فرصة كبيرة لتوسيع دور سوق أدوات الدين بتمويل الشركات والمشاريع
مستقبل سوق الدين سيكون واعداً جداً في المملكة بالفترة المقبلة
أثار ارتفاع حجم وقيمة السندات والصكوك المحلية للشركات السعودية، إلى 37 مليار دولار بنهاية الربع الأول من العام الحالي، مقارنة بـ15.5 مليار دولار في الفترة نفسها من عام 2020 (5 أعوام) العديد من التساؤلات حول أسباب هذا التحوّل الكبير وكيفية الوصول إليه.
ومن المعروف أن الحكومات والشركات تصدر السندات أو الصكوك من أجل تمويل احتياجاتها المختلفة، سواء كانت للاستثمار أم التوسّع في مشاريع جديدة، أو لتغطية نفقات تشغيلية، أو لتسديد ديون قائمة، وتعد السندات والصكوك فرصة استثمارية مهمة للمستثمرين المحليين والأجانب على حد سواء.
ويمكن للدول والمؤسسات العامة والشركات الخاصة، استخدام السندات والصكوك لتنويع مصادر تمويلها، ما يقلل من اعتمادها على جهة تمويلية واحدة، ويمنحها خيارات أوسع وهامش فائدة أفضل.
تشير بيانات هيئة سوق المال السعودية، إلى وجود فرصة كبيرة لتوسيع دور سوق أدوات الدين في تمويل الشركات، فحالياً لا تتجاوز مساهمة سوق الصكوك والسندات 11% من تمويل الشركات المحلية، مقارنة بمتوسط يبلغ 47% في دول «مجموعة العشرين» بنهاية العام الماضي، ما يعني أن مستقبل هذا السوق سيكون واعداً جداً في المملكة مستقبلاً.
بحسب تقرير أصدرته «إس آند بي غلوبال ريتينغز» فإن الزيادة الأخيرة في قيمة السندات والصكوك المحلية، يقف خلفها عدد محدود من مصدّري السندات والصكوك المحليين، فيما كانت المشاركة الأجنبية محدودة، وبالتالي هناك توقعات بأن يستمر التسارع بفضل الاستثمارات واسعة النطاق ضمن «رؤية 2030» والإصلاحات التنظيمية، ومبادرات جذب التمويل الخارجي، إلى جانب الاستثمارات في البنية التحتية لأسواق رأس المال ونموها، ما سيساعد الشركات على تنويع قواعد تمويلها وتأمين رأس مال طويل الأجل.
توقّع تقرير لوكالة «فيتش» للتصنيف الائتماني، نمو استخدام المشتقات الإسلامية، وعلى رأسها الصكوك بشكل أكبر في بعض البلدان ومن ضمنها السعودية، مدفوعاً بتوفّر منتجات جديدة، وسلسلة تنظيمات المقاصة الجديدة على خلفية الحصة السوقية المتزايدة لخدمات الصيرفة الإسلامية.
ليس هذا فحسب، بل إن التقلبات العالمية وعوامل عدم اليقين المتزايدة، تؤدي بدورها إلى تقلبات في أسعار الفائدة، وأسعار صرف العملات الأجنبية، وأسعار السلع الأساسية، ما سيساعد أيضاً على تعزيز استخدام هذا النوع من الأدوات المالية.
كانت هيئة السوق المالية السعودية، قد نشرت في فبراير الماضي مشروع «الإطار التنظيمي لاتفاقيات المقاصة لمؤسسات السوق المالية»، ثم تبع ذلك إعلان اعتماد لائحة المقاصة النهائية، وترتيبات الضمان المرتبطة بها، وهذه الإجراءات مجتمعة تهدف إلى تنظيم اتفاقيات المقاصة، وترتيبات الضمان المالي المرتبطة بها.
كما من شأن هذه الإجراءات والتدابير التنظيمية، أن تساهم بتعزيز استقرار النظام المالي، وحماية المستثمرين، بما يضمن تنفيذ وحماية العقود المالية المؤهلة، التي يكون أحد أطرافها مؤسسة سوق المال، وذلك في حال تعثر أي طرف.
وفقاً لتقرير صادر عن «فيتش» فإنه من الممكن أن تعمل هذه القواعد التنظيمية على تعزيز الثقة بين المشاركين في السوق، كما يمكن أن تقلل وتقلص مخاطر الائتمان والتسوية الإجمالية خلال الفترة المقبلة.
أسفرت كل تلك المبادرات والإصلاحات التنظيمية عن تسهيل شروط ومتطلبات إصدار أدوات الدين، في إطار توجّه حكومي عام نحو تعزيز الاعتماد على السندات والصكوك كمصادر تمويل بديلة، في ظل استراتيجية أوسع تستهدف تمويل المشاريع والاستثمارات عبر الاستدانة، دعماً لجهود تنويع الاقتصاد، وتقليص اعتماد المملكة على الإيرادات النفطية.
هذه العوامل والتدابير المهمة والمرتبطة ببعضها بعضاً، أثمرت بشكل تلقائي إصلاحات تنظيمية دفعت نحو تخفيف شروط ومتطلبات طرح أدوات الدين هذه.
