logo
اقتصاد

تغير المناخ.. هل يعرقل طموحات العراق الاقتصادية؟

تغير المناخ.. هل يعرقل طموحات العراق الاقتصادية؟
يمرون عبر أحد الأسواق وسط العاصمة العراقية بغداد يوم 10 سبتمبر 2024.المصدر: أ ف ب
تاريخ النشر:27 مايو 2025, 04:01 ص

في وقت يتسابق فيه العالم للبحث عن حلول لأزمة المناخ، يجد العراق نفسه في قلب العاصفة، فالبلد الذي يعتمد بشدة على النفط، يحاول اليوم أن يخطو نحو تنويع مصادر دخله، إلا أن التحديات المناخية تقف كحائط صد أمام هذه الطموحات.

وتصف الأمم المتحدة العراق بأنه «خامس أكثر دولة معرضة للتدهور المناخي» كونه يعتمد نحو 90% من إيرادات اقتصاده على النفط، وبمقابل خططه لتنويع موارد البلاد مخاطر تتسع جراء تواصل أزمات شح المياه والتصحر وتكرار العواصف.

أخبار ذات صلة

رويترز: العراق يقاضي إقليم كردستان بسبب صفقات نفطية مع شركات أميركية

رويترز: العراق يقاضي إقليم كردستان بسبب صفقات نفطية مع شركات أميركية

وفي حديث لـ«إرم بزنس»، لا ينكر مستشار رئيس الوزراء العراقي للشؤون المالية، مظهر علي صالح، ذلك الخطر المحتمل، ويؤكد أن بلاده تتحرك بالفعل في مسارات عديدة لمواجهة التهديدات المناخية عبر استراتيجية وطنية، مشدداً على أن «تلك الخطة مرتبطة مباشرة بتنويع مصادر الدخل في الاقتصاد الوطني بشكل متسارع».

ويطالب خبير مالي واقتصادي عراقي في حديث لـ«إرم بزنس»، بتسريع تنفيذ الخطط خاصة والتغيرات المناخية الحاصلة اليوم تدق ناقوس خطر لما هو يحمله المستقبل، مشدداً أن أي خطط تنوع في سلة الإيرادات مهددة بالتغيرات المناخية التي لن تنجح أي خطط في مواجهتها حال استمر الاعتماد على النفط».

تقرير حديث لمؤسسة كارنيغي الدولية، ناقش تلك الأزمة وأفاد بأن «العراق يسوده مناخ جاف في 70% من أراضيه؛ ما جعله مؤخراً عرضة لظروف جوية قاسية، بما في ذلك الجفاف والعواصف الترابية والعواصف الرملية وموجات الحر»، متوقعاً أن «تتفاقم هذه الظروف مع ارتفاع درجات الحرارة بين 1.9 و3.2 درجة مئوية) وانخفاض معدل هطول الأمطار السنوي بنسبة 9% في عام 2050؛ ما سيُعرّض العراق لتدهور بيئي متسارع، ويعيق قدرته على التقدم نحو التنمية المستدامة فضلاً عن جعله عرضة لمخاطر اقتصادية إضافية مع فقدان النفط مكانته».

كما سَجَّلَ برنامج المنظمة الدولية للهجرة لتتبع حالات الطوارئ المناخية في العراق نزوح أكثر 130 ألف شخص بين الأعوام 2016 وسبتمبر 2023 بسبب الآثار السلبية لتغير المناخ.

وسجل مخزون المياه في العراق أدنى مستوياته منذ 80 عاماً بسبب موسم الأمطار الضعيف للغاية وانخفاض تدفق نهري دجلة والفرات، وفق ما أفاد المسؤول في وزارة الموارد المائية خالد شمال لوكالة فرانس برس، الأحد، موضحاً أنه «في بداية موسم الصيف من المفترض أن يكون لدينا ما لا يقل عن 18 مليار متر مكعب، أما الآن فنحن لدينا حوالي 10 مليارات متر مكعب».

