يعزز المستثمرون الخليجيون حضورهم في جزر المالديف، مع تزايد المؤشرات على متانة الآفاق طويلة الأمد في قطاع السياحة في هذا الأرخبيل، مدفوعةً بارتفاع قياسي في أعداد الزوار، وتوسّع في البنية التحتية، واعتماد حوافز سياسية جديدة.
بحسب تقرير لموقع AGBI، أشار رايان هاتينغ، الرئيس التنفيذي لشركة «أغون كابيتال» (Agon Capital) الاستثمارية الخاصة ومقرها الإمارات، إلى أن ما لا يقل عن 10 شركات خليجية تنشط حالياً في تطوير أصول سياحية داخل الدولة الواقعة في المحيط الهندي. وقال هاتينغ: «من الواضح أن المنطقة تشهد إمكانات كبيرة وطويلة الأمد هنا».
كانت شركة «أغون كابيتال» العائلية العالمية، التي تركز على الاستثمار في الشركات عالية الجودة، أعلنت في مايو الماضي عن خطط لتطوير منتجع فائق الفخامة على «جزيرة فيليفارو» (Villivaru island) الخاصة، بالشراكة مع المطوّر المالديفي محمد علي جناح.
ويراهن المسؤولون في جزر المالديف والمستثمرون الخليجيون على إمكانات الأرخبيل، الذي بقي يُسوّق تقليدياً كوجهة لقضاء شهر عسل فاخر لزوّار شمال أوروبا، في استقطاب شرائح أوسع من السياح.
كما يشكّل التوسّع المرتقب لـ«مطار فيلانا الدولي» (Velana International Airport) في العاصمة ماليه بقيمة مليار دولار محوراً رئيساً في هذه الاستراتيجية، لما سيتيحه من تعزيز للربط الدولي. كما قد يتجه الأرخبيل، الواقع على بُعد 3000 كيلومتر من دبي ويقطنه أكثر من نصف مليون نسمة، إلى استقطاب مالكي منازل العطلات.
سجلت جزر المالديف أكثر من مليوني زائر في عام 2024، بزيادة نسبتها 9% مقارنة بعام 2023، في رقم قياسي جديد، بحسب بيانات رسمية حكومية. وتصدّرت الصين قائمة الدول المصدّرة للسياح بنسبة تقارب 13% من الإجمالي، بزيادة قدرها 41% عن العام السابق، تلتها روسيا والمملكة المتحدة.
عمران فاروق، الرئيس التنفيذي لشركة «سمانا للتطوير العقاري» (Samana Developers) ومقرها دبي قال: «نشهد تدفقاً مستمراً ومتزايداً لأفراد ذوي ثروات عالية يبحثون عن تجارب استثنائية».
وكانت الشركة أطلقت في يناير مشروعاً بقيمة 600 مليون دولار يضم 190 وحدة، بالشراكة مع المصمم اللبناني إيلي صعب، ضمن توجه جديد لإدخال العلامات الفندقية الفاخرة، المعروفة في الإمارات، إلى سوق المالديف. وأضاف فاروق: «هذا يؤدي مباشرة إلى معدلات إشغال مرتفعة وعوائد إيجارية مغرية؛ ما يجعل السوق مربحة للغاية».
رغم التكاليف المرتفعة للبناء والبيئة الحساسة للغاية تجاه تغير المناخ، تواصل المالديف تحقيق عوائد استثمارية تُعد من بين الأعلى عالمياً في قطاع السياحة. ففي «قمة مستقبل الضيافة» التي عُقدت العام الماضي في دبي، قال أمان شاه، المدير التنفيذي في شركة «دبي القابضة» للاستثمارات، إن سعر الليلة الواحدة في الفنادق الفاخرة قد تتجاوز 3000 دولار، وتصل إلى 5000 دولار في المنشآت الفائقة الفخامة. وأضاف: «هذا يعادل ضعف ما يمكن تحقيقه في أي سوق بأميركا الشمالية تقريباً اليوم».
وتدير «جميرا» التابعة لـ«دبي القابضة» حالياً منتجعاً من فئة الخمس نجوم يضم فللاً على «جزيرة أولهاهالي» (Olhahali Island).
يبقى قطاع السياحة ركيزة أساسية في اقتصاد المالديف، إذ يسهم بأكثر من 20% من الناتج المحلي الإجمالي. وتسعى الحكومة إلى تسريع تنمية هذا القطاع عبر «مؤسسة إدارة صناديق المالديف» (MFMC)، التي أُنشئت قبل خمسة أعوام لدعم التنويع الاقتصادي.
وأشار مطورون خليجيون لموقع AGBI إلى أن عقود الإيجار طويلة الأجل التي تصل إلى 99 عاماً، والإجراءات البيروقراطية المبسطة، والحوافز الضريبية للاستثمارات الكبرى، إلى جانب التحسينات المستمرة في البنية التحتية، تشكّل بيئة جاذبة لرؤوس الأموال الأجنبية.
كذلك السلطات تدرس أيضاً إطلاق برنامج إقامة مقابل الاستثمار يستهدف الأثرياء عالمياً. ومع ذلك، تظل مسألة حظر الملكية العقارية الكاملة للأجانب عائقاً أمام تطوير منازل العطلات.
وقال زياد الشعار، الرئيس التنفيذي لشركة «دار غلوبال» (Dar Global)، الذراع الدولية لشركة «دار الأركان» (Dar Al Arkan) السعودية: «التحدي الأساس يتمثل في تجاوز حدود قطاع الضيافة، وسن قوانين تتيح الملكية لمنازل العطلات، لجعل المالديف وجهة سنوية».
وتشهد البلاد أيضاً تحوّلاً في نموذج التنمية السياحية، إذ يجري التوسع في مناطق سياحية متعددة الاستخدام تضم مشاريع متصلة بمجتمعات محلية، من خلال مرافق وخدمات مشتركة، في خروج عن النموذج التقليدي «منتجع واحد لكل جزيرة». ويفتح هذا التوجه الباب لطرح منتجات فندقية ضمن الشريحة المتوسطة التي لم تكن موجودة من قبل.
من بين الشركات التي تتفاعل مع هذا التوجه، «تايم هوتيلز» (Time Hotels) الإماراتية، التي تستعد لافتتاح منشأتين جديدتين في عام 2026 ضمن مشروع «هانكيدي» (Hankede) المتكامل للتنمية السياحية.
قال مجد هماموشي، مدير تطوير الأعمال في الشركة، خلال مشاركته في «قمة مستقبل الضيافة» في أكتوبر الماضي: «نرى هنا فرصة فريدة لبناء مشروع يناسب الجميع».
في المقابل، تتزايد التوقعات بأن تسهم المشاريع المدعومة من الخارج في تحقيق منافع اجتماعية واقتصادية أوسع للمالديفيين. وأكد بن بيزلي-ووكر، الذي يقود شركة الاستشارات «أندارت غلوبال» (Andart Global) في دول الخليج وجزر المالديف، على هذا التحوّل في المناخ الاستثماري، قائلاً: «يجب على جميع المستثمرين أن يطرحوا على أنفسهم سؤالاً: كيف يمكنني أن أُسهم أيضاً في التنمية المحلية؟».
وأضاف في تصريحه لـ AGBI: «هذا البعد لم يكن حاضراً في السابق، لكنه الآن أصبح محورياً».