logo
اقتصاد

سوريا ترفع الأجور 200%.. إنقاذ مرحلي أم وصفة لتضخّم جديد؟

سوريا ترفع الأجور 200%.. إنقاذ مرحلي أم وصفة لتضخّم جديد؟
جانب من أحد أسواق العاصمة السورية دمشق يوم 15 مايو 2025.المصدر: (أ ف ب)
تاريخ النشر:29 يونيو 2025, 03:12 ص

بعد ستة أشهر على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، خلال ديسمبر 2024، تحاول الحكومة الانتقالية بقيادة الرئيس أحمد الشّرع إرسال إشارات تطمين إلى السوريين المنهكين من الفقر والأزمات. ففي الـ21 من يونيو 2025، وقّع الرئيس مرسوماً يقضي بزيادة رواتب موظفي القطاع العام والمتقاعدين بنسبة 200%، ليرتفع الحد الأدنى للأجور من نحو 250 ألف ليرة سورية (25 دولاراً) إلى 750 ألف ليرة (حوالي 75 دولاراً).

هذه الخطوة، التي ترافقت مع إصلاحات داخل الوزارات لإلغاء قرابة 400 ألف موظف وهمي، ينظر إليها كثيرون بوصفها محاولة لتخفيف عبء الفقر الذي ينهش أغلبية السكان، إذ يعيش أكثر من 90% من السوريين تحت خط الفقر بحسب تقديرات الأمم المتحدة، بينما وصل معدل الفقر المدقع إلى نحو 66% مقارنة بـ11% فقط قبل الحرب.

أخبار ذات صلة

أول منحة دولية لسوريا منذ 1986: تفاصيل 146 مليون دولار من البنك الدولي

أول منحة دولية لسوريا منذ 1986: تفاصيل 146 مليون دولار من البنك الدولي

خطوة شعبية أم إصلاح حقيقي؟

تقول مصادر حكومية إن الزيادة جاءت بعد إعادة هيكلة شاملة للمؤسسات الحكومية لمكافحة الفساد وتحسين الكفاءة. ويعتبر إلغاء ما يُعرف بـ«الأسماء الوهمية» خطوة مهمة لخفض الهدر الذي كان سمة أساسية في عهد النظام السابق. كما ترى الحكومة الانتقالية أن هذه الزيادة قد تمنحها شرعية وشعبية أكبر وسط مرحلة سياسية حرجة.

تمويل هذه الزيادات لا يزال يثير تساؤلات كثيرة. فوفقاً لتصريحات وزير المالية محمد برنية، ستسهم قطر بنحو 29 مليون دولار شهرياً لمدة ثلاثة أشهر لتغطية جزء من الرواتب في قطاعات الصحة والتعليم والشؤون الاجتماعية والمعاشات غير العسكرية. كما تعتمد الحكومة على تحرير أصول سورية مجمّدة في الخارج، إلى جانب أملها في جذب استثمارات أجنبية جديدة ودعم دولي تحت إشراف برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

لكن التحدي الأكبر يكمن في غياب قدرة حقيقية على تمويل طويل الأجل، في ظل استمرار العجز المزمن في الموازنة العامة وضعف القطاعات الإنتاجية.

مخاطر زيادة الرواتب بلا إنتاج حقيقي

يحذّر خبراء اقتصاد — بحسب ما ذكرته تقارير لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) — من أن أي زيادة كبيرة في الأجور داخل اقتصاد هش وضعيف الإنتاج قد تتحوّل إلى موجة تضخّم جديدة إذا لم تُرافقها إصلاحات هيكلية حقيقية في القطاعات الإنتاجية والخدمية.

فتضخّم الكتلة النقدية دون زيادة موازية في السلع والخدمات يُفرّغ الزيادة من معناها، وهو ما ظهر بوضوح مع فقدان الليرة السورية نحو ثلثي قيمتها في عام واحد وارتفاع التضخّم الاستهلاكي إلى أكثر من 40% خلال 2024، بحسب (ESCWA).

كما حذّر تقرير (UNDP) من أنّ استمرار هذه الزيادات في ظل فجوة قائمة بين موظفي القطاع العام والعمال في القطاع الخاص قد يرفع أسعار الخدمات الأساسية ويزيد أعباء العائلات، خاصة أن النمو الحالي للاقتصاد السوري لا يتجاوز 1.3% سنوياً؛ ما يعني حاجة البلاد إلى عقود كاملة لاستعادة مستويات ما قبل النزاع إذا لم يتم تحفيز الاستثمار والإنتاج.

أخبار ذات صلة

مصرف سوريا المركزي ينفذ أول تحويل عبر نظام «سويفت» منذ 14 عاماً

مصرف سوريا المركزي ينفذ أول تحويل عبر نظام «سويفت» منذ 14 عاماً

عقبات بنيوية

رغم الطموحات، تبقى البنية التحتية شبه مدمّرة، مع ضعف في الطاقة والصناعات وندرة اليد العاملة الماهرة. وتشير تقديرات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى أن سوريا تحتاج إلى نمو سنوي بنحو 14% لمدة عقود لتعود إلى مستويات ما قبل الحرب، بينما النمو الحالي لا يتجاوز 1.3%.

وتُقدّر كلفة إعادة الإعمار بين 250 و400 مليار دولار، كما أن عدم استقرار سعر صرف الليرة السورية مع انتشار السوق الموازية يزيد صعوبة أي سياسة نقدية مستدامة.

بين الإيجابيات والسلبيات

الإيجابيات: زيادة الرواتب خطوة ضرورية لتخفيف الفقر وتأكيد جديّة الحكومة الانتقالية في محاربة الفساد، خاصة مع إلغاء الأسماء الوهمية. كما أن التعاون الإقليمي، مثل الدعم القطري، يمنح دمشق متنفسًا مالياً ولو مؤقتاً.

السلبيات: مخاطر التضخّم عالية إذا لم يقابل الضخ النقدي نمو حقيقي. كما أن الاعتماد على تمويل خارجي قصير الأمد يُبقي البلاد عرضة لأزمات جديدة، بينما لا تزال البيئة الاستثمارية هشة وغير جاذبة.

في النهاية، قد تُخفّف زيادة الرواتب بنسبة 200% من الضغوط اليومية على ملايين الأسر، لكنها تظل أشبه بـ«إسعاف مالي» مؤقت إذا لم تترافق مع إصلاحات عميقة تُعيد تشغيل عجلة الاقتصاد، وتضمن استقرار الليرة، وتواجه التشوهات البنيوية التي راكمتها سنوات الحرب والفساد.

ورغم التحديات الضخمة، تُظهر الحكومة السورية بوادر لكسر حلقة الجمود، من خلال مكافحة الفساد وإعادة هيكلة القطاع العام. غير أن نجاح هذه الخطوات يظل مرهوناً بإرادة سياسية صلبة وخطة اقتصادية متكاملة تضمن الاستدامة، وتعيد بناء الثقة المفقودة بين الدولة والمجتمع.

logo
اشترك في نشرتنا الإلكترونية
تابعونا على
تحميل تطبيق الهاتف
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC