logo
اقتصاد

«سبتمبر بلا محاصيل».. اقتصاد العراق أمام اختبار الأمن الغذائي

«سبتمبر بلا محاصيل».. اقتصاد العراق أمام اختبار الأمن الغذائي
انخفاض هطول الأمطار أثر سلباً على مستويات المياه، السليمانية، العراق، 23 مايو 2025.المصدر: رويترز
تاريخ النشر:18 أغسطس 2025, 04:00 ص

مع انقضاء موسم صيفي هو الأشد جفافاً منذ عقود، يدخل العراق أعتاب سبتمبر محمّلاً بواحدة من أخطر الأزمات التي عرفها قطاعه الزراعي الحديث. مساحات شاسعة ستبقى بلا زراعة، بعدما بلغت أزمة المياه مستويات حرجة دفعت وزير الموارد المائية، عون ذياب عبدالله، إلى الإعلان صراحة في تصريحات نقلتها صحيفة «الصباح» الحكومية، أن زراعة المحاصيل الصيفية ستتوقف بالكامل خلال الشهر المقبل، في سابقة تنذر بانهيار الزراعة في قلب وادي الرافدين.

هذه الأزمة التي تنبع من تراجع حاد في الواردات المائية من دول الجوار، يقابلها ضعف في الخزين المحلي وتكرار لمواسم الجفاف، لا تهدد فقط لقمة الفلاح، بل تفتح الباب أمام أزمة أوسع تمس الأمن الغذائي الوطني، وفق خبراء تحدثوا لـ«إرم بزنس».

ويحذر هؤلاء الخبراء من أن تهديد المحاصيل الرئيسية كالقمح والأرز سيجبر العراق على الاستيراد بالعملة الصعبة، في ظل تراجع إيرادات النفط، مما يضع الاقتصاد أمام اختبار صعب وعبء مالي جديد في بلد كان يراهن حتى وقت قريب على الاكتفاء الذاتي.

أخبار ذات صلة

اتفاقية بين «الرافدين» العراقي وشركة أميركية لتطوير الخدمات المالية

اتفاقية بين «الرافدين» العراقي وشركة أميركية لتطوير الخدمات المالية

تهديد للاقتصاد

يرى أستاذ الاقتصاد في جامعة البصرة، نبيل المرسومي، في حديث لـ«إرم بزنس» أن شح المياه المتفاقم، إلى جانب انخفاض المخزون في السدود الرئيسية، قد يؤدي إلى توقف زراعة القمح تقريباً في سبتمبر المقبل. ويشير إلى أن القطاع الزراعي، الذي يستهلك أكثر من 75% من موارد المياه في البلاد، يواجه تحديات كبيرة نتيجة سنوات الجفاف المتكررة، مما يزيد من الضغط على الاقتصاد وسوق العمل.

ويرجح المرسومي، أن الخطة الزراعية للموسم المقبل لن تتضمن إطلاق مياه لقطاع الحبوب والأزر تحديداً الذي يستهلك كميات كبيرة منها، لافتاً إلى أن هذا سيحمل تأثيرات سلبية على القطاع الزراعي الذي يشغل نحو 30% من القوى العاملة بالعراق، وسيزيد البطالة بشكل كبير ويضغط على سوق العمل كثير بخلاف ارتفاع الأسعار مع التوجه للاستيراد.

وأشار إلى أن الأمن الغذائي بات مهدداً في العراق وسيزيد الضغط على الاقتصاد لاسيما على مستوى الحبوب العنصر الرئيسي في ذلك الأمن وليس الخضروات والفواكه، موضحاً أن العراق ينتج 5 ملايين طن سنوياً من القمح وسيتحول اكتفاؤه الذاتي عبر العامين الماضيين إلى الاستيراد من الخارج العام المقبل مع توقف الزراعة.

ونبه إلى أن الاستيراد لتأمين الأمن الغذائي في ظل قلة المحاصيل أو عدم زراعته سيستنزف العملة الأجنبية الشحيحة في البلاد، ويؤثر على القدرات المالية للعراق التي تتراجع بسبب تراجع أسعار النفط حالياً.

وبحسب تقديرات صندوق النقد الدولي في يونيو الماضي فإن عائدات النفط مرشحة للتراجع من 99.2 مليار دولار في 2024 إلى 84.2 مليار دولار في 2025 ثم إلى 79.2 مليار في 2026، متأثرة بانخفاض الأسعار التي تراجعت من متوسط عند 80.6 دولار للبرميل في العام الماضي، إلى 65.9 دولار للبرميل في العام الجاري، و62 دولاراً للبرميل في العام المقبل.

ويؤكد المرسومي الحاجة الملحة للإسراع في إنشاء سدود جديدة ومحطات تحلية مياه البحر وترشيد استهلاك المياه لتجاز المخاطر المحدقة بالاقتصاد والأمن الغذائي معا السنوات المقبلة.

تأثيرات مباشرة

وفي حديث لـ«إرم بزنس»، قال الخبير بمعهد الإصلاح الاقتصادي في بغداد علاء الفهد إن «تجدد أزمة المياه مشكلة كبيرة جدا ولها أسباب متعلقة بخلاف الجفاف بتذبذب الإطلاقات المائية من تركيا وإيران وهذا له تأثير مباشر على نشاط القطاع الزراعي الذي لا تكاد له مساهمة تذكر في الاقتصاد».

