بينها دولة عربية.. الفائزون الجدد من حرب الطاقة العالمية

 قطاع الطاقة العالمي
قطاع الطاقة العالميشتر ستوك
منذ بدء الحرب بين روسيا وأوكرانيا، يشهد قطاع الطاقة العالمي العديد من التغيرات التي ربما ينتهي بها المطاف بإعادة تشكيل القطاع، وذلك بسبب القيود التي فرضت على النفط الروسي، والتي دفعت شركات الطاقة العالمية والعديد من الدول، إلى البحث عن مصادر أخرى.

ومن الكونغو البحرية إلى أذربيجان، تزدهر أركان قطاع الطاقة، التي لربما كانت خارج خريطة المنافسة قبل التغييرات الحالية، ومع عثور أوروبا على مصادر جديدة للغاز الطبيعي، لتحل محل الإمدادات الروسية، التي كانت تغطي القارة ذات يوم، يؤدي هذا التحول إلى إعادة رسم خريطة الطاقة العالمية بسرعة، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية.

استغلال الحقول الجزائرية

في بئر الرباع بالجزائر، تقوم شركة الطاقة الإيطالية إيني، بالتعاون مع شركات الطاقة الحكومية الجزائرية لحفر عشرات الآبار وإنتاج الغاز، من حقول لم يتم استغلالها في السابق في غضون أشهر.

وتربط ثلاثة خطوط أنابيب تحت البحر الأبيض المتوسط، احتياطيات الغاز الهائلة في الجزائر بأوروبا، وخلال معظم العقد الماضي، أدت أسعار الغاز المنخفضة التي قدمتها شركة الغاز الروسية العملاقة غازبروم، إلى بقاء الموردين الآخرين كالجزائر خارج حسابات السوق الأوروبية.

ولطالما كانت الجزائر حليفاً قوياً لروسيا، في حين قد يشكل تعطش أوروبا المفاجئ للغاز الطبيعي الجزائري تحدياً لهذا العلاقة.

وتعليقاً على ذلك، قال وزير الطاقة الجزائري، محمد عرقاب في مقابلة مؤخراً: "تجمعنا صداقة وعلاقات سياسية جيدة مع روسيا ولكن العمل هو عمل".

وتقع منشأة النفط والغاز التابعة لشركة إيني، في بئر الربع في الصحراء على بعد حوالي 500 ميل جنوب شرق العاصمة الجزائرية الجزائر.

وعززت الحكومة الجزائرية الإجراءات الأمنية في المنشأة، بعد تعرض محطة للنفط والغاز تابعة لشركة بريتش بتروليوم في جنوب شرق الجزائر، لهجمات من قبل متطرفين قبل عشر سنوات.

ووصل أليساندرو تياني المدير الإداري لشركة إيني إلى الجزائر، بعد أسابيع من بدء الحرب، في مهمة لضمان حصول إيطاليا وبالتالي أوروبا بأكملها، على ما يكفي من الغاز لتحمل انقطاع الإمدادات الروسية.

ويقول المسؤولون الجزائريون إن البلاد يمكن أن تصدر هذا العام 100 مليار متر مكعب من الغاز، أي ما يعادل حوالي 65% من حوالي 160 مليار متر مكعب استوردها الاتحاد الأوروبي من روسيا في عام 2021، قبل بدء الحرب.

وقبل سنوات، وقبل ظهور الغاز الروسي الرخيص، كانت الجزائر المورد الأول لإيطاليا، والآن تعود لتحتل المركز الأول مجددا، مما يساعد إيطاليا على استبدال الغاز الذي كانت تحصل عليه من روسيا بشكل شبه كامل، والذي كان يمثل في عام 2021 40% من وارداتها.

وتريد إيطاليا استغلال هذا النجاح في تصدير بعض إمداداتها عبر حدودها الشمالية إلى النمسا وألمانيا ودول مجاورة أخرى، وقامت الحكومة مؤخرًا بتسريع بناء خط أنابيب جديد لنقل الغاز شمالًا.

وتدير شركة سنام، التي تسيطر على شبكة الغاز الإيطالية، التدفقات من مبنى عادي يقع على بعد أميال قليلة جنوب ميلانو، وكان العام الماضي هو المرة الأولى التي ترسل فيها إيطاليا كميات كبيرة من الغاز إلى الخارج، إلى النمسا.

صفقات جديدة

يجري مسؤولو الجزائر مفاوضات لصفقات غاز جديدة مع مشترين في ألمانيا وهولندا ومكان آخر في أوروبا، وتقوم إيني الإيطالية باستثمارات كبيرة في إنتاج الجزائر.

كما تجري الحكومة الجزائرية محادثات مع شركات أميركية كبيرة مثل شيفرون وإكسون موبيل فيما يخص صفقات سننيج للشركات إنتاج الغاز في البلاد للمرة الأولى.

وجهات أخرى

ولم تكن الجزائر هي الوجهة الوحيدة للشركات الأوروبية لسد الفجوة التي خلفتها روسيا، حيث قامت شركة بي بي البريطانية بزيادة إنتاج الغاز في أذربيجان، التي تربطها 2100 ميل من الأنابيب بإيطاليا.

