يؤدي المهاجرون السوريون دوراً متزايد الأهمية في دعم الاقتصاد الألماني، ليس فقط عبر اندماجهم في سوق العمل، بل من خلال قصص نجاح لافتة تُسهم في تغيير الصورة النمطية حول الهجرة.
من بين هذه القصص وفقاً لموقع «بلومبرغ»، يبرز اسم ديار خال الذي وصل إلى ألمانيا في ديسمبر 2014 بعد أن فرّ من الحرب في سوريا وعمل 3 سنوات شاقة في تركيا.
بعد أكثر من عقد، أصبح خال يتقن الألمانية بطلاقة ويعيش في مدينة مانهايم الصناعية، حيث يدير شركته الناشئة التي توظف 15 شخصاً وتطوّر تطبيقاً لمساعدة المهاجرين على التعامل مع الإجراءات البيروقراطية الألمانية.
بحسب معهد أبحاث التوظيف الألماني، فإن نحو ثلثي اللاجئين السوريين الذين وصلوا بين 2013 و2019 يعملون حالياً، بفارق 9 نقاط مئوية فقط عن متوسط التوظيف على مستوى البلاد.
يشير رئيس دراسات الهجرة في المعهد هربرت بروكر، إلى أن التوقعات في بداية أزمة اللاجئين كانت تعد توظيف نصفهم بعد هذه المدة نجاحاً كبيراً، نظراً لصعوبات الاندماج.
فيما يرى الخبير الاقتصادي مارتن فيردينغ، عضو المجلس الاستشاري الاقتصادي للحكومة الألمانية، أن الهجرة تمثل مكسباً مالياً طويل الأمد للدولة، مقدراً أن كل مهاجر جديد يمكن أن يضيف نحو 7,100 يورو سنوياً للخزانة العامة، ما يعادل 3 مليارات يورو سنوياً، بفضل إسهامهم كدافعين ضرائب شباب يخففون أعباء المعاشات.
لكن رغم هذه المكاسب، يظل الجدل السياسي محتدماً حول الهجرة، خاصة مع صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة مثل حزب «البديل من أجل ألمانيا» الذي أصبح ثاني أقوى كتلة في البرلمان.
وقد سعت حكومة المستشار فريدريش ميرتس إلى تشديد الرقابة على الحدود للحد من الهجرة غير النظامية، في محاولة لاحتواء هذا الصعود السياسي، وسط تشكيك في فاعلية هذه الإجراءات.
كما يروي تقرير «بلومبرغ»، قصصاً أخرى مثل ريان الشبلي، الذي هرب من سوريا عام 2015 لتجنب الخدمة العسكرية، وبدأ مسيرته في الإدارة المحلية ببلدة ألمانية صغيرة، قبل أن يصبح في 2023 أول لاجئ سوري يُنتخب عمدة لبلدة أوستلسهايم، بعد حصوله على 55% من الأصوات.
ولا تقتصر النجاحات على ميدان السياسة أو ريادة الأعمال، بل تمتد إلى التعليم، فالسورية شهما بطرس، التي لجأت إلى برلين قبل عقد مع زوجها وابنتيها، تقول إن ابنتها الكبرى تدرس الطب في هامبورغ، والصغرى ستبدأ الجامعة في بيليفيلد هذا الخريف، مؤكدة أن هدفها منذ البداية كان منح بناتها كل فرصة ممكنة للاندماج والمساهمة في المجتمع الألماني.
يخلص تقرير «بلومبرغ» إلى أن ألمانيا، في ظل شيخوخة سكانها، بحاجة إلى نحو 400 ألف مهاجر سنوياً للحفاظ على قوة سوق العمل، وأن التركيز على تحسين سياسات الاندماج قد يكون أكثر جدوى اقتصادياً واجتماعياً من الجدل المستمر حول أعداد الوافدين.