قصة كريدي سويس.. العاصفة التي تجتاح بنوك أوروبا

بنك كريدي سويس
بنك كريدي سويسرويترز

إعادة هيكلة، وتحقيقات، وأزمات طاحنة، وتراجعات قياسية، وخسائر غير مسبوقة، وانهيار محتمل..

لا يدور الحديث عن مؤسسة مالية مغمورة أو كيان صغير، بل نتحدث عن ثاني أكبر بنك سويسري، بنك كريدي سويس، الذي دخل في موجة طاحنة من الأزمات راهن البعض على انتهائها مع تنفيذ عملية إعادة الهيكلة نهاية العام الماضي.

اقرأ أيضًا

ملياردير أميركي: الرأسمالية الأميركية تنهار أمام أعيننا

حظ عثر

أزمة كريدي سويس ليست وليدة اللحظة، حيث بدأت منذ فترة طويلة دفعت البنك لعملية إعادة هيكلة بدأت نهاية العام الماضي..

بيد أن الحظ العثر للبنك ساهم في تأجيج الأزمة، حيث تزامن إفصاح البنك عن وجود اختلالات مالية مع إعلان ثاني أكبر مساهمي البنك وهو البنك الأهلي السعودي عن إحجامه تقديم مزيد من الدعم.

وغلف تلك الأحداث والتداعيات غلاف سميك من المخاوف والإضطرابات التي تعتصر قطاع المصارف بعض انهيار بنكي سيليكون فالي وسيغنتشر.

انهيار محتمل

قال بيتر لوسيف، كبير محللي الأبحاث في آيرون فوركس: "لا يمكن استبعاد احتمال انهيار بنك آخر، مما قد يؤدي إلى إشعال مخاوف السوق".

وأضاف لوسيف: "تأثرت المعنويات في الأسواق العالمية اليوم، بعد أنباء بأن أكبر مساهم في ثاني أكبر بنك أوروبي (كريدي سويس) قال إنه لن يستثمر أي أموال أخرى في الشركة".

وقالت سوزانا ستريتر، رئيسة قسم المال والمسوقين في هارجريفز لانسداون: "لقد اتخذ المسار المصرفي منعطفًا مشؤومًا آخر مع توقف التداول في أسهم البنوك الأوروبية الكبرى".

اقرأ أيضًا

النفط يسقط لأدنى مستوى بـ 16 شهرًا.. بعد بيانات مخزون صادمة

9 مليارات دولار وبيع الأسهم

يحتاج كريدي سويس إلى ما يصل إلى 9 مليارات فرنك سويسري (9 مليارات دولار) كجزء من إعادة التنظيم، وبعضها قد يأتي من المستثمرين والبعض الآخر من بيع الأصول.

ويشير نهج كريدي سويس في زيادة رأس المال إلى أن بيع الأصول وحده قد لا يكون كافياً لتغطية تكاليف الإصلاح الوشيك، الذي يأمل البنك المحاصر في أن يرسم خطاً فاصلًا أمام خسائر فادحة وسلسلة من الفضائح.

وتواجه مجموعة كريدي سويس عجزًا في رأس المال يصل إلى 8 مليارات دولار بحلول عام 2024 وفقًا لتقديرات المحللين في غولدمان ساكس، حيث تحتاج المجموعة إلى إعادة هيكلة عميقة.

وفي وقت سابق كتب محللو بنك غولدمان ساكس بقيادة كريس هالام أن البنك يواجه فجوة قدرها 4 مليارات فرنك، مع التوصية ببيع أسهم البنك.

وقال غولدمان ساكس إن ذلك يأتي نظراً للحاجة إلى إعادة هيكلة العمليات المصرفية الاستثمارية في وقت الحد الأدنى من توليد رأس المال، وهذا يعني أنه سيكون من الحكمة للمقرض زيادة رأس المال.

اقرأ أيضًا..

هبوط تاريخي والقادم أسوأ.. عاصفة كريدي سويس تهوي بأسواق أوروبا

بداية من النهاية

بضع كلمات قالها رئيس مجلس إدارة البنك الأهلي السعودي، عمار الخضيري، اليوم الأربعاء، لتتفاقم خسائر سهم كريدي سويس السوقية ليهبط أدنى مستوى على الإطلاق.

إن البنك لا يستطيع زيادة الاستثمار في كريدي سويس لتداعيات تنظيمية
مجلس إدارة البنك الأهلي السعودي، عمار الخضيري

ليهبط سهم بنك كريدي سويس إلى مستويات قرب الـ 1.65 فرنك خاسرًا ما يقرب من 30% من قيمته وهو أدنى مستوى جديد على الإطلاق للسهم.

جاءت تراجعات السهم بعدما أقر بوجود نقاط ضعف في إعداد التقارير المالية، حيث لم تتبنى الإدارة عملية تقييم فعالة للمخاطر.

بداية القصة

في 27 أكتوبر أعلن "البنك الأهلي السعودي" التزامه بالمشاركة في عملية زيادة رأس المال التي أعلنتها مجموعة كريدي سويس (Credit Suisse Group) .

وقال البنك آنذاك أنه من خلال المساهمة في زيادة رأس المال، التزم باستثمار ما يصل إلى 1.5 مليار فرنك سويسري (ما يعادل 5.7 مليار ريال) في المجموعة ليصبح مساهماً كحد أقصى بما نسبته 9.9% .

ويأتي ذلك من خلال المشاركة في الطرح الخاص لأسهم عادية من قبل مجموعة كريدي سويس (الطرح الخاص).

اقرأ أيضًا..

مشهد نادر: الذهب والدولار يرتفعان معًا.. بيانات هامة ورؤية قاتمة

القرار لم يكن مفاجئ

في 30 أكتوبر الماضي قال الأهلي السعودي ، إنه ليس لديه خطط حالية لزيادة استثماره في مجموعة "كريدي سويس".

وأضاف الأهلي حينها أنه سيتم تقييم أي استثمار مستقبلي من خلال النظر في مزاياه بناءً على التأثير المالي ومعالجة رأس المال وخلق قيمة طويلة الأجل للمساهمين.

وأوضح البنك أن استثماره البالغ 5.7 مليار ريال في مجموعة "كريدي سويس" جاء لدعم برنامج إعادة الهيكلة للمجموعة.

مراجعة النتائج

وأضاف الاهلي في نهاية اكتوبر الماضي أنه سيراجع تنفيذ الاستراتيجية التي صاغتها المجموعة بالنظر إلى نتائجها للربع الثالث من عام 2022 ويقرر أي خطوات مستقبلية في الوقت المناسب.

وبين أن استحقاق هذا الاستثمار سيكون على المدى المتوسط إلى الطويل، مشيرا إلى إدراكه أن الاستثمار سيتضمن بعض مخاطر التنفيذ على المدى القصير.

وقال إن هذا الاستثمار يعتبر استثمارًا ماليًا وسيكون جزءًا من المحفظة الاستثمارية الإجمالية للبنك البالغة 68.7 مليار دولار.

وتوقع البنك الأهلي أن يكون للصفقة تأثير إجمالي محدود يتراوح من 20 إلى 40 نقطة أساس على مدى السنوات الخمس المقبلة، مع احتفاظه باحتياطي كبير فوق متطلبات رأس المال التنظيمية نظرًا لمركزه الرأسمالي القوي.

اقرأ أيضًا

هبوط عنيف للعقود الآجلة.. انهيار محتمل لعملاق أوروبي

استثمار مدروس

وقال البنك الأهلي في هذا التوقيت أن هذا الاستثمار جاء بعد مناقشات أساسية شاملة لإعادة الهيكلة الخاصة بالمجموعة، بالإضافة لدراسة تأثير الاستثمار على البنك وتحليل العائد المتوقع منه.

وأضاف البنك أن هذا الاستثمار سيكون متاحا للبيع في أي مرحلة، مثل جميع استثماراته، وهذا في حال لم ير البنك قيمة مالية أو استراتيجية منه.

وقال البنك إن هذه الحصة تعد حصة مهمة وكافية للاستفادة من الاتجاه التصاعدي للمجموعة، ولا يرى البنك أن هناك حاجة لتجاوزها وهذا بالنظر لأهدافه، ولضمان أن يظل هذا الاستثمار قابلا للتداول، كما أنه لا يطمح أن يصبح شريكا للمجموعة أو أن تكون المجموعة تابعة له.

وقال إن البنك لديه السيولة الكافية لتمويل هذا الاستثمار بالاعتماد على مصادره الداخلية، لكنه سوف ينظر إلى جميع الخيارات المتاحة له، وهذا بطريقة فعالة فيما يخص التكلفة مع الأخذ في الاعتبار أهداف السيولة وإدارة المخاطر.

اقرأ أيضًا

قصة الدولار.. انهيار الليرة وتعويم الجنيه وأزمة العراق

التنفيذ الفعلي

في 11 ديسمبر الماضي أعلن البنك الأهلي السعودي، الانتهاء من الإجراءات المتعلقة بعملية زيادة رأس المال مع مجموعة كريدت سويس، وبذلك يصبح البنك مالكاً لما نسبته 9.88% من أسهم المجموعة بتاريخ 9 ديسمبر 2022.

وقال البنك حينذاك إن تكاليف زيادة رأس المال على البنك بلغت 1.396 مليار فرنك، ما يعادل 5.5 مليار ريال تقريبا.

وأضاف بيان البنك الاهلي السعودي أنذاك أنه سيتم نشر المزيد من الإعلانات عند الحاجة وكما هو مطلوب بموجب اللوائح والأنظمة المعمول بها.

أمر غير مطروح

طلب المساعدة من الحكومة، أمرًا غير مطروح للنقاش داخل المصرف
رئيس مجلس البنك أكسل ليمان

وأكد رئيس مجلس البنك أكسل ليمان قوة ومتانة نسب رأس المال والميزانية العمومية، بعدما أثارت تقارير صحفية مخاوف بشأن الوضع المالي للمقرض.

قال أكسل بي ليمان رئيس مجلس إدارة مجموعة كريدي سويس: "إن هناك مخاوف من انتشار أزمة بنك سيليكون فالي على نطاق العالم".

وأضاف ليمان في افتتاح أعمال النسخة الثانية من مؤتمر القطاع المالي اليوم، إن تلك الأزمة تعطي إشارات تحذيرية لما هو قادم من سنوات.

وقال ليمان: "أن العام الماضي شهد تضخماً كبيراً بمعدلات مختلفة، مبينا أن الذي حدث في معدلات الفائدة يظهر مدى الهشاشة".

وأكد ليمان أن الأزمة كانت بسبب نموذج الأعمال الخاصة بقطاعات معينة وكان هناك عدم تركيز، ولا بد من العمل على تجنب جميع المخاطر.

اقرأ أيضًا

موازنة تركيا تسجل أكبر عجز في تاريخها.. 434% ارتفاعا

إعادة هيكلة

وكان المصرف كشف أكتوبر الماضي مشروعا لعملية إعادة هيكلة ضخمة من أجل إعادة التركيز على أنشطته الأكثر استقرارًا وهي إدارة الثروات وإدارة الأصول وفرع خدمات التجزئة والأعمال للسوق السويسري.

وكان من المتوقع أن يجمع البنك بين أسواق رأس المال وأنشطته الاستشارية في كيان سيصبح مستقلاً ويسمى "سي اس فيرست بوسطن" وهو اسم مصرف استثماري أميركي تم الاستحواذ عليه في 1990.

لدينا خطة واضحة لإنشاء بنك كريدي سويس جديد ونعتزم الاستمرار في تنفيذ تحولنا الاستراتيجي على مدى ثلاث سنوات
المدير الإداري للمجموعة المصرفية أولريش كورنر

وبموجب الخطة، تستبعد المجموعة 9000 موظف من قوتها العاملة البالغ قوامها 52000 فرد، مما يؤدي إلى فصل بنكها الاستثماري في خطوة من شأنها أيضًا إحياء اسم First Boston وتعزيز أعمال إدارة الثروات الخاصة بها.

اقرأ أيضا..

