زراعة القمح في مصر.. التضخم يهزم «السعر الاسترشادي»
تسعى مصر، التي تعد أكبر مستورد للقمح في العالم، بنحو 11 إلى 12 مليون طن سنويا، إلى تشجيع المزارعين على زراعة هذا المحصول الاستراتيجي، من أجل خفض فاتورة الاستيراد بالعملة الصعبة، وتحقيق نسبة أكبر من الاكتفاء الذاتي، وذلك عبر تحديد سعر ضمان استرشادي يبلغ 1600 جنيه للأردب (يعادل 150 كيلوغراما) وهو ما تراه الحكومة مجزيا وعادلا، بينما يؤكد مزارعون أن السعر يجب ألا يقل عن 2000 جنيه للأردب، كي يتمكنوا من تحقيق عائد معقول.
وأعلنت الحكومة المصرية عن عدة إجراءات لتشجيع الفلاحين على زيادة مساحة القمح هذا العام، بعدما تراجعت المساحة المزروعة خلال العام الماضي بنسبة 12% عن العام السابق له، إذ بلغت 3.2 ملايين فدان، مقابل 3.650 ملايين فدان في عام 2021. وتستهدف الحكومة في الموسم المقبل زيادة المساحة المزروعة بالقمح إلى 3.8 ملايين فدان.
وشملت هذه الإجراءات، بالإضافة إلى الإعلان عن السعر الاسترشادي، قبل بداية موسم الزراعة في منتصف نوفمبر، توفير تقاوي معتمدة لنحو 4 ملايين فدان، بهدف زيادة إنتاجية الفدان، مقارنة بالتقاوي العادية التي يعتمد عليها بعض المزارعين، من خلال تخزين جزء من محصول العام الماضي، واستخدامه كتقاوي للموسم الجديد.
السعر العادل
ورغم أن السعر الاسترشادي هذا العام يزيد بمقدار 100 جنيه للأردب عن سعر العام الماضي، لكن خبراء أشاروا إلى أن هذا السعر سيؤثر سلبًا على خطط الدولة للتوسع في زراعة هذا المحصول، لأنه لا يتناسب مع معدل التضخم الكبير مؤخرا، وارتفاع تكاليف الزراعة، مشيرين إلى أن السعر العادل يجب ألا يقل عن 2000 جنيه.
في المقابل، اختلفت تقديرات المزارعين حول السعر المناسب هذا العام، ما بين 2000 و2500 جنيها للأردب، لكنهم اتفقوا على أنه يجب ألا يقل عن 2000 جنيه. ورفعت الحكومة أسعار توريد أردب القمح المحلي 3 مرات خلال الموسم الماضي، أولها لـ1000 جنيه للأردب في أغسطس 2022، ثم إلى 1250 جنيها في منتصف يناير 2023، وأخيراً 1500 جنيها في أبريل الماضي.
على الرغم من تلك الزيادات، انخفضت كميات القمح المحلي الموردة لصالح الحكومة خلال الموسم الماضي بنسبة 10%، حيث بلغت 3.4 ملايين طن، مقابل 3.8 ملايين طن العام السابق له، بسبب لجوء بعض المزارعين لبيع محصولهم للقطاع الخاص بأسعار أفضل، أو الاحتفاظ بكميات كبيرة للاستخدام الشخصي، أو كبديل لأعلاف الماشية التي شهدت ارتفاعات قياسية.
ووفقا لتقرير صادر عن مركز معلومات مجلس الوزراء المصري، بلغ حجم الإنتاج المحلي من القمح في عام 2022 نحو 10 ملايين طن، في حين بلغت الواردات 9.02 ملايين طن، بينما بلغ الإنتاج في 2021 نحو 9.84 ملايين طن، والواردات 11.1 مليون طن، انخفاضا من 12.9 مليون طن خلال عام 2020.
طمأنة للمزارعين
في هذا الصدد، يقول الدكتور جمال صيام، أستاذ الاقتصاد الزراعي بجامعة القاهرة، إن السعر الاسترشادي الذي وضعته الحكومة المصرية للقمح، غير مناسب وسيؤثر سلبا على خطط ومستهدفات مصر.
