رجح خبراء اقتصاديون ومصرفيون لـ«إرم بزنس» استمرار صعود التضخم في مصر نتيجة تصاعد التوترات الجيوسياسية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، والصراع العسكري بين إيران وإسرائيل، والذي انعكست تداعياته مباشرة على أسعار الطاقة.
وكانت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر، أظهرت ارتفاع معدل التضخم السنوي في المدن للشهر الثالث على التوالي، خلال مايو الماضي إلى 16.8% مقابل 13.9% في أبريل، مدفوعاً بارتفاع أسعار الغذاء والوقود والخدمات، ما يشير إلى استمرار الضغوط السعرية على المستهلكين، ويفرض تحديات إضافية على صناع القرار النقدي.
وأرجع خبراء اقتصاديون ومصرفيون، هذه الطفرات السعرية التي شهدتها الكثير من السلع والخدمات إلى تحريك أسعار الوقود في أبريل الماضي، والذي شمل البنزين والسولار بنسب تراوحت بين 12% و33%.
توقع رئيس مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية عبد المنعم السيد، أن تشهد مصر موجة تضخمية جديدة خلال النصف الثاني من العام الحالي، مدفوعة بعدة عوامل متزامنة على رأسها ارتفاع أسعار النفط والغاز عالمياً نتيجة التصعيد العسكري في منطقة الشرق الأوسط، خاصة بين إيران وإسرائيل.
وأوضح أن استمرار التوترات في منطقة الشرق الأوسط الحيوية لإمدادات الطاقة العالمية سيؤثر بشكل مباشر على تكاليف الوقود والنقل والإنتاج، ما سيترجم سريعاً إلى زيادة في أسعار السلع الغذائية والمواد الأساسية على مستوى العالم، ومنها مصر.
وما يغذي من توقعات صعود الموجة التضخمية، بحسب السيد، اتجاه الحكومة المصرية لمواصلة سياسة ترشيد الدعم عن المحروقات والخدمات حتى نهاية 2025، في إطار برنامج الإصلاح الاقتصادي، خاصة مع تقليص الدعم تدريجياً عن الوقود والكهرباء.
ودعا إلى إجراءات موازية لدعم الفئات الهشة وتوسيع مظلة الحماية الاجتماعية، لا سيما أن الظروف الحالية والمتوقعة قد تعمق الضغوط المعيشية على المواطنين وتقلص قدرتهم الشرائية، خصوصاً الطبقات المتوسطة والفقيرة.
اعتبر الخبير المصرفي محمد عبد العال أن الارتفاع الأخير في معدلات التضخم بمصر لا يعكس عودة لضغوط تضخمية هيكلية مقلقة، بل هو ناتج عن عوامل موسمية ومؤقتة، مؤكداً أن السياسة النقدية قادرة على مواصلة احتواء التضخم وتحقيق المستهدفات المعلنة في الأفق الزمني المحدد.
وكان البنك المركزي المصري، خفض في مايو الماضي، أسعار الفائدة الرئيسة 100 نقطة أساس، إلى 24% للإيداع و25% للإقراض، وهو ثاني خفض للفائدة في عام 2025 بعد إبقاء أسعار الفائدة دون تغيير لمدة عام.
ووفق عبد العال، جاءت موجة التراجع التي شهدها التضخم في شهري يناير وفبراير 2025، والتي هبط فيها المعدل السنوي إلى 12%، مدفوعة بتأثير سنة الأساس، بعدما كان التضخم قد بلغ ذروته في يناير من العام الماضي، كما استفاد هذا التراجع من تراكم أثر السياسات النقدية التقييدية التي طبقها البنك المركزي خلال الفترات السابقة.
لكن مع بداية مارس 2025، عاد التضخم تدريجياً إلى الارتفاع، وهو ما فسره عبد العال بتأثير ثلاثة عوامل رئيسة، أولها زيادة أسعار الوقود في شهر أبريل الماضي، وثانيها إصدار الحزمة الاجتماعية الحكومية، في حين جاء العامل الثالث نتيجة ارتفاع الحد الأدنى للأجور وما ترتب عليه من تأثير على سلة الاستهلاك.
ورغم هذا الارتفاع، شدد عبد العال على أن هذه العوامل لا تعكس نشوء ضغوط تضخمية دائمة، بل هي ظروف مؤقتة لا تقارن بالضغوط التي دفعت بمعدلات التضخم إلى مستويات قياسية تجاوزت 30% خلال عامي 2022 و2023، إذ إن هذه الزيادات الأخيرة لم تكن نتيجة تغير في سعر الصرف أو عجز في الإنتاج المحلي أو توقف سلاسل الإمداد.
رأى الخبير الاقتصادي مدحت نافع أن التصاعد في معدلات التضخم يعكس تأثير عدة عوامل مجتمعة، أبرزها استمرار الاضطرابات في سلاسل الإمداد العالمية نتيجة الحروب التجارية، إلى جانب الزيادات الأخيرة في أسعار المحروقات داخل السوق المصرية، والتي يُتوقع استمرارها حتى نهاية العام الجاري، كما أشار إلى أن الضغوط الموسمية الناتجة عن شهر رمضان ساهمت أيضاً في رفع وتيرة الأسعار.
ورجح هذا السيناريو في ظل استمرار الضغوط التضخمية، ما لم تظهر مؤشرات جديدة على تباطؤ معدلات التضخم بشكل واضح.
وأوضح أن السياسة المالية للحكومة ساهمت بتخفيف الأعباء التضخمية، من خلال خفض الإنفاق الاستثماري وتقليص تكلفة خدمة الدين العام، وهو ما يُعد توجهاً انكماشياً يحد من تسارع الأسعار.
كما أشار إلى التزام الدولة بسقف محدد للإنفاق الاستثماري، سواء داخل الموازنة أم خارجها، بما لا يتجاوز تريليون جنيه، وهي خطوة تُسهم في السيطرة على الضغوط التضخمية بشكل غير مباشر.
وأضاف نافع أن استمرار معدل التضخم تحت حاجز 20% يمثل دافعًا لتثبيت سعر الفائدة، إلا إذا شهدت الأسواق موجة تضخمية جديدة تستدعي مراجعة هذا القرار.
كما شدد على أن تحريك أسعار الطاقة في المرحلة المقبلة يجب أن يكون مرهوناً بمتابعة دقيقة لمعدلات التضخم، مؤكداً أنه في حال خروج التضخم عن السيطرة، يتعين على الحكومة تأجيل أي زيادات جديدة في الأسعار، مطالباً صندوق النقد الدولي بأخذ هذه المستجدات بعين الاعتبار عند تقييمه للسياسات الاقتصادية في مصر.