مع توفر إمكانات كبيرة للطاقة الحرارية الجوفية في السعودية، يبرز تسريع الموافقات التنظيمية كعامل حاسم لدفع عجلة المشاريع، وتعزيز دور هذا المصدر النظيف في مزيج الطاقة المستقبلي للمملكة.
بحسب تقرير نشره موقع AGBI، تتمتع المملكة بإمكانات كبيرة لتحويل الخزانات الجوفية إلى مصدر للتبريد والتدفئة، إلى جانب توليد الكهرباء، إلا أن تأخر التصاريح وغياب الإجراءات التنظيمية المبسطة يعيق تقدم المشاريع في هذا المجال.
يجري العمل حالياً على توظيف الطاقة الحرارية الأرضية من أعماق سطحية تتراوح بين 150 و200 متر لاستخدامها في أنظمة التكييف التجارية والصناعية.
إلا أن توسعة هذا التطبيق على نطاق أوسع تتطلب تسريع إجراءات الموافقة، بحسب ما أفاد به الرئيس التنفيذي لشركة «ستراتافي» (Strataphy) الناشئة عمّار العلي في مجال الطاقة الحرارية الأرضية.
وأشار إلى أن التعاون مع الجهات الحكومية السعودية كان «إيجابياً للغاية»، إلا أن الإجراءات التنظيمية لا تزال معقدة في بعض المواقع.
وقال إن عدد التصاريح المطلوبة يتفاوت بحسب موقع المشروع وعدد الجهات المشرفة عليه.
وأضاف في تصريح لـ(AGBI): «نحن لا نحتاج إلى حوافز أو دعم مالي، بل فقط إلى تسهيل منح التصاريح»، مؤكداً أن اقتصاديات استخدام الطاقة الحرارية الأرضية بشكل مباشر في التبريد باتت منافسة بالفعل مقارنة بالآليات الأخرى.
أما توليد الكهرباء من الموارد الحرارية الأرضية فهو أكثر تعقيداً، ويتطلب الحفر لأعماق تصل إلى 1000 متر. ولا تزال هذه العملية في مراحل الاستكشاف الأولية على طول ساحل البحر الأحمر في المملكة.
وتُعد منطقتا الليث وجازان في الطرف الجنوبي الغربي من المملكة العربية السعودية من أبرز المناطق الواعدة، وفقاً لما أوضحته إسراء أبو محفوظ، الأستاذة المساعدة في «جامعة الملك فهد للبترول والمعادن».
وأفادت أبو محفوظ أن فريقها أجرى تواصلاً مثمراً مع الحكومة والقطاع الخاص، ويعمل حالياً على تأمين الموافقات اللازمة والتمويل لبدء عمليات الحفر التجريبية، ولا سيما في الليث، حيث بلغت الأبحاث مرحلة متقدمة.
ولفتت إلى أن بطء انطلاقة هذا القطاع يعود إلى تركيز البنية التحتية للطاقة وآليات التمويل في المملكة تقليدياً على قطاع النفط، مضيفة: «نحن ننتقل اليوم إلى مجال جديد على الجميع، ولا يوجد حتى الآن أي مشروع تشغيلي فعلي من هذا النوع. هذا سيكون المشروع الأول، ونطمح إلى نجاحه، ولهذا يسير الجميع بحذر شديد، لأن العمل يجب أن يُنفذ بدقة عالية».
وتُعد الطاقة الحرارية الأرضية مصدراً نظيفاً ومتجدداً ودائماً، يقوم على استخراج البخار أو المياه الساخنة من الصخور الحرارية لتدوير التوربينات. إلا أن تطبيق هذه التقنية، سواء على شكل مضخات حرارية بسيطة لأغراض التبريد أو كمحطات كهرباء معقدة، يتطلب استثمارات ضخمة وتقنيات متقدمة.
وتسعى السعودية إلى توليد 50٪ من الكهرباء من مصادر متجددة بحلول عام 2030، وتُعد الطاقة الحرارية الأرضية جزءاً من هذا التوجه. وخلال العقد الماضي، تصدرت دول مثل إندونيسيا وكينيا وتركيا العالم من حيث القدرات الحرارية الأرضية الجديدة، بحسب تقرير صادر عن «مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي» (Carnegie Endowment for International Peace).
وصنف التقرير المملكة من بين الدول ذات «الإمكانات الطويلة الأمد الواعدة» مشيراً إلى أن الصخور الجافة الحارة تتركز أساساً في المناطق الغربية من البلاد، لاسيما قرب جدة والمدينة المنورة وينبع، إضافة إلى موارد إضافية قرب الرياض.
ومع ذلك، لاحظ التقرير أن غياب نظام تنظيمي مخصص أو آليات دعم مالي يحد من تطور هذا القطاع.
وأضاف التقرير: «يشكّل الإنتاج النفطي المرموق للمملكة، وارتفاع الطلب على البيانات، وصناديقها السيادية، عناصر قوة تؤسس لآفاق طويلة الأمد نحو تنويع مصادر الطاقة».
وفي فبراير الماضي، وقّعت شركة «إي دي إف» (EDF) الفرنسية العملاقة في مجال الطاقة مذكرة تفاهم مع شركة «طاقة للطاقة الحرارية الأرضية»، وهي مشروع مشترك بين شركة الحفر التابعة لـ«صندوق الاستثمارات العامة» وشركة «ريكيافيك جيوثرمل» (Reykjavik Geothermal) الآيسلندية، بهدف تطوير هذا النوع من الطاقة في السعودية.
كما دخلت شركة «طاقة» (Taqa) في شراكة عام 2024 مع «جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية» لحفر بئر حرارية أرضية في حرم الجامعة لأغراض البحث والتحليل.
وفي تحديث نُشر على موقعها الإلكتروني نهاية مايو، أوضحت الجامعة أنها «تغوص في عمق البحث العلمي بينما تسعى إلى حشد أصحاب المصلحة الرئيسين لبناء إطار وطني، وتعزيز مشاريع تجريبية، ومعالجة الفجوات التنظيمية»، في إطار جهودها لدعم تطوير واعتماد الطاقة الحرارية الأرضية على نطاق أوسع في المملكة.