وفي القمة التي انعقدت للاحتفال بمبادرة الحزام والطريق، بدت الصورة أكثر انقساماً.
وخلال خطاب ألقاه في قاعة الشعب الكبرى في بكين يوم الأربعاء، وضع شي الصين كرائدة لنظام عالمي جديد أكثر شمولاً، ووعد بأن صعود بلاده سيفيد أي دولة تريد المشاركة.
وقال: "نحن لا نمارس مواجهة أيديولوجية، ولا منافسة جيوسياسية، ولا سياسة التكتل"، مستهدفاً العقوبات الأحادية والفصل الاقتصادي وغيرها من الأدوات، التي تتهم بكين الولايات المتحدة باستغلالها لاحتواء نفوذها. وأضاف: "إن ما تم تحقيقه في السنوات العشر الماضية، يوضح أن التعاون في إطار الحزام والطريق يقف على الجانب الصحيح من التاريخ."
من جهته أشاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي دُعي للتحدث مباشرة بعد الرئيس الصيني، بما وصفه بجهود برنامج البنية التحتية للمشروع، الذي تبلغ قيمته تريليون دولار لبناء "عالم أكثر عدالة ومتعدد الأقطاب ونظام للعلاقات الدولية"، وفقاً لترجمة شبكة سي جي تي إن الحكومية الصينية.
وتعكس أهمية ظهور بوتين، والغياب شبه التام للتمثيل الغربي بين ما يقرب من عشرين من زعماء العالم، الذين حضروا المنتدى، كيف أصبحت مبادرة الحزام والطريق منقسمة على نحو متزايد على طول الخطوط الجيوسياسية، منذ أن اقترح الزعيم الصيني الفكرة لأول مرة قبل عقد من الزمن، فالتوترات تفاقمت بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، ومؤخراً الهجوم الذي شنته حماس على إسرائيل.
وكان ينظر إلى هذه المبادرة على أنها ستكون وسيلة لتعزيز تطوير البنية التحتية من أجل ربط الصين، بشكل أفضل بآسيا الوسطى وخارجها، ولكنها واجهت انتقادات مستمرة من الحكومات الغربية بسبب أعباء الديون غير المستدامة على بعض الدول المشاركة.
ولم يتطرق شي بشكل مباشر إلى انتقادات الديون في خطابه يوم الأربعاء، وبدلاً من ذلك، تحدث بعبارات عامة عن الكيفية التي يفيد بها صعود الصين الدول الأخرى.
وقال الرئيس الصيني: "عندما يكون أداء الصين جيداً، فإن أداء العالم سيكون أفضل". ومن خلال التعاون في إطار الحزام والطريق، تفتح الصين أبوابها على نطاق أوسع أمام العالم."
وفي خضم الحرب في أوكرانيا ومذكرة الاعتقال المعلقة ضده من قبل المحكمة الجنائية الدولية، عزز حضور بوتين منتدى هذا العام، من دعم الصين الاقتصادي والدبلوماسي للزعيم الروسي.
ورداً على العقوبات الغربية ضد روسيا في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية، زادت العلاقات التجارية بين روسيا والصين، مع تحول روسيا على نحو متزايد إلى الصين، للحصول على التكنولوجيات والآلات التي تكافح من أجل الحصول عليها.
وبينما تعاني روسيا من العزلة الاقتصادية عن الغرب، دعا بوتين في خطابه دول الحزام والطريق للمشاركة في تطوير ما يعرف باسم طريق بحر الشمال، الذي يمر عبر القطب الشمالي من شمال غرب روسيا إلى مضيق بيرنغ، الذي يقصر مسافة شحن البضائع ويتجنب نقاط الازدحام في قناة السويس ومضيق ملقا.
وبينما سعت روسيا في السابق إلى إحباط طموحات الصين في القطب الشمالي، أبدى بوتين نبرة أكثر ترحيباً في خطابه في بكين. وقال عن طريق بحر الشمال: "إننا ندعو الدول المهتمة إلى المشاركة بشكل مباشر في تطويره".
وفي اجتماع بين شي وبوتين يوم الأربعاء، وهو الاجتماع الثاني والأربعين منذ عام 2013، أشاد الزعيم الصيني بما وصفه بـ"علاقة عمل جيدة وصداقة عميقة" مع بوتين، وفقاً لبيان نشرته وسائل الإعلام الرسمية الصينية.
وقال شي لبوتين، وفقاً لتقرير وسائل الإعلام الرسمية الصينية، الذي لم يذكر الحرب في أوكرانيا: "لقد تعمقت الثقة السياسية المتبادلة بين البلدين بشكل مستمر، وكان التعاون الاستراتيجي وثيقاً وفعالاً، ووصلت التجارة الثنائية إلى مستوى قياسي".
ونقلت وسائل الإعلام الرسمية الروسية عن بوتين قوله للرئيس شي، إنه في ظل الظروف الحالية الصعبة، يتعين على الصين وروسيا تنسيق سياساتهما الخارجية بشكل وثيق.
وأشادت روسيا في السابق بالموقف الرسمي للصين بشأن الحرب الأوكرانية، حيث رأت بكين أن المصالح الأمنية لجميع الأطراف يجب أن تؤخذ في الاعتبار عند السعي إلى حل للصراع. وهذا الموقف، وفقاً لمحللين غربيين، يضفي ثقلاً على الموقف الروسي المتمثل في أن التهديدات الأمنية الخارجية تعني أنه ليس أمامها خيار سوى الدخول في حرب مع أوكرانيا.
