بشكل مفاجئ، قلّص الرئيس الأميركي دونالد ترامب المهلة التي منحها لروسيا قبل فرض أقسى العقوبات على صادراتها النفطية، وهي العقوبات التي قد تؤثر بعمق على سوق الطاقة العالمي، وبينما تعاملت الأسواق سابقاً مع تهديداته على أنها مجرد استعراض، فإن خطورة هذه العقوبات بدأت تدفع المستثمرين لإدراج هذا الخطر النادر ضمن حساباتهم المستقبلية.
خلال زيارته إلى إسكتلندا برفقة رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر يوم الاثنين، أعلن ترامب أنه يمنح موسكو مهلة لا تتجاوز 10 إلى 12 يوماً لإنهاء الحرب في أوكرانيا، وإلا سيفرض ما وصفه بعقوبات ثانوية على صادرات النفط الروسية، متراجعاً بذلك عن المهلة الأصلية التي حددها بـ50 يوماً في 14 يوليو.
وتشمل العقوبات فرض رسوم جمركية بنسبة 100% على مستوردي النفط الروسي، في مقدمتهم الهند والصين.
قد تؤدي هذه الخطوة إلى زعزعة عميقة في إمدادات النفط العالمية، حيث صدّرت روسيا في يونيو نحو 4.68 مليون برميل يومياً من الخام (ما يعادل 4.5% من الطلب العالمي)، إضافة إلى 2.5 مليون برميل يومياً من المنتجات المكرّرة، وفقاً للوكالة الدولية للطاقة.
لكن هل سيمضي ترامب قدماً في تنفيذ تهديده؟ لا أحد يملك إجابة قاطعة.
تنفيذ مثل هذه الرسوم قد يؤدي إلى قفزة حادة في أسعار النفط، ما قد يُفاقم التضخم في الولايات المتحدة، وهي نتيجة قد تدفع ترامب إلى التراجع، رغم تصريحاته المتكررة بأنه «يشعر بخيبة أمل» من نظيره الروسي فلاديمير بوتين.
وعلى غرار تهديداته السابقة مثل الرسوم المتبادلة التي أعلنها في 2 أبريل ثم تراجع عنها لاحقاً تحت ضغط الأسواق، فإن قرارات ترامب تتأرجح بين التصعيد والتراجع، ومع ذلك لا يخلو سجله من التنفيذ الفعلي، كما حدث عندما أمر بقصف منشآت نووية إيرانية في 22 يونيو.
وفي تحول لافت، قفزت أسعار النفط بنحو 3% يوم الاثنين بعد تصريحات ترامب، على عكس ردود الفعل السابقة التي تجاهلت تهديداته بالعقوبات الثانوية.
السؤال الأبرز: هل ستكون هذه العقوبات فعالة؟ الجواب المحتمل: نعم.
الهند، التي كانت في يونيو أكبر مشترٍ للنفط الروسي المنقول بحراً (1.5 مليون برميل يومياً)، تخوض مفاوضات تجارية شائكة مع واشنطن، ولذلك قد تميل إلى تقليص اعتمادها على النفط الروسي لتفادي تعقيد علاقاتها مع الولايات المتحدة، حتى وإن كلفها ذلك شراء طاقة بأسعار أعلى.
أما الصين، التي استوردت نحو مليوني برميل يومياً من روسيا عبر الأنابيب والناقلات، فلديها حوافز أقل للتغيير، فهي بالفعل تخضع لعدة جولات من الرسوم الأميركية، وتعد شراكتها مع موسكو استراتيجية.
ومع ذلك، فإن تخلي الهند عن النفط الروسي سيضع خزينة الكرملين تحت ضغط كبير، فيما قد تحصل الصين على النفط الروسي بشروط أكثر تفضيلاً.
لا تزال الآثار المحتملة لهذه العقوبات على سوق النفط العالمي غير واضحة، في ظل التغيرات في العرض والطلب، فمن المتوقع أن ينمو الطلب العالمي في 2025 بأبطأ وتيرة منذ 2009 (700 ألف برميل يومياً)، في حين يتوقع أن تقفز الإمدادات بمقدار 2.1 مليون برميل يومياً هذا العام لتبلغ 105.1 ملايين برميل، وفقاً للوكالة الدولية للطاقة.
يُعزى هذا النمو في المعروض أساساً إلى رفع إنتاج تحالف «أوبك+»، بقيادة السعودية، الذي بدأ في أبريل بإلغاء 2.2 مليون برميل يومياً من التخفيضات، وزيادة حصة الإمارات الإنتاجية بـ300 ألف برميل يومياً.
ورغم انخفاض قدرات الاحتياطي بعد هذه الزيادات، لا تزال السعودية قادرة على ضخ 2.3 مليون برميل إضافي خلال 90 يوماً، بينما تبلغ قدرات الإمارات والكويت 900 و600 ألف برميل على التوالي.
لكن حتى هذه الطاقات الاحتياطية قد لا تكون كافية لطمأنة الأسواق إذا نفّذ ترامب تهديده، خصوصاً مع غموض رد فعل موسكو.
فإيرادات النفط والغاز شكلت ما بين 30% و50% من ميزانية روسيا الفدرالية خلال السنوات الأخيرة، وهي المصدر الأساسي لتمويل الكرملين، ما يعني أن بوتين سيضطر للرد بقوة على أي محاولة للحد من تلك الإيرادات.
وقد ظهرت بوادر ذلك الأسبوع الماضي، حين منعت روسيا مؤقتاً الناقلات الأجنبية من تحميل النفط في موانئ البحر الأسود، عقب فرض لوائح جديدة.
ورغم أن تهديد ترامب الأخير قد يكون مجرد ضغط تكتيكي، إلا أنه بلا شك قَصَّر فتيل قنبلة موقوتة قد يصعب على أسواق النفط تجاهلها.