
ويشمل الحصار على غزة منع أو تقنين دخول المحروقات والكهرباء والكثير من السلع، من بينها الخل والبسكويت والدواجن واللحوم، ومنع الصيد في عمق البحر، وغلق المعابر بين القطاع وإسرائيل، كما هدمت إسرائيل كلياً مطار غزة الدولي، المطار الوحيد في قطاع غزة، مما زاد شدة الحصار والمعاناة.
وفي أحدث بيانات رسمية، كشف الجهاز المركزي للإحصاء في فلسطين، أن خسائر حصار غزة للاقتصاد وللناتج المحلي الإجمالي على مدار أكثر من عقد ونصف العقد، تجاوزت 35 مليار دولار أميركي، أي نحو 10 أضعاف الناتج المحلي الإجمالي للقطاع.
وأوضح جهاز الإحصاء الفلسطيني، أن قطاع غزة كان يساهم بنحو 36% من الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني قبل عام 2006، ثم تراجع تدريجياً نتيجة سنوات الحصار الخانق، لتصبح حصته أقل من 17% في السنوات الأخيرة نتيجة تراجع حجم الإنتاج.
ولفت الجهاز إلى أن الاقتصاد الفلسطيني تعرض لتشوه في معظم أنشطته، حيث بلغ الناتج المحلي الإجمالي في العام الماضي نحو 19 مليار دولار، بينما كان من المفترض أن يبلغ بالحد الأدنى 23 مليار دولار في حال فك الحصار القائم على قطاع غزة.
ومنذ عام 2006، تعرضت مختلف قطاعات الاقتصاد الفلسطيني لخسائر فادحة نتيجة حصار غزة، وبلغت الخسائر التراكمية في نشاط التجارة الداخلية نحو 9.4 مليارات دولار، والصناعة 5.5 مليارات دولار، تلاه قطاع الخدمات بحوالي 4.9 مليارات دولار، ثم الإنشاءات 2.1 مليار دولار.
وبلغت قيمة خسائر القطاع الزراعي 1.3 مليار دولار، و35% من الأراضي الصالحة للزراعة محظور العمل فيها. كما حُرم الاقتصاد الفلسطيني من 7 مليارات دولار كإيرادات ضريبية كان من المفترض أن تُضخ في شرايينه.
وانخفضت الاستثمارات في العام الماضي إلى 10.7% من الناتج المحلي الإجمالي لغزة، أو 1.9% فقط من الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني. كما تقلص نصيب الفرد من الناتج المحلي الفعلي في غزة بين عامي 2006 و2022، بنسبة 27%.
ويقدر مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "أونكتاد" التكلفة الاقتصادية للحصار الإسرائيلي على قطاع غزة خلال العقد الماضي بـ 16.7 مليار دولار، وهو ما يعني أن نصيب الفرد الواحد من الخسائر الاقتصادية بفعل الحصار بلغ نحو 9 آلاف دولار، سبّبها الإغلاق طويل الأمد والعمليات العسكرية التي تعرض لها القطاع خلال فترة الحصار.
على وقع الحصار الإسرائيلي، دخل اقتصاد قطاع غزة في ركود عام، بسبب الإغلاق شبه الكامل للمعابر التجارية والقيود الشديدة على حركة التجار ورجال الأعمال، فيما فاقمت الهجمات الإسرائيلية المتكررة على القطاع من الأزمة الاقتصادية والإنسانية، وشلّت جميع المصالح الاقتصادية في القطاع.
وتستهدف الهجمات التي تشنها القوات الإسرائيلية من وقت لآخر، تدمير المقومات الاقتصادية للقطاع، من قصف المنشآت الصناعية والتجارية، ومشروعات البنية التحتية، ثم تفاقم الأمر منذ السابع من أكتوبر الماضي، بعدما فرضت إسرائيل حصارا شاملا على القطاع رداً على عملية طوفان الأقصى، بالإضافة إلى قصف القطاع، وشن هجوم عسكري بري، ما زاد من تدهور الأوضاع الاقتصادية والإنسانية.
وحول معاناة الأنشطة الاقتصادية في غزة وفلسطين، يقول الدكتور سمير مصطفى أبو مدلله، أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر في غزة، إن الاقتصاد الفلسطيني يتعرض لأزمات مستمرة بسبب سياسات إسرائيل التي ساهمت في إضعافه، إلا أن قطاع غزة كان الأكثر تأثراً بسبب الحصار الشامل المفروض عليه منذ نحو 17 عاماً.
