عندما تقرر شراء زيت زيتون من أحد منافذ البيع الاستهلاكية ستجد عشرات الأصناف من عشرات الدول وبأسعار متفاوتة، ولكن قد يكون اختيار الصنف المناسب هو القرار الأصعب مع ارتفاع وتيرة الغش التجاري، وخلط زيت الزيتون بزيوت نباتية أو إضافة صبغة لون على الزيت النباتي مع طعم ورائحة زيت الزيتون حتى يبدو أصلياً.
ما زال الحصول على زيت زيتون نقي هاجس المستهلكين عند بحثهم عن زيت عالي الجودة غير مغشوش، فإذا لم يتح للمستهلك الحصول على مصدر موثوق للزيت الأصلي النقي، فإن القرار يبدو صعباً في ظل غياب إمكانية التأكد من جودته، تقنية جديدة ستمكن من كشف المواد المغشوشة باستخدام تقنية الرنين المغناطيسي النووي.
ارتفاع الغش التجاري في هذه السلعة، دفع جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية "كاوست" السعودية إلى إنجاز أول ابتكار علمي لتطوير طريقة جديدة تُمكن من كشف المواد المغشوشة في زيت الزيتون وتحديد كميتها، وذلك بالتعاون مع الهيئة العامة للغذاء والدواء، وذلك بالتزامن مع تسجيل الاتحاد الأوروبي هذا العام رقماً قياسياً في معدلات الغش التجاري، وتزوير الملصقات المتعلقة بمنتجات زيت الزيتون، ما يُشكل تهديداً لهذا الصناعة وإثارة شكوك المستهلكين الذين لم يعد بإمكانهم التأكد من جودة ما يشترونه.
وتعتمد هذه الطريقة على تقنية الرنين المغناطيسي النووي "NMR"، وتوفر ضماناً بأن زيت الزيتون الموجود في السوبر ماركت هو منتج أصلي ويتوافق مع ما تُعلنه الملصقات على العبوات، إذ نُشرت هذه الطريقة في المجلة العلمية "Food Control"، وتُشير التقديرات إلى أن القيمة السوقية العالمية لصناعة زيت الزيتون تجاوزت 14 مليار دولار في العام الماضي، ومن المتوقع أن تتخطى 20 دولاراً خلال العقد المقبل.
ومع أن المملكة تُعد من أكبر الدول المستوردة لزيت الزيتون على الصعيد العالمي، فإن المخاوف تزداد بشأن تلاعب بعض المنتجين بزيت الزيتون وزيت الزيتون البكر، إذ تخلط بزيوت نباتية أخرى، فيتيح هذا الأمر للمنتجين بيع منتجات ذات جودة منخفضة بأسعار أقل، ما يؤدي إلى تضليل المستهلكين وإيهامهم بأنهم يحصلون على زيت زيتون عالي الجودة، وتسعى الهيئة العامة للغذاء والدواء في هذا الإطار إلى تأمين سلامة الغذاء لجميع المواطنين والمقيمين في المملكة، وقد بدأت الهيئة فعلاً في البحث عن طرق تحليلية مبتكرة لتقييم زيت الزيتون، واختارت "كاوست" بوصفها شريكاً أساسياً يُعتمد عليه في هذا الجهد.
وأوضحت العالمة في المختبرات المرجعية للهيئة العامة للغذاء والدواء الدكتورة هبة الحربي، أن "كاوست"، تتميز بخبرتها في التقنيات التحليلية المتقدمة، لذا وقع عليها الاختيار من الهيئة، خاصة في مجال التحليل الطيفي بالرنين المغناطيسي النووي عالي الدقة، مع تحليل البيانات متعدد المتغيرات، ما يعزز قدرات الكشف عن مختلف الزيوت النباتية الممزوجة بزيت الزيتون، مشيرة إلى أن هذا المشروع المشترك الذي يحمل عنوان "الكشف عن غش زيت الزيتون ومزجه بالزيوت النباتية المختلفة"، يعكس التزام الهيئة العامة للغذاء والدواء بتعزيز معايير جودة الغذاء وسلامته في المملكة، ونُفِّذت هذه الشراكة البحثية بين المختبرات المرجعية ممثلة في المختبر المرجعي لكيمياء الأغذية بالتعاون مع "كاوست".
وتمكنت الدكتورة الحربي مع "كاوست" من تطبيق تقنية أجهزة الرنين المغناطيسي النووي، مع الاستفادة من الأساليب الإحصائية متعددة المتغيرات، لقياس أنواع وكمية المواد المغشوشة في عينات زيت الزيتون، ووفرت قوة المجال المغناطيسي لهذه الأجهزة دقة غير مسبوقة، ما ساعد على كشف مستويات من المواد المغشوشة التي يصعب اكتشافها عادة، وإلى جانب دقته الاستثنائية، يتمتع الرنين المغناطيسي النووي بمزايا أخرى لدراسة زيت الزيتون، إذ يسهل أولًا تحضير العينات، ما يوفر كثيرًا من الوقت والجهد، ثم التكلفة مقارنة بالأدوات التحليلية القياسية المستخدمة في الصناعة، وثانيًا؛ لا تُدَمَّر العينة، ما يفيد الجهود المبذولة لتوحيد جودة زيت الزيتون.
من جانبه، قال العالم في "كاوست" المتخصص في الرنين المغناطيسي النووي والمساهم في المشروع الدكتور عبد الحميد إمواس: تضم "كاوست" مجموعة متقدمة من أجهزة الرنين المغناطيسي النووي، وهي الأكثر شمولاً في المملكة، تتطلب هذه الأجهزة الكبيرة استثمارات وصيانة عالية، وهو ما لا تفضل الجامعات الأخرى الالتزام به، لذا تعد "كاوست" الشريك المثالي لأي مشروع يتطلب أبحاثاً تحليلية دقيقة جداً، مثل تحديد الجزيئات الفردية في عينة كيميائية لتطوير الأدوية، أو تحليل الملوثات في عينات المياه، أو قياس نقاء عينات الطعام.
وأشار إلى أن الجهتين تدرسان توسيع نطاق شراكتهما في هذا المشروع للكشف عن المواد البلاستيكية واللدائن الدقيقة والملوثات الأخرى في زيوت الطعام، وأن مرافق جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية "كاوست" للرنين المغناطيسي النووي تشارك مع المؤسسات في أنحاء البلاد جميعها المعنية بدراسة أولويات المملكة، مفيداً أن العمل مع الهيئة العامة للغذاء والدواء يشكل مثالاً ممتازاً على كيفية تحسين جودة الغذاء والصحة العامة في المملكة.