أخبار ذات صلة

العراق... تشغيل محطتي البصرة والنجف الكهروضوئيتين خلال سنتين

العراق... تشغيل محطتي البصرة والنجف الكهروضوئيتين خلال سنتين

أزمة التنوع

وينبه تقرير مؤسسة كارنيغي الدولية الصادر منتصف مايو الجاري إلى أن «اعتماد البلاد المفرط على النفط كمحرك اقتصادي رئيس، بالإضافة إلى مَواطن الضعف الناجمة عن تغير المناخ مثل ندرة المياه وتصحر الأراضي، يضع العراق في منعطف حرج»، مؤكداً أن «نقص القطاعات التنافسية، باستثناء قطاع النفط، يشكل عقبة أمام انتقال البلاد إلى اقتصاد متنوع الذي يعد أمراً أساسياً لمواجهة تغير المناخ».

ولتعزيز هذا التنوع، يحث التقرير الدولي، العراق على أولوية تعزيز دور القطاع الخاص في دعم الطاقة المتجددة والتقنيات المبتكرة، وزيادة الالتزام المالي وتعزيز القدرات المؤسسية، والاستثمار المالي في المرونة المناخية، وضخ استثمارات في البنية التحتية التي تستجيب لمتطلبات المناخ؛ وأنظمة وسياسات عادلة لإدارة الأراضي والمياه؛ وتوفير فرص مستدامة ومتنوعة لسبل العيش؛ بالإضافة إلى أنظمة الإنذار المبكر والتأهب للكوارث».

وعدّل صندوق النقد في أبريل الماضي توقعاته للاقتصاد العراقي من نمو 4.1% في 2025 إلى انكماش 1.5% بالعام ذاته، على أن يعود للنمو في 2026 بمعدل 1.4% لأسباب بينها تراجع أسعار النفط، الذي يصل سعره 65 دولاراً ويتوقع انخفاضه مجدداً إلى 62.4 دولار للبرميل في 2026، رغم أن بغداد بحاجة لأرقام أكبر لتغطية الإنفاق الحكومي في 2025.

جهود حكومية

وفي سبتمبر 2024، أطلقت الحكومة استراتيجية وطنية جديدة لحماية البيئة وتحسينها في العراق. وتعهدت كذلك بالتوقف عن حرق الغاز أثناء استخراج النفط بحلول عام 2027.

وتستهدف استراتيجية العراق للمناخ خفض انبعاثاته الاعتيادية بنسبة 15%، بشرط تلقي 100 مليار دولار من التبرعات الدولية، إلى جانب هدف خفض غير مشروط بنسبة 1-2% بحلول عام 2035. كما حددت المساهمات الوطنية المحددة هدفاً محدداً لقطاع الكهرباء للوصول إلى 12 غيغاواط من الطاقة المتجددة بحلول عام 2030 من خلال زيادة استخدام الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الكهرومائية؛ وإصدار قوانين البناء الخضراء والذكية؛ وتطبيق تقنيات منخفضة الكربون الملوثة في قطاعي الطاقة والنقل، وفق ما أشار له تقرير مؤسسة كارنيغي الدولية.

وفي الـ15 من مايو الجاري أعلن وزير البيئة العراقي، هه لو العسكري، موافقة صندوق المناخ الأخضر، التابع للأمم المتحدة، على البرنامج العراقي للتمويل المناخي، الذي تبلغ تكلفته الإجمالية 1.3 مليار دولار، وفق وكالة الأنباء العراقية.

مسارات للمواجهة

ويؤكد مستشار رئيس الوزراء العراقي للشؤون المالية، مظهر علي صالح في حديث لـ«إرم بزنس»، الواقع الذي يتمثل في نقص المياه من بلدان المنبع بموجب المعاهدات الدولية، وزيادة مستويات التصحر ونقص المناطق الخضراء وما تسببه من مشكلات اقتصادية في الهجرة من الأرياف إلى المدن وفقدان أراض زراعية ربما تزيد على ٦ ملايين دونم خلال العقدين الأخيرين من هذا القرن، لافتاً إلى أن العراق بعد أن كان يحصل على أكثر من 90 مليار متر مكعب من المياه العذبة هبطت هذه النسبة بالمتوسط إلى 30 مليار متر مكعب سنوياً، مع تزايد سكاني ونمو بنحو مليون نسمة في العام الواحد.