وأضاف أبو مدلله في تصريحات لـ"إرم الاقتصادية"، أن الحصار أفقد القطاع كافة مقومات الحياة، وتسبب في عزله عن العالم الخارجي، ما انعكس سلباً على معظم مؤشراته الاقتصادية والاجتماعية، وعانت القطاعات الاقتصادية من ركود جراء الإغلاق شبه الكامل للمعابر التجارية.
وأوضح أن "إسرائيل عملت على إضعاف اقتصاد قطاع غزة إما بالعمليات العسكرية أو الحصار أو السيطرة على المعابر ومنع دخول المواد الخام بدعاوى أمنية، ضمن سياستها طويلة الأمد، والتي تهدف إلى جعل التنمية الاقتصادية في القطاع مستحيلة، فأصبح قطاع غزة هو اقتصاد الفقراء، الذي يعتمد على المشروعات الصغيرة كأنشطة المحال التجارية".
وشدد أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر في غزة، على أن تردي الوضع الاقتصادي للاقتصاد الفلسطيني عموما، يعود لتراجع القطاعات الإنتاجية وعلى رأسها الصناعة والزراعة لصالح قطاع الخدمات، يضاف لذلك سوء الأداء الاقتصادي للسلطة، فضلا عن اتفاق باريس الاقتصادي الذي كرس التبعية للاقتصاد الإسرائيلي، ووضع قيوداً على الاقتصاد الفلسطيني، وربطه بغلاف جمركي موحد وجرده من أدواته وسياساته النقدية.
بدوره، قال الباحث الاقتصادي عامر الشوبكي، إن الحصار المشدد والعدوان المتواصل على غزة، والذي يستهدف المنشآت الصناعية والزراعية والخدماتية، ساهم في تردي الأوضاع الاقتصادية، ما أسفر عن تقويض اقتصاد غزة، وتسبب في ارتفاع مستويات البطالة وانعدام الأمن الغذائي والاعتماد على المساعدات، فضلا عن تراجع الدخول؛ بحيث لا يتجاوز دخل الفرد اليومي 3 دولارات.
وأضاف الشوبكي، في تصريحات لـ "إرم الاقتصادية"، أنه "بجانب الحصار المفروض، يعاني اقتصاد غزة أيضاً من سيطرة المستوطنين الإسرائيليين على موارد الطاقة والزراعة، إضافة إلى تراجع المساعدات الخارجية، وازدياد الديون وارتفاع معدلات الفقر، حيث يعتمد أغلب مواطني غزة على المساعدات".
ولفت إلى أن "تفعيل الدور الاقتصادي لغزة للمساهمة في الناتج المحلي لفلسطين يتطلب إعادة هيكلة البنية التحتية للقطاع، وإعادة بعث المصانع المتوقفة جراء القيود التي فرضتها إسرائيل، ما أدى إلى إغلاق معظم المصانع التي كانت تساهم بقدر كبير في موازنة اقتصاد القطاع".
قيود على الحركة
ويعيش في غزة نحو 2.3 مليون فلسطيني في قطاع غزة، ويعانون من أوضاع معيشية متدهورة للغاية جراء الحصار، إذ يحتاج مواطنو غزة إلى تصاريح للتنقل داخل وخارج القطاع عبر نقطتي عبور بريتين تسيطر عليهما إسرائيل. كما فرضت إسرائيل قيودا على حركة البضائع، ودمرت الأصول الإنتاجية، وحظرت استيراد التكنولوجيا ومدخلات الإنتاج الرئيسة، مما تسبب في إفراغ اقتصاد قطاع غزة.
وحسب "أونكتاد"، فإن القيود على حركة الأشخاص والسلع تعيق مواطني غزة من الوصول إلى الخدمات الصحية والخدمات الأساسية الأخرى، حيث يعتمد 80% من الغزاويين على المساعدات الدولية.
ويشير التقرير الأممي، إلى أن أهالي غزة يعيشون بدون كهرباء نصف الوقت، وبدون وصول كافٍ إلى مياه نظيفة أو نظام صرف صحي مناسب، فيما سجل معدل البطالة 45% داخل القطاع، وبلغ معدل الفقر 61% بنهاية العام الجاري، مقارنة بـ 40% في 2005.