق للغاية، الأمر لا يتعلق فقط بالتعبئة أو الأشخاص الفارين من روسيا"، موضحا أن "المشكلة الرئيسية هي إنتاج الأسلحة".

في العام الماضي، تمت تعبئة 300 ألف رجل للقتال، وفر مئات الآلاف الآخرين، وأغلبهم من الشباب المتعلمين، إلى الخارج لتجنب التجنيد الإجباري، وهو النزوح الذي أضر بشدة بقطاع تكنولوجيا المعلومات والقطاعات الأخرى التي تعتمد على العمالة ذات المهارات العالية.

وينص القانون الروسي على إعفاء العاملين في قطاع الدفاع من الخدمة العسكرية، مما يجعل الوظائف في قطاع الأسلحة جذابة بشكل خاص للرجال الذين يرغبون في تجنب التجنيد، فضلا عن مشكلتي تقدم الروس في السن وتقلص عددهم.
بدوره، قال روبن إنيكولوبوف، أستاذ الأبحاث في جامعة بومبيو فابرا في برشلونة لـ"فايننشال تايمز"، إن "روسيا تحول مواردها المالية إلى قطاع الدفاع، والناس يتبعونها".
وأوضح محللون في شركة "فين-إكسبرتيزا" الاستشارية، للصحيفة البريطانية ذاتها، أن أحد الأمثلة على النقص في العمال يتمثل في "الطول المتزايد لأسبوع العمل في روسيا"، إذ وصل إلى أطول مستوياته منذ عقد من الزمن، وبدأت العديد من المصانع في العمل بثلاث نوبات، وهو "ما يذكرنا بالعصر السوفيتي".
وذكر إنيكولوبوف أن "سوق العمل الروسي والاقتصاد بأكمله يعملان بأقصى طاقتهما، وقد تم ضغطهما إلى أقصى طاقتهما، وببساطة لا يستطيعان إنتاج المزيد".

نقص غير مسبوق
من جانبها، ذكرت الطبعة المحلية لصحيفة كوميرسانت الروسية، أن السلطات في منطقة نيجني نوفغورو أبلغت عن نقص غير مسبوق في العمالة.

وانخفض عدد العاطلين عن العمل المسجلين بنسبة 27% في سبتمبر الماضي، وهناك 17 ألف وظيفة شاغرة في قطاع التصنيع في المنطقة، من بينها  7500 وظيفة شاغرة في الصناعات الدفاعية والطلب آخذ في النمو.
ووفقا لـ"فايننشال تايمز"، يقول المسؤولون إن صناعة الدفاع تعاني من نقص يصل إلى 400 ألف عامل، وتبحث شركة روستيخ المملوكة للدولة، والتي توظف ما يقرب من 600 ألف شخص، عن عاملين جدد.
وقال رئيس روستيخ، سيرجي تشيميزوف، في مقابلة الأسبوع الماضي مع قناة روسيا 24 الإخبارية الحكومية: "نحن نفتقر إلى الأشخاص، ونحن بحاجة إلى توظيف حوالي 25 إلى 30 ألف شخص".
بدوره، اعترف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالمشكلة هذا الصيف، وقال خلال اجتماع مع رؤساء الصناعات التحويلية في الكرملين: "بدأ نقص العمالة يؤثر بعض الشيء على الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم".
وفي سبتمبر الماضي، وصف وزير الاقتصاد الروسي مكسيم ريشتنيكوف نقص العمالة بأنه "أكبر خطر داخلي على الاقتصاد الروسي".


قطاع التكنولوجيا يعاني


بدورها، ذكرت فايننشال تايمز، أن "نتائج هجرة الأدمغة بسبب الحرب أثرت بشكل خاص في مجال تكنولوجيا المعلومات، إذ فر العديد من كبار المبرمجين في روسيا من البلاد، وحتى الإعفاءات الخاصة من الخدمة العسكرية التي تم تقديمها للعاملين في مجال تكنولوجيا المعلومات، لم تداوِ النقص".
ونقلت الصحيفة عن صاحب وكالة توظيف روسية (لم تسمه) أن "هناك الكثير من المتقدمين للوظائف في مجال تكنولوجيا المعلومات، ولكن معظمهم من المبتدئين غير المؤهلين للوظائف الشاغرة، خاصة الأمن السيبراني".
وقالت وزارة التنمية الرقمية في أغسطس الماضي، إن روسيا تعاني من نقص يتراوح بين 500 ألف و700 ألف عامل في مجال تكنولوجيا المعلومات.

نتائج هجرة الأدمغة بسبب الحرب أثرت بشكل خاص في مجال تكنولوجيا المعلومات
فايننشال تايمز
3 أسباب


من العاصمة الروسية، قال الأستاذ في كلية الاستشراق في المدرسة العليا للاقتصاد بموسكو، رامي القليوبي: "بالفعل التصنيع العسكري من أهم القطاعات في روسيا، وتحول إلى أحد أعمدة الاقتصاد مع بدء الحرب في أوكرانيا، لزيادة طلب الدولة على الأسلحة والمعدات العسكرية".


وذكر القليوبي في تصريحات لـ"إرم الاقتصادية" أن "هناك تقديرات بأن عدد العاملين في المصانع العسكرية والقطاعات ذات الصلة يبلغ 2 مليون شخص، لكن يجب ألا نبالغ في تأثيرهم على وضع العمالة في روسيا بشكل عام، لأن الأغلبية العظمى منهم كانوا موظفين بهذه المصانع".


وأضاف: "أوضاع هؤلاء الموظفين تحسنت الآن، لأنهم يضطرون أحيانا للعمل ساعات إضافية ويحصلون على رواتب إضافية، لكن فعليا، لم يتم سحبهم من السوق غير العسكرية".
وحدد القليوبي 3 عوامل رئيسية تؤثر بالسلب على الأيدي العاملة الروسية وهي: "استمرار الحرب، إذ لا تكشف وزارة الدفاع على عدد المشاركين فيها (في القتال) على وجه الدقة، لكن وفقا للأرقام المعلنة، هناك نحو 325 ألف شخص تعاقدوا مع وزارة الدفاع الروسية منذ بداية العام، بالإضافة إلى 300 ألف شخص تمت تعبئتهم في العام الماضي".
وأكمل القليوبي: "هذا يعني أنه تم سحب ما لا يقل عن 600 ألف شخص في سن العمل من سوق العمل".
والسبب الثاني، يقول القليوبي إنه "غادر مئات الآلاف من الروس العام الماضي هربا من التعبئة أو لقناعاتهم بأن مستقبلهم لا يرتبط بروسيا بعد الآن، وليست هناك إحصاءات دقيقة لكن عددهم يقدر بمئات الآلاف أيضا".
وأردف القليوبي أن "السبب الثالث هو تهاوي قيمة العملة الروسية، الروبل، ما أثر على أوضاع المغتربين القادمين من آسيا الوسطى، الذين يسعون لتحويل جزء من رواتبهم لعائلاتهم في دول مثل كازخستان، لذلك أصبحت روسيا وجهة أقل جاذبية للمغتربين".

Related Stories

No stories found.
إرم الاقتصادية
www.erembusiness.com