ولفت إلى «وجود اتفاقات بزيادة التدفقات المائية إلى العراق لكن لم نشهد شيئاً على أرض الواقع»، مؤكداً أن «التصريحات الرسمية بشأن توقف المحاصيل سيكون لها تأثير على الاقتصاد والمواطن».

ويدعو الفهد إلى أن «تكون هناك حلول وبدائل خاصة والعراق يمتلك احتياطياً كبيراً من المياه الجوفية وعليه لا يجب أن نقف مكتوفي الأيدي أمام عقبة المياه وتوفرها في ظل اتجاهات حديثة للري».

ويرى الخبير الاقتصادي منار العبيدي، أيضاً في حديث لـ«إرم بزنس»، أن اقتصاد العراق في ظل ما يثار أمام اختبار حقيقي لاسيما فيما يخص أمنه الغذائي بعد سنوات جفاف مضرة بقطاعه الزراعي، بخلاف تراجعات التدفقات المائية القادمة للبلاد.

أخبار ذات صلة

أزمة الكهرباء في العراق.. رهان على الطاقة الشمسية رغم فخ السوق السوداء

أزمة الكهرباء في العراق.. رهان على الطاقة الشمسية رغم فخ السوق السوداء

أزمة مستمرة

والعراق كان يتلقى في عام 1958 نحو 95 مليار متر مكعب سنوياً، حين كان عدد سكانه 7 ملايين نسمة، بينما تقل الكميات الحالية إلى أقل من النصف، في وقت تجاوز فيه عدد السكان 47 مليوناً، وفق تصريحات سابقة أدلى بها مستشار رئيس الوزراء العراقي، مظهر محمد صالح، لـ«إرم بزنس».

وأكد وزير الموارد المائية العراقي عون ذياب عبدالله، في تصريحاته أوائل الشهر الجاري أن العام 2025 يُعدُّ من أصعب الأعوام التي تمرُّ على العراق من حيث الشحِّ المائي، في ظل الانخفاض المستمر في الواردات المائية القادمة من دول الجوار، التي تتزامن مع استمرار موجات الجفاف التي تضرب المنطقة ككل.

وانخفض الخزين المائي في السدود والخزانات الكبرى، مثل الموصل ودربندخان ودوكان والثرثار وحديثة وحمرين، إلى أقل من ثمانية مليارات متر مكعب، وهو رقم يُعدُّ متدنياً مقارنة بالاحتياجات الزراعية والسكانية في البلاد، وفق الوزير العراقي.

وأشار إلى أن نمط تشغيل السدود في تركيا أدى إلى انخفاض كمية المياه الواردة إلى العراق عبر نهر الفرات إلى النصف مقارنة بالكميات الطبيعية، مضيفاً أن تركيا تقوم أيضاً ببناء سدود على فروع نهري دجلة والفرات لتعظيم استفادتها المائية، وهو ما يؤثر بشكل مباشر في الحصص الواردة للعراق.

وقال إن الإطلاقات المائية من تركيا إلى الحدود السورية حالياً تبلغ نحو 350 متراً مكعباً في الثانية (م3/ثا) إلا أن الكمية التي تصل فعلياً إلى سدِّ حديثة تقل عن 200 م3/ثا، قبل أن يتم تصريفها إلى نهر الفرات داخل العراق، أما بالنسبة لنهر دجلة، فبلغت الإطلاقات التركية نحو 200 م3/ثا.

وأكد المتحدث باسم وزارة الموارد المائية، خالد شمال، لوكالة الأنباء الرسمية بالبلاد الثلاثاء الماضي أن «الزيادات التي وعد بها الجانب التركي، والتي كان من المفترض أن تتجاوز 400 متر مكعب، لم تتحقق سوى مرة أو مرتين فقط، ولم يتم الإيفاء بالوعود المتعلقة بضمان تدفق مستقر بحدود 400 م³ أو أكثر».

وكان مستشار رئيس الوزراء لشؤون المياه، طورهان المفتي ذكر في تصريحات سابقة، عن اتفاق مع الجانب التركي على إطلاقات مائية لمدة شهرين، تشمل شهري يوليو الماضي وأغسطس الجاري بهدف ضمان استمرار الجريان في الأنهار العراقية خلال أشهر الصيف.

ولفت المتحدث باسم وزارة الموارد المائية إلى أنه «لم يتم الاتفاق على تنفيذ خطة زراعية خلال الصيف الحالي، واقتصر الأمر على تأمين مياه السقي والري للمساحات المثمرة والبساتين والحدائق العامة».

كما أكد مدير الموارد المائية في ميسان، علاء فيصل، لوكالة الأنباء العراقية، قبل أسبوع أيضاً أن «الموسم الصيفي الحالي يُعد من أصعب المواسم على الإطلاق، حيث خلت الأراضي من الزراعة الصيفية بسبب تحديد الإطلاقات المائية من قبل وزارة الموارد المائية بناءً على حجم الخزين المائي المتاح»، لافتاً إلى أن «الأولوية في هذا الموسم تركزت على تأمين مياه الشرب، بالإضافة إلى ري البساتين، واعتماد نظام مناوبة للإطلاقات العالية والمنخفضة، حيث يتم ضخ كميات أكبر من المياه يومين في الأسبوع».

logo
اشترك في نشرتنا الإلكترونية
تابعونا على
تحميل تطبيق الهاتف
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC