خاص
خاص

أسعار البنزين "تكوي" اليمنيين.. تضخم وانكماش وجوع

يئن الشعب اليمني من وطأة الظروف الاقتصادية المتدنية، والتي تفاقمت منذ انقلاب الحوثيين على الحكومة الشرعية قبل نحو 9 سنوات، وهو ما تسبب في انهيار العملة المحلية، وارتفاع التضخم، وزيادة تكاليف المعيشة، وهو ما عكسته بصفة خاصة الزيادات المتتالية في أسعار الوقود.

وأعلنت شركة النفط اليمنية، منتصف الأسبوع الجاري، رفع أسعار البنزين، للمرة الثانية خلال أقل من شهرين في مدينة عدن ومحافظات الجنوب، ليزيد الأمر من معاناة اليمنيين بسبب تدهور أوضاعهم المعيشية.

وتأتي الزيادة الأخيرة في الوقود بعد ارتفاع آخر في 20 سبتمبر الماضي، بنحو 10.9% تزامنًا مع الزيادة العالمية في أسعار الوقود وتراجع قيمة العملة المحلية لأدنى مستوياتها.

ويعاني اليمن من ارتفاع التضخم بنحو 12.8% في المتوسط خلال العالم الجاري، ومن المرجح أن يواصل صعوده في ظل ارتفاع أسعار الوقود، ويتوقع البنك الدولي وصوله إلى 17.3% خلال العام المقبل 2024.

صعود متواصل

وخلال أقل من عام، ارتفع سعر الوقود في عدن أربعة مرات، بدءًا من 19400 ريال للغالون الـ 20 لترا، وبعدها زاد إلى 21900 ريال، ثم 25000 ريال، وأخيرًا 25700 ريال بعد الارتفاع الأخير.

وبدأت أسعار البنزين في اليمن تأخذ منحى تصاعديا، منذ صدور القرار الرئاسي بتحرير سوق المشتقات النفطية في عام 2018، لترفع الحكومة الدعم عن الوقود، ويتم تحديد أسعاره دوريا حسب الأسعار العالمية، وسعر صرف الريال مقابل الدولار الأميركي.

وإزاء ارتفاع سعر البنزين للمرة الثانية في أقل من شهرين، أبدى الأهالي استياءهم من الزيادات المتتالية في أسعار الوقود، لأنها تزيد من تدني ظروفهم الحياتية، في بلد يئن تحت وطأة تردي الأوضاع الاقتصادية، وانعدام الخدمات، وحرب مستمرة منذ 9 سنوات أدت لاستنزاف موارد الدولة، وانعدام الأمن الغذائي.

وكشف أحدث استطلاعات منظمة الأغذية والزراعة "الفاو" التابعة للأمم المتحدة، عن تدهور معدلات الأمن الغذائي في اليمن خلال سبتمبر الماضي، مقارنة بشهر أغسطس السابق، بسبب تدهور قيمة الريال وارتفاع أسعار الوقود، مما أدى إلى زيادة أسعار السلع الغذائية، وتراجع وصول الأسر إلى الغذاء من الأسواق.

وحذرت المنظمة الدولية، من ارتفاع أسعار المواد الغذائية مجددا في شهر ديسمبر المقبل، لتسجل معدلا أعلى من متوسط الثلاث سنوات الماضية.

انكماش اقتصادي

من جانبه يتوقع البنك الدولي، حدوث انكماش اقتصادي في اليمن، في ظل ارتفاع أسعار الوقود والتضخم وانهيار الاستثمارات وتراجع صادرات النفط وانهيار الريال. وتشير أحدث بيانات البنك إلى أن إجمالي الناتج المحلي لليمن سينكمش بنسبة 0.5% في عام 2023، بعدما حقق نموا بلغ 1.5% في العام السابق.

وحول تأثير زيادات البنزين على الأوضاع المعيشية، يقول مصطفى نصر، رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي اليمني، إن الاستمرار في رفع أسعار البنزين يزيد من معاناة الشعب اليمني، ويؤدي إلى زيادات متتالية في أسعار المواد الغذائية التي يدخل الوقود في إنتاجها أو شحنها.

وأضاف نصر في تصريحات لـ"إرم الاقتصادية"، أنه على مدار العام الجاري ارتفعت أسعار الوقود بنحو 4 مرات لتتجاوز نسبة الزيادة 100%، مشيرًا إلى وجود علاقة طردية بين سعر الوقود وأسعار الغذاء وتكاليف النقل والمواصلات التي ترتفع بنفس نسبة ارتفاع الوقود، ما يقلص من القدرة الشرائية للمواطنين.

وأرجع رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، زيادة أسعار البنزين المستمرة، إلى اضطرار الحكومة اليمنية لاستيراده من الخارج، حيث يتم توريده من قبل التجار، وفق الأسعار العالمية.

وأشار إلى أنه في ظل ارتفاع سعر النفط عالميا، مع انهيار قيمة الريال اليمني، فإن سعر الشراء يكون مرتفعًا على الدولة والمواطنين، خاصة بعدما رفعت الحكومة الدعم تماما عن المواد البترولية في عام 2018.

وواصل الريال اليمني مساره الهبوطي، ليسجل أدنى انخفاض له منذ عام، بعد هبوطه إلى 1521 ريالا للدولار الواحد، مقابل 1420 مطلع الشهر الماضي.

ارتفاع التضخم

زيادة أسعار الوقود الحالية لن تكون الأخيرة، حيث توقعت منظمة "الفاو" ارتفاع أسعار الوقود مجددًا في الأشهر المقبلة بسبب استمرار ارتفاع النفط عالميا، وتدني قيمة الريال، مما يهدد بموجة تضخم جديدة في أسعار الغذاء.

ومع أن اليمن تعد من الدول المنتجة للنفط، لكن بعد الانقلاب الحوثي وتضرر المنشآت النفطية، بدأت الحكومة تتجه لتوفير احتياجاتها من المواد البترولية عبر الاستيراد من الخارج، وفق الأسعار العالمية.

ومنذ أواخر 2014، تراجع إنتاج اليمن من النفط إلى 60 ألف برميل يوميًا وفقًا لبيانات رسمية، بعد أن كان الإنتاج يتراوح ما بين 150 و200 ألف برميل يوميًا قبل انقلاب الحوثيين على الشرعية.

زيادة الأسعار

إلى ذلك، توقع الخبير الاقتصادي اليمني، توفيق صالح، أن تؤدي الارتفاعات الأخيرة في أسعار الوقود إلى زيادة أسعار المواد الغذائية ومعدل التضخم، محذرًا من التداعيات السلبية لهذه الارتفاعات على الاقتصاد، حيث ستؤدي إلى تراجع حجم إنفاق المستهلكين، وانخفاض الإنتاج، وحدوث ركود بالأسواق.

وأوضح صالح في تصريحات لـ"إرم الاقتصادية"، أن الزيادات السابقة في أسعار البنزين التي أقرتها الحكومة خلال العام الجاري؛ كان لها انعكاسات كبيرة على معدلات التضخم في البلاد، وبالأخص أسعار السلع الغذائية، التي ارتفعت إلى مستويات غير مسبوقة.

وعزا الخبير الاقتصادي زيادات الوقود المتتالية؛ لقيام الحكومة باستيراده من الخارج بالسعر العالمي، وفي ظل ارتفاع سعر صرف الريال إلى 1525 للبيع و1520 للشراء مقابل الدولار، بالإضافة إلى غياب المنافسة في عملية استيراد النفط ومشتقاته.

خسائر اقتصادية  

وتسبب انقلاب الحوثيين على الحكومة الشرعية في خسائر فادحة للاقتصاد اليمني بلغت تراكميًا نحو 143.3 مليار دولار خلال الفترة (2015-2022)، وفق بيانات رسمية.

ويعاني اليمن من أزمة إنسانية عميقة، وما زالت تتفاقم مع تراجع المساعدات الخارجية بسبب نقص التمويل، حيث طالبت مؤخرًا 98 جهة دولية ومحلية بينها منظمات أممية، بزيادة التمويل لمساعدة أكثر من 21.6 مليون شخص، يمثلون نحو 75% من سكان البلاد.

وأشارت هذه الجهات إلى أنّ 17 مليون شخص يعانون انعدام الأمن الغذائي في اليمن، وهذا العدد يشمل 6.1 ملايين شخص دخلوا بالفعل مرحلة خطيرة في نقص الغذاء وسوء التغذية الحاد.

Related Stories

No stories found.
إرم الاقتصادية
www.erembusiness.com