وأضاف صيام، في تصريحات لـ "إرم الاقتصادية"، أن الزيادة في السعر هذا العام لا تتناسب مع ارتفاع التضخم والتكاليف، لأن السعر في العام الماضي كان 1500 جنيه، أي أن الزيادة هذا العام 100 جنيه فقط، وتساوي 6.6%، بينما نسبة التضخم خلال الفترة الأخيرة زادت عن 40%، ولذلك كان لا بد للحكومة أن ترفع السعر بنسبة تقترب من نسبة التضخم.
وأوضح أن هذا السعر سيؤثر على المساحات المزروعة وكميات التوريد ومعدل الاكتفاء الذاتي من القمح في النهاية، لأنه لن يشجع الفلاح على الزراعة، وسيتجه إلى محاصيل أخرى بديلة عالية الربح مثل البرسيم، الذي يعد المنافس الأقوى للقمح في الموسم الزراعي، خاصة في ظل أزمة الأعلاف وارتفاع أسعارها، ما يزيد حاجة الفلاحين إلى زراعة البرسيم.
وتابع صيام أن "الحكومة تستهدف الوصول بمساحات القمح إلى 3.8 ملايين فدان، لكن بهذا السعر المساحة لن تتعدى 3.2 ملايين فدان، بسبب ارتفاع تكاليف الزراعة على الفلاحين سواء الإيجار أو الأسمدة والتقاوي وغيرها"، موضحا أن الفلاح يبحث عن المحصول الأوفر والأكثر ربحا.
وأشار أستاذ الاقتصاد الزراعي إلى أن إيجار الفدان حاليا يصل إلى 40 ألف جنيه سنويا، بالإضافة إلى تكاليف التقاوي والأسمدة العالية، وبما أن محصول القمح تستغرق زراعته نحو 5 أشهر، فإن تكلفة زراعة الفدان تصل إلى 30 ألف جنيه، وينتج 18 أردب في المتوسط، أي أن تكلفة الزراعة في ظل هذا السعر ستكون أعلى من قيمة المحصول بعد توريده للحكومة.
الاكتفاء الذاتي
ولفت صيام، إلى أن كل ذلك سيؤثر في النهاية على حجم المساحة المزروعة والكميات المنتجة والموردة إلى الحكومة، فضلا عن زيادة لجوء الدولة إلى الاستيراد من الخارج بسبب نقص الإنتاج المحلي، وبالتالي انخفاض نسبة الاكتفاء الذاتي، والضغط على العملة الصعبة أكثر.
وذكر أن السعر المناسب والعادل لأردب القمح هذا العام هو 2000 جنيه، مطالبا الحكومة بضرورة تطبيق الزراعة التعاقدية لأنها الحل الأمثل لزراعة القمح والمحاصيل الأخرى، ولكن بشرط السعر العادل.
كما طالب صيام بوضع سياسة ثابتة مستقرة تؤدي إلى خفض واردات مصر ورفع الاكتفاء الذاتي، حتى لو أعطت الفلاح سعرا أعلى من السعر العالمي بنسبة 10%، قائلا إن "الحكومة ستكون هي الرابح الأول، لأن هذا سيخفض فاتورة الاستيراد عليها".
انتصار للفلاح
في المقابل رحب نقيب عام الفلاحين المصريين، حسين عبد الرحمن أبو صدام، بالسعر الاسترشادي، مشيرا إلى أن وضع السعر لأردب القمح قبل الزراعة انتصار للفلاح.
وأوضح أبو صدام، في تصريحات لـ "إرم الاقتصادية"، أن سعر 1600 جنيه مرضٍ للفلاحين، لأنه سعر استرشادي من الممكن أن يرتفع عند بدء موسم التوريد لكنه لن ينقص.
وأشار نقيب الفلاحين المصريين إلى أن القمح يزرع في مصر خلال شهري نوفمبر وديسمبر، وموسم الحصاد يكون في أبريل من كل عام، مؤكدا أن هذا الموسم يشهد اهتماما غير مسبوق بزراعة الأقماح، من خلال توفير تقاوي معتمدة تكفي زراعة 4 ملايين فدان، ووضع سعر استرشادي عالٍ قبل الزراعة.