يقول المحلل الاقتصادي في إحدى شركات الاستشارات المالية في لندن، علي متولي، لـ«إرم بزنس» إن الزيادة في الإصدارات تعكس حاجة الشركات لتمويل طويل الأجل بهدف تنفيذ مشروعات البنية التحتية الضخمة، على غرار إصدار شركة «أرامكو السعودية» لسندات دولية متوسطة الأجل بقيمة 5 مليارات دولار بنهاية النصف الأول من العام الحالي.
وأشار كذلك إلى أن المخاطر على قطاع سوق أدوات الدين لا تزداد إلا في حالات محددة من قبيل ارتفاع أسعار الفائدة بشكل سريع، أو تباطؤ سوق العقارات بشكل ملحوظ، وهو ما قد يؤثر على جودة الأصول والقدرة على السداد.
وتفادياً لحدوث مثل هذه الاحتمالات، أصدر البنك المركزي السعودي «ساما» توجيهات تنظيمية واضحة تهدف إلى تعزيز حوكمة التمويلات والحدّ من مستويات الانكشاف، بما يسهم في حماية القطاع، وتحسين قدرته على مواجهة أي تقلبات اقتصادية محتملة.
وبيّن متولي، أن هيئة السوق المالية السعودية، طوّرت في الوقت نفسه قواعد سوق الدين، وأصدرت إرشادات «الصكوك الخضراء»، ما خفض من تكاليف الطروحات، وسمح بزيادة قاعدة المستثمرين، وأوجد مناخاً استثمارياً أفضل بعد فتح قطاعات التعليم، والصحة، واللوجستيات أمام القطاع الخاص ضمن «رؤية 2030».
وتهدف «رؤية 2030» إلى خلق اقتصاد أكثر تنوعاً واستدامة من خلال فتح قنوات تمويل جديدة، تدعم الإنفاق الرأسمالي من دون الضغط على الاحتياطيات المالية، خاصة مع تزايد الحاجة إلى تمويل مشاريع البنية التحتية، والتحوّل الرقمي، والطاقة المتجددة، وتقليل الاعتماد على النفط، لذلك تتجه السعودية بشكل متزايد إلى استخدام أدوات دين مثل السندات والصكوك.
لا تزال هناك تحديات أمام زيادة التدفقات الأجنبية، بحسب تقرير «إس آند بي غلوبال ريتينغز» إذ لا يزال السوق يعاني من تركّز السيولة، حيث تشكّل المؤسسات المالية السعودية نحو 65% من الإصدارات القائمة، تليها المؤسسات غير المالية المملوكة للدولة بنسبة 25%، والشركات غير المالية في القطاع الخاص نسبتها 10% فقط، في حين أن المؤسسات الأجنبية لم تدخل على خط هذه الأدوات والإصدارات بالقوة المطلوبة والمنتظرة.
وذكر التقرير نفسه، أن مختلف الدول التي أحرزت أسواق الدين فيها تقدّماً محلوظاً، كان في البداية بسبب مساهمة المستثمرين المؤسسيين المحليين، التي عزّزت عمق السوق وسيولته، وهو ما يجعله أكثر جاذبية في وقت لاحق للمستثمرين الأجانب.
وقد شهدت السعودية خلال السنوات الأخيرة، سلسلة خطوات جوهرية لتفعيل سوق أدوات الدين، وتعزيز جاذبيته أمام المستثمرين الأجانب، ومن ضمن هذه الخطوات وأبرزها إصدار نظام الإفلاس، الذي يوفّر إطاراً قانونياً أكثر وضوحاً وشفافية وحماية للعملاء والشركات والكيانات المالية.
كما عملت المملكة على ربط السوق المحلية بمراكز الإيداع الدولية، في خطوة تهدف إلى تسهيل دخول المستثمرين الأجانب، وفي السياق ذاته، جرى إصلاح المنظومة الضريبية المتعلقة بإصدار الصكوك، لتشمل مزيداً من التسهيلات للمُصدّرين والمستثمرين والصناديق في وقت واحد، وكل ذلك جاء في إطار جهود أوسع لجعل السوق أكثر كفاءة وتنافسية على المستوى العالمي.
ذكر تقرير وكالة «فيتش» للتصنيف الائتماني، أن سوق أدوات الدين السعودي ينمو بشكل ملحوظ، ومن المرجح أن يتجاوز حجمه نحو 500 مليار دولار بحلول نهاية العام 2025، مدعوماً بأساسيات سليمة.
وأعادت الوكالة العالمية هذا الأمر بشكل رئيس إلى استهداف المملكة تنويع مصادر التمويل لتقليص العجز المالي، وتمويل المشاريع في إطار تنفيذ «رؤية 2030».
وبحسب «إس آند بي» سيواصل قطاع إدارة الأصول في المملكة العربية السعودية نموه السريع، وهو ما من شأنه أن يدعم نمو أسواق رأس المال المحلية على المدى الطويل.
وقد ارتفع إجمالي الأصول تحت الإدارة إلى حوالي281 مليار دولار في نهاية العام 2024 من 88 مليار دولار فقط في نهاية العام 2015، بمعدل نمو بلغ نحو 12% سنوياً.