«التقاعد الكندي» يخفض استثماراته بالولايات المتحدة
مؤشر «ستوكس» الأوروبي يرتفع 9% منذ بداية العام
في تحول لافت على مستوى قرارات كبار المستثمرين الدوليين، بدأت مؤسسات مالية تدير مئات المليارات من الدولارات بإعادة النظر في حجم انكشافها على السوق الأميركية، في ظل تصاعد المخاوف من تفاقم العجز المالي الأميركي، وعدم استقرار السياسات التجارية التي تنتهجها إدارة الرئيس دونالد ترامب.
وفقاً لتقرير نشرته صحيفة «فايننشال تايمز» (Financial Times)، فإن هذه التحوّلات تأتي بعد أشهر من التقلبات الحادة التي شهدتها الأسواق العالمية، وسط ضبابية سياسة ترامب التجارية، وتزايد قلق المستثمرين من مستقبل الأصول الأميركية كخيار مهيمن داخل المحافظ الاستثمارية العالمية.
ترتبط أبرز تلك المخاوف بتداعيات قانون الضرائب الأميركي، الذي أقرّته إدارة ترامب ويتوقّع أن يضيف 2.4 تريليون دولار إلى الدين العام خلال السنوات العشر المقبلة، ما يزيد الضغط على أدوات الدين الأميركي، وعلى رأسها سندات الخزانة.
النتيجة المباشرة تمثّلت في تراجع قيمة الدولار بنسبة 9% منذ بداية العام، واقترابه من أدنى مستوياته خلال ثلاث سنوات، رغم تراجع ترامب فعليا عن كثير من الرسوم التي أعلنها في البداية.
قال سيث برنشتاين، الرئيس التنفيذي لشركة «أليانز بيرنشتاين» (AllianceBernstein)، والتي تدير أصولاً تزيد على 780 مليار دولار، إن الوقت حان لإعادة التفكير في مدى الاعتماد على السوق الأميركية داخل المحافظ الاستثمارية.
وأوضح برنشتاين أن العجز المالي في الولايات المتحدة يواصل التفاقم، في وقت تتسم فيه السياسات التجارية بعدم الاستقرار، ما يدفع كثيرا من المستثمرين للتوقف والتساؤل: هل من الحكمة الاستمرار في تركيز الاستثمارات بهذا الشكل في سوق واحدة فقط؟
هذا القلق لا يقتصر على التحليلات النظرية. فقد أعلن صندوق التقاعد الكندي «كاس دي ديبو إي بلاسمان دو كيبيك» (CDPQ)، ثاني أكبر صندوق تقاعد في كندا، عن خطط لخفض استثماراته في السوق الأميركية، والتي تشكل حالياً 40% من محفظته، مع التوجه نحو زيادة استثماراته في أسواق مثل بريطانيا، فرنسا، وألمانيا.
فيما لم يحقق مؤشر S&P 500 الأميركي سوى ارتفاع طفيف بنسبة 2% العام الجاري، سجّل مؤشر Stoxx Europe 600 الأوروبي قفزة بلغت 9%، ما يعكس تبدلاً في مزاج المستثمرين.
قال هوارد ماركس، الشريك المؤسس لشركة «أوك تري كابيتال مانجمنت» (Oaktree Capital Management)، التي تدير أصولاً بقيمة 203 مليارات دولار: «الولايات المتحدة كانت الوجهة الاستثمارية الأفضل على مدار قرن، لكن هناك اليوم من يتساءل: هل ما زالت الاستثنائية الأميركية استثنائية كما كانت؟»
شركة «نيوبرغر بيرمان» (Neuberger Berman)، وهي شركة استثمارية مقرها نيويورك، رفعت نسبة استثماراتها في المشاريع المشتركة بالقطاع الخاص الأوروبي إلى 65% العام الجاري، مقارنة بـ20–30% فقط في السنوات السابقة.
وأكدت جوانا روشا سكاف، رئيسة قسم الاستثمار الخاص الأوروبي في الشركة: «الاهتمام بأوروبا يتزايد، الأمر لا يتعلّق فقط بالرسوم الجمركية، بل أيضاً بالاستقرار العام. أوروبا قد لا تكون أفضل من حيث المعطيات الاقتصادية، لكنها أكثر وضوحاً من الولايات المتحدة».
أما في لندن، فقد أعلنت شركة إدارة الأصول البريطانية «شوردرز» (Schroders) عن بدء ملاحظة مؤشرات فعلية على تحول بعض المستثمرين بعيدًا عن السوق الأميركية.
وقال توم نايدز، نائب رئيس مجلس إدارة شركة بلاكستون (Blackstone)، إن التحول نحو أوروبا أصبح خياراً معقولاً في ظل ما وصفه بـ«الاستقرار النسبي في حكومات المنطقة».
مع ذلك، لا يرى جميع المحللين أن أوروبا أو آسيا قادرتان على تقديم بدائل قوية للولايات المتحدة في المدى القريب. ففي تعليق له لصحيفة «فايننشال تايمز»، قال هوارد ماركس، الشريك المؤسس لشركة «أوك تري كابيتال مانجمنت» (Oaktree Capital Management): «أوروبا ما زالت تعاني من نمو اقتصادي ضعيف وتنظيمات ثقيلة، بينما تبقى البيئة الاستثمارية في الصين معقّدة. والسؤال الحقيقي هو: أين يمكن ضخ رؤوس أموال بهذا الحجم؟»
ومع أن الإجابة لا تزال غير واضحة، فإن الأكيد أن هذا السؤال لم يُطرح من قبل بهذه الجدية والاتساع داخل دوائر الاستثمار العالمية كما يُطرح اليوم.