ولم ترد أنباء فورية عن حدوث انفراجة في المفاوضات المستمرة منذ فترة طويلة، بشأن خط أنابيب جديد للغاز الطبيعي، يربط بين روسيا والصين، والذي أطلق عليه اسم "قوة سيبيريا 2". وسوف يمر خط الأنابيب عبر منغوليا ويعزز مبيعات الغاز الروسي إلى الصين، مما يعيد توجيه صناعة الطاقة الروسية نحو آسيا والابتعاد عن اعتمادها التقليدي على أوروبا.
وفي اجتماع مع رئيس منغوليا في بكين يوم الثلاثاء، قال بوتين إنه يعتقد أن المشروع سيمضي قدماً بزخم جيد، وفقاً لوسائل الإعلام الحكومية الروسية.
ومع وجود بوتين وغيره من الزعماء الأجانب في المدينة، تم تشديد الإجراءات الأمنية في بكين لعدة أيام قبل المنتدى، حيث تم نشر قوات صينية من رجال شرطة ورجال أمن، للحفاظ على الحراسة في أجزاء من العاصمة. حيث تعرض موظف في السفارة الإسرائيلية للطعن في بكين الأسبوع الماضي، نتيجة الصراع بين إسرائيل وحماس.
وفي إطار التحضير لمنتدى هذا العام، ربطت الصين ضمناً مبادرة الحزام والطريق بمنافستها المتنامية مع الولايات المتحدة ودول غربية أخرى. واستهدف تقرير حكومي صيني في وقت سابق من هذا الشهر الجهود الأميركية للحد من مبيعات تكنولوجيا معينة للصين، وهي استراتيجية تسميها إدارة بايدن "إزالة المخاطر".
وقال التقرير: "بعض الدول تبالغ في مفهوم الأمن القومي وتسعى إلى (الفصل) باسم (الحد من المخاطر). "إن أفعالهم تضع عقبات أمام التنمية طويلة المدى للبشرية."
وقالت وزارة التجارة الأميركية يوم الثلاثاء إنها تشدد القيود بشكل أكبر على قدرة الصين على شراء رقائق متقدمة، يمكن أن تغذي اختراقات في الذكاء الاصطناعي. وبرزت القيود الأميركية على صادرات التكنولوجيا إلى الصين، باعتبارها واحدة من أكثر نقاط الخلاف إثارة للجدل بين البلدين، وتشكو الصين من أن القيود غير عادلة ومصممة لاحتوائها.
وفي خطابه يوم الأربعاء، قال شي إن الاقتصاد الصيني مفتوح أمام الاستثمار الأجنبي، على الرغم من تدهور معنويات الأعمال الدولية، وسط بيئة تنظيمية محلية لا يمكن التنبؤ بها وحملة تشديد أمنية. وقال شي إن الصين ستلغي جميع القيود المفروضة على الاستثمار الأجنبي في قطاع التصنيع - الذي كان منذ فترة طويلة نقطة حساسة للشركات الأجنبية، التي تسعى إلى تصنيع منتجات في البلاد - دون تقديم تفاصيل.
وبالنسبة لمشروعات الحزام والطريق، التي تم بناء الكثير منها خارج حدود الصين، قال الرئيس الصيني إن كلاً من بنك التنمية الصيني المملوك للدولة، وبنك التصدير والاستيراد الصيني، سيقدمان 350 مليار يوان إضافية، أي ما يعادل 47.9 مليار دولار أميركي، من التمويل المتاح. بينما سيتم ضخ 80 مليار يوان في صندوق طريق الحرير، الذي تديره الدولة في الصين.
وعلى الرغم من الالتزامات الجديدة، هناك أدلة على أن الحماس لمبادرة الحزام والطريق آخذ في التراجع في بعض النواحي. وهذا العام، حضر القمة ما يقرب من عشرين رئيس دولة أو حكومة، مقارنة بـ 37 رئيساً شاركوا في آخر منتدى من هذا القبيل في عام 2019.
ولم ترسل حكومات أخرى، مثل أفغانستان، مسؤولين من الصفوف الأولى، وأرسلت طالبان وزير الصناعة والتجارة بالوكالة إلى بكين، لحضور المنتدى والالتقاء بالمستثمرين المحتملين.
ومن اللافت للنظر أن جميع ممثلي الاتحاد الأوروبي غابوا تقريباً عن منتدى هذا العام، وكان رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان هو الرئيس الوحيد لدولة عضو في الاتحاد الأوروبي، الذي حضر اجتماع هذا العام. وحضر قادة اليونان وإيطاليا والبرتغال في السابق اجتماع 2019.
وبينما كانت مبادرة الحزام والطريق تركز ذات يوم على مساعدة الصين، في تمويل وبناء البنية التحتية واسعة النطاق، يبدو أنها الآن تتحول نحو مشاريع أصغر حجماً، فضلاً عن إعطاء الأولوية للتنمية المستدامة وتعزيز الاتصال الرقمي بين البلدان، بحسب تصريحات محللين يتابعون المبادرة.
لكن التغيير لا يعني أن المبادرة ستنتهي. وبدلاً من ذلك، أعلن شي عن خطط لإنشاء أمانة للمنتدى، وهي خطوة من شأنها إضفاء الطابع المؤسسي على المبادرة في المستقبل، حسبما قال ريك ووترز، المدير الإداري للصين في شركة استشارات المخاطر السياسية مجموعة أوراسيا.
وقال ووترز: "طالما بقي الرئيس الصيني، فإن هذا المشروع موجود ليبقى".