يُعد سوق العملات الأجنبية «الفوركس» أكبر الأسواق المالية في العالم من حيث حجم التداول، إذ يتجاوز حجم التداول اليومي فيه 7 تريليونات دولار وفقاً لبنك التسويات الدولية (BIS)، مما يجعله أضخم من جميع أسواق الأسهم والسندات مجتمعة.
ومع هذا الحجم الهائل، يتزايد إقبال الأفراد على التداول، مدفوعين بآمال تحقيق أرباح سريعة، إلا أن الواقع غالباً ما يكون مختلفًا.
تشير تقارير عدد من الهيئات الرقابية الأوروبية مثل هيئة الأوراق المالية والأسواق الأوروبية (ESMA)، وهيئة الرقابة المالية في فرنسا (AMF)، إلى أن ما بين 70% و90% من المتداولين الأفراد في الفوركس يخسرون أموالهم. وتُظهر البيانات أن نحو 80% من العملاء يخسرون عند التداول بالعقود مقابل الفروقات (CFDs)، وهي أدوات مالية تشمل تداول العملات الأجنبية.
وتفيد هذه الجهات بأن معظم المتداولين يتعرضون للخسائر في أول سنة من التداول، وأن عدداً كبيراً منهم يخرج نهائياً من السوق بعد فقدان جزء كبير من رأسماله.
رغم صعوبة الوصول إلى بيانات موحدة على مستوى العالم، فإن التقديرات تشير إلى أن إجمالي الخسائر السنوية للمتداولين الأفراد في سوق الفوركس قد تتجاوز 100 مليار دولار أميركي.
تأتي هذه التقديرات اعتمادًا على:
عدد الحسابات النشطة عالميًا (عشرات الملايين).
معدل الخسائر لكل حساب، الذي يتراوح بين 2,000 إلى 10,000 دولار سنويًا حسب الجهة التنظيمية.
تقارير شركات الوساطة المُرخصة في الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، والتي تنشر بيانات الربح والخسارة للعملاء بشكل إلزامي.
رغم أن الفوركس ليس عملية احتيال في حد ذاته، فإن طبيعته شديدة التقلب والرافعة المالية المرتفعة تجعله بيئة محفوفة بالمخاطر، خاصة لمن يفتقرون للخبرة والانضباط. ويعود فشل الغالبية إلى مزيج من العوامل المتداخلة، أهمها استخدام رافعة مالية مرتفعة تضخم الخسائر عند أي تحرك سلبي للسوق، إلى جانب نقص الخبرة في التحليل الفني والأساسي، مما يدفع كثيرين إلى الاعتماد على توقعات غير مدروسة أو توصيات غير موثوقة.
كما تؤدي العوامل النفسية، مثل الطمع عند الربح أو الخوف عند الخسارة، إلى قرارات تداول اندفاعية وغير عقلانية، وهو ما يتفاقم مع غياب استراتيجية واضحة لإدارة رأس المال والمخاطر.
وتلعب الحملات التسويقية التي تُصوّر الفوركس كطريق سريع للثراء دورًا كبيرًا في استدراج المتداولين الجدد دون تحذير كافٍ من الواقع المعقّد لهذا السوق.
رغم النسبة العالية للخاسرين، هناك نسبة صغيرة من المتداولين المحترفين تحقق أرباحاً مستدامة، وغالباً ما يكونون من المؤسسات المالية أو الصناديق الكبرى أو متداولين أفراد يمتلكون خبرة عميقة واستراتيجيات صارمة لإدارة رأس المال والمخاطر.
ومع ذلك، فإن الوصول إلى الربحية يتطلب سنوات من التعلم والانضباط، والتعامل مع التداول كمهنة وليس كهواية.
الفوركس ليس مقامرة بطبيعته، لكنه قد يتحول إلى مقامرة عند غياب الفهم والانضباط. فهو سوق حقيقي وعميق وذو سيولة هائلة، ويوفر فرصًا للمحترفين، لكنه يُعد من أكثر الأسواق مخاطرة بالنسبة للمبتدئين.
لذلك، قبل دخول هذا السوق، ينبغي على الأفراد أن يُقيّموا قدراتهم، وأن يخضعوا لتدريب حقيقي، وأن يُدركوا أن الخسارة واردة دائمًا، وأن التداول دون استراتيجية ووعي هو في حقيقته لعبة احتمالات خاسرة.