تشهد الساحة العالمية تحولاً جديداً في موازين الاستثمار في قطاع الطاقة، مع اتجاه إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب نحو إعادة تشكيل سياسة الطاقة في الولايات المتحدة، وهو ما أحدث حالة من الترقب في أوساط المستثمرين الدوليين، لا سيّما في دول الخليج.
وفي حين تبدو هذه التغييرات مثار قلق مشروع للبعض، يراها آخرون فرصاً استراتيجية قابلة للاستثمار، خاصة في دولة الإمارات.
صادقت إدارة ترامب مؤخراً على قانون موازنة جديد وُصف بأنه مشروع القانون «الكبير والجميل»، وبحسب تقرير نشره موقع AGBI، يعيد هذا القانون توجيه الدعم الفيدرالي نحو مشاريع الطاقة التقليدية والمعادن الحيوية، ويُقيد في الوقت ذاته الحوافز التي كانت مخصصة للطاقة النظيفة خلال إدارة بايدن.
هذا التحول المفاجئ أثار مخاوف بين عدد من المستثمرين الخليجيين الذين ضخوا استثمارات كبرى في القطاع الأميركي للطاقة المتجددة خلال الأعوام الأخيرة.
ومن أبرز المبادرات المعرضة للتأثر، «الشراكة الإماراتية-الأميركية لتسريع الطاقة النظيفة» (PACE)، التي أُطلقت في عام 2022 بهدف تعبئة تمويلات واستثمارات تصل إلى 100 مليار دولار، لنشر 100 غيغاواط من الطاقة النظيفة بحلول 2035.
تعليقاً على الوضع، صرّحت كارين يونغ، الباحثة في مركز سياسة الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا، بأن «الشراكة قد تكون ضمن المتأثرين من إلغاء الدعم الحكومي».
أضافت أن بعض المشاريع المشتركة قد تواجه تحديات متزايدة من حيث الجدوى الاقتصادية بعد سحب أو تقليص الدعم الفيدرالي.
رغم التحديات، لا تشير المعطيات إلى نية خليجية للانسحاب من السوق الأميركي. بل على العكس، يرى عدد من المراقبين أن هذه التغيرات قد تدفع باتجاه إعادة ترتيب الأولويات وتنويع المحافظ الاستثمارية.
في هذا السياق، قالت راشيل زيمبا، مؤسسة شركة Ziemba Insights الاستشارية، إن «هذه التغييرات قد تدفع مستثمري الخليج إلى التحوّط بشأن ضخّ أموال جديدة في مشاريع الطاقة النظيفة بالولايات المتحدة»، لكنها أضافت: «من المرجّح أن يعيدوا توجيه اهتمامهم نحو قطاعات مثل الغاز الطبيعي والطاقة النووية، وربما الهيدروجين».
هذا الاتجاه يتماشى مع السياسة الإماراتية القائمة على تنويع الاستثمارات في الطاقة، حيث لا تقتصر الجهود على الطاقة الشمسية والرياح، بل تمتد إلى مجالات ناشئة مثل الهيدروجين الأخضر، والطاقة النووية السلمية، وتقنيات التقاط الكربون.
في ظل تراجع الحوافز الحكومية الأميركية، يرى القطاع الخاص الإماراتي فرصاً جديدة لسد الفجوة التمويلية. ماجد السويدي، الرئيس التنفيذي لشركة «ألتيرا» (Altérra)، أكبر منصة استثمارية خاصة في العالم مخصصة للمناخ، صرّح خلال مؤتمر في أبوظبي في مايو الماضي بأن شركته «مستعدة لسدّ الفجوة» التي خلّفها تراجع الدعم الأميركي، مضيفاً أن القطاع الخاص يملك اليوم الأدوات والخبرة لتقديم بدائل تمويلية مجدية.
هذه الديناميكية تعكس نضج السوق الإماراتي، وقدرته على التحرك بمرونة وسط التغيرات السياسية الدولية. كما أنها تؤكد على أن السياسة المناخية الإماراتية ليست رهينة لأي طرف دولي، بل جزء من استراتيجية استثمار طويلة المدى مدفوعة برؤية اقتصادية وطنية.
إلى جانب التحديات، فتحت التعديلات الأميركية الجديدة باباً واسعاً أمام الاستثمار في سلاسل إمداد المعادن الحيوية، والتي تشكل عنصراً حاسماً في تصنيع تقنيات الطاقة والتكنولوجيا. وقد وقّع ترامب في 30 يونيو أمراً تنفيذياً يهدف إلى تبسيط إجراءات تمويل هذه المشاريع.
واعتبرت زيمبا أن هذا الأمر يمثل «فرصة محتملة مفيدة للطرفين، مستثمري مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة»، لكنها شددت على أن التفاصيل النهائية لآليات الدعم لا تزال بحاجة إلى توضيح قبل اتخاذ قرارات استثمارية رئيسة.
في قراءة واقعية للمشهد، قال كريستيان كوتس أولريشن، الزميل في «معهد بيكر للسياسة العامة» بجامعة رايس، إن الأثر النهائي لهذه التغييرات «سيتوقف على كيفية تنفيذها».
أوضح أن السياسة الجديدة قد تفسح المجال أمام استيعاب جزء من الاستثمارات الخليجية الموعودة، خاصة تلك التي تم التعهد بها خلال زيارة ترامب إلى المنطقة في مايو، أو قد تعزز نهج «أميركا أولاً» الذي يمنح الأفضلية للشركات الأميركية.
ومع ذلك، تبقى الإمارات في موقع متقدّم للاستفادة من هذا التحول، بفضل خبرتها في الاستثمار الدولي، وشبكتها العالمية في مجالات الطاقة والتكنولوجيا، إضافة إلى التزامها بالتحول المستدام كخيار استراتيجي، وليس ظرفياً.