عملة مشفرة تهبط 70%.. بعد حادث سرقة ضخم

سحب قياسي

سحب العملاء مبلغ 111 مليار فرنك سويسري من المجموعة في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الماضي مع وصول ثلثي التدفقات الخارجة في أكتوبر، عندما تعرض البنك لشائعات على وسائل التواصل الاجتماعي حول صحته المالية.

وقال البنك إن أعمال إدارة الثروات شكلت 92.7 مليار فرنك سويسري من التدفقات الخارجة في الربع، متجاوزة 61.9 مليار فرنك سويسري الذي توقعه المحللون، لتنخفض أسهم بنك كريدي سويس بنحو 3 في المائة في التعاملات المبكرة.

في الربع الأخير من عام 2022، أعلن بنك كريدي سويس عن انخفاض بنسبة 33% في الإيرادات، نتيجة انخفاض بنسبة 74% في رسوم الخدمات المصرفية الاستثمارية.

في حين تراجعت إيرادات إدارة الثروات بنسبة 17% وانخفض دخل إدارة الأصول بنسبة 28 %، وفقًا لبيانات البنك.

وأبلغ كل من مديري الثروات السويسريين UBS و Julius Baer عن تدفق أصول إدارة الثروات في نهاية العام الماضي، حيث قام العملاء بتحويل الأموال من حساباتهم في كريدي سويس.

أكمل كريدي سويس زيادة رأس المال على مرحلتين بقيمة 4 مليارات دولار، مما يمنح الرئيس التنفيذي أولريش كورنر الأموال اللازمة للمضي قدمًا في خطة إعادة الهيكلة المعقدة التي تشمل، من بين أشياء أخرى، فصل قسم الاستثمار.

اقرأ أيضا..

بيانات التضخم الأميركي تثير الجدل

سلسلة من القضايا

وافق المقرض السويسري على دفع 495 مليون دولار لتسوية دعوى قضائية بشأن الاستثمارات المرتبطة بالرهن العقاري في الولايات المتحدة.

إضافة إلى المليارات التي كان يدفعها لحل القضايا القانونية المرتبطة بأعمال الأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري السكنية (RMBS) في الفترة التي تسبق الأزمة المالية لعام 2008.

قال كريدي سويس إن قضية نيوجيرسي كانت الأكبر من بين ما تبقى من تعرضها لأعمال RMBS القديمة، مع وجود خمس قضايا متبقية، جميعها أصغر بكثير، لا تزال قيد التقاضي.

في يونيو، أدين كريدي سويس بالفشل في منع غسل الأموال من قبل عصابة بلغارية لتهريب الكوكايين، بينما قضت محكمة برمودا بأن رئيس وزراء جورجي سابق وعائلته مستحقون تعويضات تزيد على نصف مليار دولار من التأمين المحلي على الحياة من ذراع كريدي سويس.

اقرأ أيضا..

بلاك روك: الفيدرالي مجبر على هذه الخطوة

خسائر قياسية

سجل مصرف كريدي سويس السويسري الذي يحاول التعافي من سلسلة من الفضائح المدوية والمكلفة، خسائر صافية بلغت 7.3 مليارات فرنك سويسري (حوالي 7.4 مليارات يورو) في 2022.

وتهد هذه أكبر خسارة يسجلها المصرف منذ الأزمة المالية في 2008، عندما تكبدت ثاني أكبر مؤسسة مصرفية في سويسرا خسارة بلغت أكثر من ثمانية مليارات فرنك.

وفي الربع الأخير من 2022 بلغت خسائر المجموعة حوالي 1.4 مليار فرنك، أي أقل مما كان متوقعا خصوصا بسبب مكاسب عقارية.

ويتوقع البنك خسارة كبيرة نظرا لتكاليف عملية إعادة هيكلة التي يفترض أن تصل إلى حوالي 1.6 مليار فرنك سويسري في 2023 ومليار فرنك سويسري في 2024.

اقرأ أيضا..

هزيمة قاسية بـ 48 ساعة.. الأسهم تخسر 465 مليار دولار

الأكثر قراءة

No stories found.
إرم الاقتصادية
www.erembusiness.com