تلاشت قناعة المستثمرين بأن التعريفات الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب وارتفاع الدين العام سيقودان إلى ضعف طويل الأمد للدولار والأسهم الأميركية.
هذا التحول يعيد خلط الأوراق، مهدداً المكاسب التي حققتها الأصول الأوروبية وأسواق الدول الناشئة في ظل هذا التوقع.
بعد تسجيله أسوأ أداء نصف سنوي منذ عام 1973، يتجه الدولار الآن نحو أول مكاسب شهرية له في عام 2025، مدفوعاً بموقف مجلس الاحتياطي الفيدرالي الرافض لخفض الفائدة، وقوة مفاجئة في بيانات النمو الأميركي، إضافة إلى انحسار المخاوف من الحرب التجارية.
فيما يرى المستثمرون أن هذه التطورات تقوض ما يُعرف باستراتيجية «بقية العالم»، التي كانت مبنية على فقدان الثقة في الأصول الأميركية، ولكنها، بحسب تحليل لبنك «باركليز»، كانت في جوهرها رغبة في خفض التعرض لدولار ضعيف.
بحلول الخميس، أشارت العقود الآجلة إلى ارتفاع بأكثر من 1% في «وول ستريت»، وهو ما قد ينهي تفوّق الأسهم الأوروبية هذا العام، في حين تراجعت الأصول الآسيوية وأسواق الدول الناشئة، وتدهورت قيمة اليورو.
وقال شانيل رامجي، المدير المشارك للاستثمارات المتعددة الأصول في «بيكتيه لإدارة الأصول»، إن أحد أبرز الرهانات حالياً هو اتخاذ موقف سلبي تجاه الدولار والولايات المتحدة، مضيفاً أنه يستعد لزيادة انكشافه على الدولار الذي يصفه بـ«المنعدم تقريباً»، مع توقعه بأن تتفوق الاتجاهات الاقتصادية الأميركية على نظيرتها الأوروبية.
وحذر من أن ارتفاعاً واسعاً في الدولار قد يعطل الاتجاهات الكبرى في الأسواق خلال عام 2025.
أظهرت الأسهم الأوروبية أداءً قياسياً في الربع الأول من العام مقارنة بالولايات المتحدة، لكنها سجلت حتى الآن مكاسب بنسبة 8.4% منذ بداية العام، مقابل 8.1% لمؤشر «ستاندرد آند بورز 500» قبل افتتاح جلسة الخميس.
وتحوّل الرهان على ضعف الدولار إلى أحد أكثر المراكز ازدحاماً بين مديري الصناديق العالميين في منتصف يوليو، وفقاً لمسح أجراه «بنك أوف أميركا».
لكن هذا الرهان، الذي قُدرت قيمته بـ18 مليار دولار وكان الأكبر في سوق العملات، واجه ضغوطاً بعد تراجع اليورو من 1.1789 إلى 1.1401 دولار عقب اجتماع الفيدرالي.
إلى جانب ذلك، سجّلت العملة الموحدة أكبر انخفاض شهري لها أمام الدولار منذ مايو 2023، في حين تراجع مؤشر MSCI لعملات الأسواق الناشئة لأول مرة هذا العام، وخسرت العملة البريطانية 1.6% خلال الأسبوع، في أسوأ أداء منذ انهيار السوق البريطانية في يناير.
يرى مايكل نيزار، مدير الأصول المتعددة في «إدموند دو روتشيلد» في حديث لوكالة رويترز، أن هناك تحوّلاً نحو الأسهم الأميركية وتغيراً في ديناميكيات سوق الصرف، مشيراً إلى أن الاتفاق التجاري الإطاري بين واشنطن وبروكسل كان أحد العوامل الدافعة لهذا التوجه، وإن كان لا يتوقع استمراره حتى نهاية العام، مضيفاً أنه مستعد لإعادة شراء اليورو عند مستوى 1.14 دولار.
مع ذلك، ترى مونيكا ديفيند، مديرة معهد الاستثمار في «أموندي»، أكبر شركة لإدارة الأصول في أوروبا، أن الاتجاه الطويل الأمد لا يزال يشير إلى تراجع الدولار، بسبب خطط ترامب للاقتراض وهجماته على استقلالية الفيدرالي.
لكنها أشارت إلى استعدادها لتغيير هذا الموقف إذا واصلت البيانات الاقتصادية الأميركية مفاجآتها الإيجابية.
أما مارك إيليس، مدير الاستثمار في «نَتشل لإدارة الأصول»، فشكك في قدرة الدولار والأسهم الأميركية على الاستمرار في الارتفاع معاً خلال أغسطس، الذي يُعد من أكثر أشهر العام تقلباً، وقال: «نهاية هذا الأسبوع تبدو مناسبة لتقليص المخاطر وتبنّي نهج دفاعي في ظل التقلبات الصيفية والضعف الموسمي».
من جانبه، وجه إيمانويل كو، رئيس استراتيجية الأسهم الأوروبية في «باركليز»، تحذيراً لعملائه، مشيراً إلى أن صناديق التحوّط النظامية المعروفة بـ«CTAs»، والتي تُعد بمنزلة مؤشر لمزاج السوق، تخلت عن مراكزها البيعية في سندات الخزانة الأميركية وخفّضت انكشافها على الأسهم الأوروبية.
وخلص إلى أن أي ارتفاع أكثر استدامة للدولار سيكون بمنزلة «رهان مؤلم» للمستثمرين العالميين في المرحلة المقبلة.