ووفق حديث مستشار رئيس الوزراء العراقي لـ«إرم بزنس»، فإن الحكومة العراقية بدأت بالفعل بالتحرك في تنفيذ استراتيجية وطنية واضحة لمواجهة التغيرات المناخية، بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

خاصة بعد أن أصبحت التداعيات المناخية تشكل تهديداً مباشراً للأمن البيئي والاقتصادي والاجتماعي في البلاد وحرق الغاز المصاحب لإنتاج النفط سينتهي كلية في غضون العامين القادمين.

وتهدف الاستراتيجية أيضاً بحسب صالح إلى «دعم المبادرة الوطنية لزراعة 5 ملايين شجرة ونخلة، وتنفيذ مشاريع شمسية ورياحية بالشراكة مع شركات عالمية، وتحفيز التحول الأخضر وبرامج حماية المياه والموارد الطبيعية، مع السير في تحديث البنية التحتية لشبكات الري وتقليل الفاقد المائي واعتماد تقنيات ذكية للزراعة».

ويرى المسؤول العراقي أن «استراتيجية تنويع مواجهة تداعيات المناخ ترتبط مباشرة بتنويع مصادر الدخل في الاقتصاد الوطني بشكل متسارع وفق خطة التنمية الوطنية 2024-2028».

تحديات وفرص

كذلك يقر الخبير المالي في معهد الإصلاح الاقتصادي ببغداد علاء الفهد، في حديث لـ«إرم بزنس»، أن الواقع الذي يتضرر مناخياً أثر في الاقتصاد الذي يعتمد على النفط بدرجة كبيرة وهذا يجعله تحت ضغط تقلبات الأسعار العالمية وتأثيرها في تمويل الموازنة، وكذلك يضع فرص التنوع الاقتصادي تحت ضغط وتهديدات، مشدداً على أن خطط التنوع في سلة الإيرادات مهددة بالتغيرات المناخية التي لن تنجح أي خطط في مواجهتها حال استمر الاعتماد على النفط».

ويرى الفهد أن «تنوع سلة الإيرادات والاقتصاد بالتوجه نحو الاقتصاد المعرفي والنظيف عن طريق استخدام الطاقة الشمسية كبديل لتوفير الطاقة الكهربائية وتنشيط قطاع السياحة بشقيها الديني والطبيعي والصناعة وإكمال مشروع طريقة التنمية سينقذ الاقتصاد ويبعده عن مخاطر النفط وكذلك تهديدات المناخ».

ورغم أنه يعتقد أن العراق غير مهيأ حالياً لمواجهة صدمات مناخية كبيرة إلا أنه يرى أن الحكومة أخذت خطوات للأمام في المواجهة سواء بالانضمام للبرامج الأممية أو جعل قضية المناخ بنداً رئيساً في القمة العربية التي عقدت هذا الشهر ببغداد أو بخطة تحسين الواقع المناخ وبدء زراعة النخيل والمساحات الخضراء والتوجه لبناء المدن الذكية، أو بالبحث عن تنمية مخزون المياه الجوفية وزيادة الاستثمارات.

لكنه يطالب بتسريع الخطوات ووضع بدائل وخطط بديلة تنموية لمجابهة التصحر ونقص المياه، خاصة والتغيرات المناخية الحاصلة اليوم ربما تدق ناقوس خطر لما يحمل المستقبل من تهديدات أشد، معتقداً أن العراق قادر على المواجهة خاصة وهو نجح في تجاوز أزمات سياسية وحروب وكذلك سينحج بالتخطيط الجيد في تنوع اقتصاده ومكافحة تداعيات أي صدمة مناخية كبيرة محتملة.

logo
اشترك في نشرتنا الإلكترونية
تابعونا على
تحميل تطبيق الهاتف
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC