مع تسارع وتيرة المشروعات بالمغرب أملاً في انتعاشة قد تكون غير مسبوقة مع استضافة مونديال 2030، تعطي مؤشرات النمو في البلاد إنذارات مبكرة بشأن التحديات المحتملة مع توقعات بأن تسجل هذا العام 3.9% وفق تقديرات لصندوق النقد الدولي أقل من أخرى طموحة للحكومة بنسبة 4.6%.
ويرى خبراء اقتصاد مغاربة، في أحاديث لـ«إرم بزنس»، أن ذلك التراجع المحتمل بمؤشرات النمو، لأسباب مرتبطة بمناخ عالمي موسوم بعدم اليقين، واستمرار الجفاف بالبلاد للعام السابع، قد يكون أيضاً تحفيزاً للاقتصاد المغربي على استمرار الصمود حال تم تدعيمه بإصلاحات ومزيد من الفرص الاستثمارية ومشاريع في قطاعات عديدة وتواصل ثقة المؤسسات الدولية فيه، رغم التحديات ولا سيما بالقطاع الفلاحي وارتفاع البطالة.
أستاذ قانون الأعمال والاقتصاد في جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، والمستشار الوزاري المغربي السابق، بدر الزاهر الأزرق، في حديث لـ«إرم بزنس»، يرى أنه «رغم التحديات المتلاحقة التي واجهت الاقتصاد المغربي خلال السنوات الأخيرة، وعلى رأسها تداعيات الجفاف المتكرر وزلزال 2023، يُظهر الاقتصاد الوطني مؤشرات صمود ملحوظة، مدعوماً بإصلاحات بنيوية وثقة متزايدة من المؤسسات المالية الدولية».
وتوقع صندوق النقد الدولي، قبل أيام أن يسجل المغرب نمواً اقتصادياً يبلغ 3.9% خلال العام الجاري، وهو رقم يبقى دون تقديرات الحكومة التي تطمح إلى بلوغ 4.6%، التي تحدثت عنها وزيرة المالية نادية فتاح العلوي بتصريحات فبراير الماضي، لكنه بحسب «الأرزق» يعكس في الوقت ذاته «قدرة المملكة على المحافظة على دينامية إيجابية وسط مناخ دولي موسوم بعدم اليقين».
ويفسر رئيس المركز الإفريقي للدراسات الإستراتيجية والرقمنة، الخبير الاقتصادي رشيد الساري، في حديث لـ«إرم بزنس» هذا التراجع، موضحاً أن تقديرات الصندوق النقد القريبة للواقع خالفت أرقام الحكومة التي كانت تبنى على توقعات لديها بوجود محصول زراعي متميز وموسم فلاحي متميز سيسفران عن قيمة مضافة فلاحية تصل إلى 11% لكن في ظل الجفاف المستمر، والذي له تأثيرات ربما يتوقع أن تصل القيمة إلى 5% وهذا يفسر بشكل كبير هذا التباين، ويؤثر في مؤشرات النمو.
لكن عززت تقارير وكالات التصنيف الائتماني، كـ«موديز» و«فيتش»، مؤخراً من «الثقة بقدرة المغرب على الوفاء بالتزاماته المالية، بفضل تحسن مؤشراته الكلية وخروجه من اللائحة الرمادية لمجموعة العمل المالي (في 2023 بعد استجابته للمعايير الدولية لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب بعد عامين من الإدراج)؛ ما فتح الباب أمام المملكة للحصول على خطوط تمويل دولية بشروط تفضيلية»، يضيف الخبير الاقتصادي بدر الزاهر الأزرق.
وفي مارس الماضي، أعلنت «موديز» حفاظ المغرب على تصنيفه الائتماني عند مستوى Ba1 مستقر مع تحسن متوقع حال تمكنت المملكة من تسريع النمو غير الفلاحي وتقليص الفجوات الاجتماعية وتجاوز تحديات بانخفاض مستويات الدخل والمخاطر التي تواجه القطاعين العام والمصرف، والتبعية للظروف المناخية.
كما توقعت «فيتش» قبل نحو أسبوعين نمواً بنسبة 4.8% للاقتصاد المغربي عام 2025، في «معدل يعد الأعلى منذ سنة 2021، ويعكس تسارعاً ملحوظاً مقارنة بالنمو المسجل سنة 2024، والذي خفض بدوره من 3.3% إلى 3.2%»، مرجحاً أن «يشهد الاقتصاد الوطني مزيداً من الانتعاش في سنة 2026، مع تسجيل نمو يقدر بـ5.5%، مستفيداً من تحسن تدريجي في الإنتاج الزراعي وتعافي الطلب المحلي».
وأوائل أبريل الجاري، قال صندوق النقد الدولي في بيان إنه وافق على اتفاق جديد لمدة عامين ضمن خط الائتمان المرن بقيمة 4.5 مليار دولار للمغرب، لافتاً إلى أن تلك الموافقة في «ظل بيئة من عدم اليقين الشديد، سيوفر تأميناً ضد مخاطر التراجع».
وقبلها أتاح صندوق النقد في الـ19 من مارس الماضي للمغرب سحب 496 مليون دولار بموجب آلية المرونة والاستدامة التي أقرت في سبتمبر 2023 لمواجهة تحديات منها تغير المناخ، ليصل ما صرف وفق هذه الآلية إلى 1.24 مليار دولار، مؤكدا أن «الاقتصاد المغربي أظهر قدرةً ملحوظةً على الصمود رغم صدمات متتالية، بينها الجفاف، والزلزال المدمر في 2023، وتداعيات الجائحة، والحرب في أوكرانيا».
