أكد تقرير حديث من المنتدى الاقتصادي العالمي أن دمج 1.4 مليار شخص حول العالم ممن لا يتاح لهم الوصول إلى الخدمات المصرفية ضمن النظام المالي يعد من أولويات الأجندة العالمية. ومن المتوقع أن تسهم هذه المبادرة، بشكل كبير، بتعزيز النمو الاقتصادي الكلي، وتمكين المجتمعات غير المخدومة تقليديًا، وخلق بيئة ملائمة لتحقيق ازدهارها.
وأشار التقرير إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي قد جعلت الشمول المالي محوراً أساساً في سياساتها الاقتصادية، وحققت هذه الدول تقدماً ملحوظاً في هذا المجال، حيث يلعب التمويل الأصغر دوراً حاسماً بفضل شروط التسجيل الأقل صرامة، وسهولة الوصول إلى خدماته.
يقدم التمويل الأصغر خدمات مالية أساسية للأفراد والشركات الصغيرة التي تفتقر إلى الوصول إلى المصارف التقليدية، ويشمل ذلك مجموعة متنوعة من الفئات، مثل: رواد الأعمال، الشباب، والطلبة، والمجتمعات ذات الدخل المنخفض. من خلال تقليل الحواجز للوصول، وتوفير خدمات، مثل: القروض، وبطاقات الائتمان، وحسابات التوفير، بالإضافة إلى التدريب على الثقافة المالية، وتحويلات الأموال، ويسهم التمويل الأصغر في تعزيز الرفاهية الاقتصادية.
على المستوى العالمي، حقق هذا القطاع نجاحاً ملحوظاً. فقد قدمت مؤسسة التمويل الأصغر التابعة لبنك «بلباو» (BBVA) – ثاني أكبر بنك في إسبانيا – أكثر من 17 مليار دولار من التمويل، مما ساعد 70% من عملائها الذين يعيشون في فقر على تجاوز خط الفقر خلال 5 سنوات. كما تخطط المؤسسة لتقديم 7.5 مليار دولار إضافية في التمويل بحلول عام 2025.
وأوضح التقرير أن مؤسسات التمويل الأصغر قد استفادت من التطبيقات المحمولة ذات الاستخدام السهل لتعزيز الراحة وسهولة الوصول. كما أسهمت في إزالة الحواجز من خلال تقديم رسوم منخفضة أو حتى مجانية، مما جعل خدماتها متاحة للأفراد الذين تم استبعادهم، سابقاً، بسبب التكاليف المرتفعة. بالإضافة إلى ذلك، تساعد الميزات المالية مثل أدوات الميزانية لتتبع النفقات، والإشعارات الفورية المستخدمين، على اتخاذ قرارات مالية مدروسة.
في دول مجلس التعاون الخليجي، يشير التقرير إلى أن هناك إمكانية كبيرة للاستفادة من هذه الخدمات، إذ تدعم الأفراد الذين يسعون إلى تحقيق الاستقلال المالي، والعمال الذين يرسلون الأموال إلى بلدانهم، والأسر ذات الدخل المنخفض التي تفتقر إلى خيارات التمويل التقليدية.
شهدت دول مجلس التعاون الخليجي تطوراً ملحوظاً في مشهد التمويل الأصغر في السنوات الأخيرة بفضل عدة اتجاهات رئيسة. فقد بلغت نسبة انتشار الإنترنت في المنطقة 98%، في حين تصل نسبة انتشار الهواتف الذكية إلى 96% في الإمارات و97% في البحرين.
تضم المنطقة أيضاً شريحة واسعة من الشباب المتعلمين الذين يفضلون الخدمات المالية الرقمية عبر هواتفهم المحمولة على تجربة الخدمات المصرفية التقليدية التي تتطلب زيارة فروع البنوك. هذا التوجه أدى إلى زيادة ملحوظة في تبني خدمات التمويل الأصغر الرقمية.
إضافة لذلك، عملت المصارف المركزية في المنطقة على تمكين المؤسسات المالية الإسلامية، مما أدى إلى تطوير إطار تنظيمي قوي للتمويل الأصغر الإسلامي.