ويقول المسؤولون في أذربيجان إنهم متقدمون في الجدول الزمني للتعهد بمضاعفة توصيلات الغاز إلى أوروبا بحلول عام 2027.

وفي ذات السياق، تقترب إيني من إنتاج الغاز الطبيعي المسال من مرفأ قبالة سواحل الكونغو.

ويعمل التجمع الذي تقوده شركة بريتش بتروليوم في أذربيجان، على تعزيز الإنتاج من مشروع شاه دنيز في البلاد في بحر قزوين، وتعمل الشركات أيضاً على استخراج الغاز المحتجز تحت احتياطيات النفط في حقل ACG، على بعد حوالي 60 ميلاً شرق باكو في بحر قزوين.

وستساعد هذه الإمدادات الجديدة معًا البلاد على الوفاء بالاتفاقية الموقعة العام الماضي لزيادة إمدادات الغاز من 10 مليارات متر مكعب من الغاز، إلى 20 مليارًا بحلول عام 2027.

وفي الكونغو، ظلت شركة إيني تنتج النفط من الحقول البحرية لعقود من الزمن، وتضخ الغاز الطبيعي الفائض إلى خزان تخزين تحت قاع البحر، عندما خرج الاقتصاد العالمي من عمليات الإغلاق الناجمة عن فيروس كورونا، ووضع المسؤولون التنفيذيون خطة لبيع هذا الغاز وإنتاج المزيد باستخدام قارب، يمكنه تسييل الوقود لناقلات الغاز الطبيعي المسال.

إعادة توجيه خريطة تدفق الغاز

تؤثر كل هذه الصفقات والأنشطة الجديدة بإعادة توجيه تدفق الغاز الطبيعي حول العالم، ولطالما تدفق الغاز بالسابق بشكل أساس من روسيا، نحو الجنوب الغربي باتجاه البحر الأبيض الكبير، إلا أن القارة العجوز تستعد الآن لزيادة وارداتها من إفريقيا، حيث يتدفق الغاز شمالاً عبر إيطاليا إلى النمسا وبلدان أخرى، وارتفعت صادرات الغاز الطبيعي المسال عالمياً، إلى مستويات قياسية مرتفعة مدفوعة بزيادة حادة في شحنات الولايات المتحدة إلى أوروبا.

كما تأمل أوروبا أن توفر خريطة تدفقات الغاز الجديدة دعامة طاقة لها خلال السنوات الثلاث المقبلة، وهي الفترة التي تثير قلق المسؤولين والمحللين من أن نقص الإمدادات سيكون أكثر حدة، على أمل في أن تؤدي وجهات الغاز الجديدة إلى خفض الأسعار، التي ارتفعت في أعقاب قطع الإمدادات من خطوط نورد ستريم الرئيسية لتدفق الغاز الروسي بسبب عمليات تخريب في سبتمبر 2022.

كما تأمل أوروبا أيضاً في أن تحل الإمدادات الجديدة، محل بعض مصادر الوقود الأكثر تكلفة الذي اعتمدت عليه أوروبا على مدى أكثر من عام، بما في ذلك الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة وقطر.

تراجع نصيب روسيا

وقبل اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا، كانت روسيا تزود الاتحاد الأوروبي بنحو 45% من وارداته من الغاز، أما الآن فهي تمثل فقط 13%، ويمكن لموسكو الضغط على إمدادات الطاقة لأوروبا من خلال قطع تلك الشحنات، وهو ما قامت به في الأشهر التي سبقت الحرب.

واندلعت الحرب بين روسيا وأوكرانيا، في وقت محفوف بالمخاطر بالنسبة لقطاع الطاقة العالمي، الذي كان يستعيد للتعافي بعد جائحة كوفيد-19، التي قامت خلالها الشركات بتخفيض استثماراتها بسبب انهيار أسعار الغاز الطبيعي والنفط، في حين لم يكن المنتجون مستعدين للارتفاع الحاد في الطلب في أعقاب اضطراب السوق الناجم عن الحرب.

دبلوماسية الطاقة

واتجه المسؤولون والمديرون التنفيذيون الغربيون في حملة مكثفة عنوانها دبلوماسية الطاقة، حيث سافرت رئيسة الوزراء الإيطالية، جيورجيا ميلوني وسلفها ماريو دراجي إلى الجزائر لإبرام صفقات غاز جديدة.

كما قام المستشار الألماني، أولاف شولتز بجولة في الدول الإفريقية التي تمتلك احتياطياً كبيراً من الطاقة في الأشهر التي تلت الحرب. وبالمثل قام الرئيس التنفيذي لشركة إيني الإيطالية، كلاوديو ديكالزي والمشرف على إنتاج الغاز والنفط في الشركة جويدو بروسكو، بجولات عبر القارة بحثاً عن مصادر جديدة للغاز لإيطاليا.

وقال بروسكو: "لقد بدأنا على الفور في التواصل مع جيراننا، وخاصة أولئك الذين لديهم أسرع إمكانية للرد، مثل الجزائر".

وقام لويجي دي ماريو الذي كان وزير خارجية إيطاليا عندما بدأت الحرب، بزيارة أذربيجان لتأمين إمدادات جديدة.

الأكثر قراءة

No stories found.
إرم الاقتصادية
www.erembusiness.com