وكشفت وزيرة الاقتصاد والمالية المغربية نادية فتاح العلوي، في تصريحات سابقة فبراير الماضي أن الحكومة تتوقع نمو الاقتصاد 4.6% في عام 2025، لافتة إلى أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى المغرب شهدت ارتفاعاً بنسبة 25% لتصل إلى نحو 4.8 مليار دولار خلال عام 2024.
وأعربت العلوي عن توقعها بمزيد من الارتفاع في الاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال السنوات القادمة، مشيرة إلى أن جميع القطاعات الاقتصادية في المغرب شهدت نمواً ملحوظاً خلال عام 2024، بما في ذلك السياحة والصناعة والخدمات والفوسفات.
وكان بنك المغرب المركزي خفض سعر الفائدة الرئيس 25 نقطة أساس إلى 2.25% في آخر اجتماع له في مارس وذلك للمرة الثانية، بهدف تعزيز دعمه للنشاط الاقتصادي والتشغيل.
وليس فقط تلك المؤشرات والدعم الدولي فقط الذي يمكن أن يحفز الاقتصاد، ولكن بحسب الأرزق، فإن «السندات السيادية التي طرحتها الرباط لاقت إقبالاً كبيراً من المستثمرين الدوليين، وهو ما يعكس مستوى الثقة المتنامية في الاقتصاد الوطني، خصوصاً أن جزءاً كبيراً من هذه التمويلات يوجَّه نحو مشاريع استثمارية كبرى في قطاعات الطاقات المتجددة، النقل، الأشغال العمومية، والبنى التحتية».
وقام المغرب في مارس الماضي بحسب تقارير إخبارية، بتفويض 4 بنوك استثمارية من أجل بيع محتمل لسندات جرى تقييمها بالعملة الأجنبية، لتكون أول مشاركة للمغرب في أسواق الدين الدولية منذ عام 2023 والتي حققت وقتها 2.5 مليار دولار.
وإلى جانب هذه المؤشرات المالية وتلك السندات السيادية، ينتظر أن «يستفيد المغرب من زخم استثنائي خلال السنوات المقبلة، تزامناً مع استعداده لاحتضان عدد من التظاهرات الرياضية الدولية الكبرى، وفي مقدمتها كأس إفريقيا للأمم 2025 وكأس العالم 2030، وهو ما سيسهم في تنشيط السياحة والخدمات، وخلق آلاف فرص الشغل» وفق الأرزق.
وقبل أيام أطلق المغرب مشروعاً لتطوير شبكة السكك الحديدية بالبلاد بقيمة 96 مليار درهم (10.3 مليار دولار) تشمل بناء خط فائق السرعة يربط بين القنيطرة ومراكش، مدفوعاً باستعداده لاستضافة نهائيات كأس العالم لكرة القدم 2030 بالاشتراك مع إسبانيا والبرتغال، بحسب وكالة الأنباء المغربية الرسمية.
ويضاف لهذا فرص منتظرة للمغرب، بحسب ما يرى الخبير الاقتصادي رشيد الساري، في قطاعات الصناعات والخدمات والسيارات والسياحة، متوقعاً أن تحقق طفرة ومعدلات نمو أفضل بشكل يجعل الرباط قادرة على الصمود، وربما الانتعاش حسب التطورات.
لكن، ورغم هذه «الآفاق الإيجابية، فلا يزال الاقتصاد الوطني يواجه تحديات حقيقية، أبرزها تأثر القطاع الفلاحي بالتغيرات المناخية، وتفاوت التنمية المجالية، واستمرار نسب بطالة مرتفعة لدى الشباب»، وفق أستاذ قانون الأعمال والاقتصاد، بدر الزاهر الأزرق.
وهو ما يؤكده أيضاً الخبير الاقتصاد رشيد الساري، مشيراً إلى أن التحديات في المغرب ترتبط بشكل كبير بالجفاف الذي أصبح مشكلة كبيرة تؤثر في معدل النمو ونسبة التشغيل بالمغرب.
وبلغة الأرقام يوضح الساري، أن معدل البطالة بسبب تلك التحديات وصل لمستويات كبيرة تجاوزت 13% متأثراً باستمرار الجفاف الذي يضرب القطاع الفلاحي، لافتاً إلى أننا كنا نتحدث في 2018 عن نسبة تشغيل بهذا القطاع تسجل نسبة 40% واليوم نتحدث لما يقارب 27.8%.
ولمواجهة تلك التحديات «تتطلب الطموحات التنموية الكبرى تسريع وتيرة الإصلاحات، خصوصاً في مجالات التعليم، التكوين المهني، والمقاولات الصغرى»، بحسب الأرزق، لافتا إلى أنه «في ظل هذه المعطيات، يبدو أن المغرب بصدد ترسيخ موقعه كفاعل اقتصادي صاعد على المستويين الإقليمي والدولي، بشرط مواصلة الإصلاح، وضمان حوكمة جيدة للاستثمار العمومي، وتحقيق عدالة اجتماعية ومجالية تواكب هذا الإقلاع المنتظر».