يلتقي المئات من المسؤولين في منظمة الصحة العالمية، والمانحين، والدبلوماسيين في جنيف اعتبارًا من غدٍ الاثنين، في اجتماع يهيمن عليه سؤال واحد حول كيفية التعامل مع الأزمات، بدءًا من مرض الجدري وحتى الكوليرا، بدون المموّل الرئيسي، الولايات المتحدة.
يستمر الاجتماع السنوي لأسبوع من جلسات المناقشة وعمليات التصويت والقرارات، ويستعرض عادة حجم قدرات المنظمة التابعة للأمم المتحدة، والتي أُقيمت لمواجهة تفشي الأمراض، والموافقة على اللقاحات، ودعم النظم الصحية في جميع أنحاء العالم.
أما هذا العام، فإن الموضوع الرئيسي هو تقليص نطاق المنظمة، نظرًا لأن الرئيس الأميركي دونالد ترامب بدأ عملية تستغرق عاماً لانسحاب الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية، بأمر تنفيذي في أول يوم له في المنصب في يناير 2025.
وقال دانييل ثورنتون، مدير تنسيق تعبئة الموارد في منظمة الصحة العالمية: «هدفنا هو التركيز على العناصر عالية القيمة»، وفق وكالة «رويترز».
سيُجرى النقاش لتحديد هذه «العناصر ذات القيمة العالية».
فيما قال مسؤولو الصحة إن الأولوية ستظل لعمل منظمة الصحة العالمية في تقديم إرشادات للبلدان بشأن اللقاحات والعلاجات الجديدة للحالات المرضية المختلفة، بدءًا من السمنة إلى فيروس نقص المناعة البشرية (HIV).
أشار أحد العروض التقديمية للمنظمة، والذي تمّت مشاركته مع جهات مانحة واطّلعت عليه «رويترز»، إلى أن مهام الموافقة على الأدوية الجديدة ومواجهة تفشي الأمراض ستبقى دون مساس، في حين يمكن إغلاق برامج التدريب والمكاتب في البلدان الأكثر ثراء.
كانت الولايات المتحدة تقدّم نحو 18% من تمويل منظمة الصحة العالمية. وقال دبلوماسي غربي طلب عدم الكشف عن هويته: «علينا أن نتدبر أمورنا بما لدينا».
فيما استعد العاملون بتقليص عدد المديرين وحجم الميزانيات منذ إعلان ترامب في يناير، الذي جاء خلال موجة من الأوامر وتخفيضات المساعدات التي عرقلت سلسلة من الاتفاقيات والمبادرات متعددة الأطراف.
يعني تأجيل الانسحاب، الذي يستمر لمدة عام بموجب القانون الأميركي، أن الولايات المتحدة لا تزال عضواً في المنظمة، وسيظل علمها خارج مقر المنظمة في جنيف حتى تاريخ مغادرتها الرسمي في 21 يناير 2026.
بعد أيام من تصريح ترامب، تسبّب الرئيس الأميركي في حالة من الغموض بقوله إنه قد يفكر في العودة إلى المنظمة إذا «نظّفها» موظفوها.
لكن مبعوثي الصحة العالميين يقولون إنه لم تظهر منذ ذلك الحين أي علامة تُذكر على تغيير رأيه. لذا، فإن منظمة الصحة العالمية تخطط للمضي قدماً مع وجود فجوة في ميزانية هذا العام تبلغ 600 مليون دولار، وتخفيضات بنسبة 21% على مدى العامين المقبلين.
كان ترامب قد اتهم منظمة الصحة العالمية بأنها أساءت التعامل مع جائحة «كوفيد-19»، وهو ما تنفيه المنظمة.
بينما تستعد الولايات المتحدة للخروج من المنظمة، من المقرر أن تصبح الصين أكبر الجهات المانحة للرسوم الحكومية، وهي أحد مصادر التمويل الرئيسية للمنظمة إلى جانب التبرعات.
سترتفع مساهمة الصين من أكثر بقليل من 15 إلى 20% من إجمالي الرسوم الحكومية بموجب إصلاح شامل لنظام التمويل، تم الاتفاق عليه في عام 2022.
قال تشن شو، سفير الصين في جنيف، للصحفيين الشهر الماضي: «علينا أن نتعايش مع المنظمات متعددة الأطراف دون الأميركيين. الحياة ستستمر».
أشار آخرون إلى أن هذا يمكن أن يكون وقتاً مناسباً لإجراء إصلاح شامل أوسع نطاقاً، بدلاً من الاستمرار تحت مظلة تسلسل هرمي للداعمين معاد تشكيله.
تساءل أنيل سوني، الرئيس التنفيذي في «هو فونديشن» – وهي مؤسسة مستقلة لجمع التبرعات للمنظمة – قائلًا: «هل تحتاج المنظمة إلى جميع لجانها؟.. هل تحتاج إلى نشر آلاف المطبوعات كل عام؟»
قال إن التغييرات أدّت إلى إعادة النظر في عمليات الوكالة، منها ما إذا كان ينبغي أن تركز على تفاصيل مثل شراء الوقود أثناء حالات الطوارئ.
كانت هناك حاجة ملحّة للتأكد من عدم انهيار المشاريع الرئيسية خلال أزمة نقص التمويل الراهنة. وقال سوني إن ذلك يعني التوجه إلى الجهات المانحة ذات الاهتمامات الخاصة في تلك المجالات، ومنها شركات الأدوية والمجموعات الخيرية.
أضاف أن «إي.إل.إم.إيه فونديشن»، التي تركز على صحة الأطفال في إفريقيا، ولها مكاتب في الولايات المتحدة وجنوب إفريقيا وأوغندا، تدخّلت مؤخراً بتقديم مليوني دولار للشبكة العالمية لمختبرات الحصبة والحصبة الألمانية، المعروفة باسم «جريملين»، والتي تتضمن أكثر من 700 مختبر تتعقب تهديدات الأمراض المعدية.
تشمل الأعمال الأخرى في منظمة الصحة العالمية المصادقة على اتفاق تاريخي بشأن كيفية التعامل مع الأوبئة في المستقبل، وحشد المزيد من الأموال من الجهات المانحة في جولة استثمارية.
لكن سيبقى التركيز على التمويل في ظل النظام العالمي الجديد. وفي الفترة التي تسبق الحدث، أرسل مدير المنظمة رسالة بريد إلكتروني إلى الموظفين يطلب منهم التطوع، دون أجر إضافي، كمرشدين.