علاوة على ذلك، دعمت السياسات الحكومية نمو التمويل الأصغر من خلال خلق بيئة ملائمة تتماشى مع جهود تنويع الاقتصاد، وتقليل الاعتماد على النفط. وضعت الهيئات التنظيمية، مثل مصرف البحرين المركزي، سياسات تنظيمية لأنشطة شركات التمويل الأصغر، مما ضمن مستوى متساوياً من المنافسة بين مقدمي الخدمات، وعزز الثقة في السوق بين المستثمرين والمقرضين والمستفيدين.
شهدت دول مجلس التعاون الخليجي ظهور جيل جديد من شركات التمويل الأصغر، التي استفادت من التطورات الأخيرة لتعزيز الإدماج المالي. من بين هذه الشركات، تبرز «بيدي» في البحرين التي تركز على تقديم التمويل الأصغر المتوافق مع الشريعة الإسلامية، و«تمام» في السعودية، و«بدايتي» في الكويت. تقوم هذه الشركات الناشئة بتسهيل الوصول إلى التمويل للمجتمعات التي كانت مستبعدة، سابقاً، من الأنظمة المصرفية التقليدية.
أبرز التقرير أن العديد من الأفراد في المجتمعات المحلية يواجهون تحديات في الوصول إلى الخدمات المصرفية التقليدية، وذلك بسبب عوامل مثل الضمانات المالية المحدودة لتأمين التمويل، ونقص الثقافة المالية حول إدارة الأموال والتخطيط المالي، وأيضاً الأعراف الثقافية التي قد تؤثر على تعامل الأفراد مع المال والخدمات المالية. لذا، من خلال توفير خدمات مالية مثل الائتمان والتوفير والتأمين، يمكن لمؤسسات التمويل الأصغر أن تساعد الأفراد على تجاوز هذه الحواجز، وتعزيز مشاركتهم الاقتصادية، وتحقيق الاستقلال المالي.
في هذا السياق، يسعى «الإبداع للتمويل»، أول بنك تمويل أصغر في البحرين، إلى دعم الأسر ذات الدخل المنخفض، وتعزيز تمكينها الاجتماعي والاقتصادي من خلال تقديم فرص الائتمان الصغير. يعمل البنك كملاذ للإقراض للأسر المحتاجة، بهدف تحسين جودة حياتها العامة، ويركز بشكل خاص على مساعدة النساء والشباب البحرينيين في تحويل أفكارهم إلى مشاريع ناجحة. كما أعلن البنك عن خطط للتوسع الإقليمي، مع إطلاق عمليات جديدة في المنطقة الشرقية من السعودية.
وساهم التمويل الأصغر، بشكل كبير، بتعزيز الإدماج المالي في دول مجلس التعاون الخليجي من خلال تخصيص خدماته للمجموعات غير المخدومة. فقد تمكنت دول، مثل: السعودية، والإمارات، من زيادة معدلات امتلاك الحسابات بشكل ملحوظ، حيث ارتفعت من 46% و60% في العام 2011 إلى 74% و85% في العام 2021 على التوالي.
وفقاً للتقرير، يُعد التمويل الأصغر من أقوى أدوات التمكين، حيث يلبي احتياجات الأفراد المالية مباشرة، مما يتيح لهم الاستفادة من مزايا الاقتصاد الرقمي الحديث. مع نضوج الأسواق الإقليمية وتطور الخدمات المالية الرقمية، سيحظى المزيد من الأشخاص بالأدوات اللازمة لتحقيق الاستقلال الاقتصادي.
ومع ذلك، يشير التقرير إلى وجود تحديات عدة، حيث تحتاج بعض الدول إلى تعزيز البنية التحتية لدعم شركات التقنية المالية الناشئة، وتعزيز الرقمنة في القطاع المالي. كما يجب على مقدمي الخدمات تبني التقنيات الناشئة، مثل: الذكاء الاصطناعي، وبلوكتشين، وتحليل البيانات لتحسين تجربة العملاء، وجذب المزيد من المستخدمين، وتعزيز الانتشار الواسع.
مع دخول دول مجلس التعاون الخليجي مرحلة جديدة من التنوع الاقتصادي، يتيح التمويل الأصغر لهذه المجتمعات أن تكون في قلب هذه العملية التحولية من خلال توسيع نطاق التمويل ليشمل كافة المجموعات.