ضريبة الكربون الأوروبية تتيح فرصة كبيرة أمام موردي الصلب في المنطقة
تعتبر صناعة الحديد والصلب مسؤولة عن نحو 8% من انبعاثات الكربون على مستوى العالم، ما دفع بالصناعة نحو إعلان ثورة «الحديد والصُلب الأخضر» للحد من هذه البصمة الكربونية الكبيرة. ونظراً لما تتمتع به من ميزات تنافسية، بات ينظر إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كقائدة لجهود الحد من الانبعاثات في القطاع.
تزخر المنطقة باحتياطيات هائلة من الغاز الطبيعي، وظروف مثالية لإنتاج الطاقة المتجددة، وهي ميزة واضحة في الجهود المبذولة للحد من انبعاثات الكربون في صناعة الحديد والصلب، الأمر الذي أكده «معهد اقتصاديات الطاقة والتحليل المالي» (IEEFA) في تقرير له، مشيراً إلى أن شركات صناعة الصلب في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا قد تستفيد من المزايا التي تتمتع بها على المنافسين الدوليين، لتولي زمام المبادرة في السباق العالمي لإنتاج «الحديد والصُلب الأخضر» المعتمد على مصادر الطاقة النظيفة.
زادت حصة الشرق الأوسط في صادرات الحديد والصلب عالمياً خلال السنوات الخمس الماضية، في وقت لم تتعافَ بعد معظم أسواق العالم من الاضطرابات الكبيرة التي شهدتها صناعة الصلب خلال جائحة «كوفيد-19»، وفق ما خلصت إليه دراسة لـ«أوكسفورد إكونوميكس»، استعرضها المدير العام لخدمات الصناعة العالمية في المؤسسة البحثية البريطانية جيريمي ليونار خلال مؤتمر «فاست ماركتس الشرق الأوسط للحديد والصلب 2024» في دبي، والذي يعد أكبر حدث لتجارة الحديد والصلب في المنطقة.
أوضح ليونار أن إنتاج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تميز بنمو قوي للغاية في السنوات الأخيرة، ليتساوى حالياً مع إنتاج كل من أميركا الشمالية وأوروبا الغربية (10%)، ما يضع المنطقة في المرتبة الثالثة بعد الصين والهند، مشدداً على أن الشرق الأوسط أصبح لاعباً رئيساً في صناعة الصلب العالمية.
وأضاف أن الصين بإنتاجها البالغ مليار طن سنوياً، والذي يمثل أكثر من نصف الإنتاج العالمي (54%)، تبقى المهيمن الأكبر على إنتاج الصلب على مستوى العالم.
وبالإشارة إلى أهمية سلاسل التوريد داخل الشرق الأوسط، قال المدير العام لخدمات الصناعة العالمية في «أوكسفورد إيكونوميكس» إن أكثر من 20 مليون طن من الصلب يتجه سنوياً من الشرق الأوسط إلى مناطق مختلفة من العالم، على رأسها أسواق هامة مثل أوروبا (56%)، وآسيا والمحيط الهادئ (23.5%).
بحسب «الاتحاد العربي للحديد والصلب»، وهو منظمة متخصصة في مجال الحديد والصلب تابعة لمجلس الوحدة الاقتصادية العربية (الجامعة العربية)، فإن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تحظى باهتمام أوروبي وعالمي كبير في إطار مبادرات التحول العالمي في مجال الطاقة وخفض الانبعاثات، نظراً لأن معظم مصانع الصلب في المنطقة تعمل بالغاز، وليس بالفحم، كما هو الحال في العديد من مناطق الإنتاج الرئيسة، خصوصاً في الصين والهند.
في هذا السياق، توقعت دراسة تحليلية حديثة أن تتصدر المنطقة سباق صناعة «الصلب الأخضر» في العقود المقبلة. وتستند الدراسة إلى قدرة مصانع الصلب في المنطقة على تلبية متطلبات خفض الانبعاثات الصناعية بشكل أسرع من أي منطقة أخرى، نظراً لإمكاناتها الضخمة في مجال الطاقة المتجددة.
وفقاً للدراسة التي أعدها «معهد اقتصاديات الطاقة والتحليل المالي»، ومقره أوهايو في الولايات المتحدة، فإن صناعة الصلب في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا قد تتحول من الغاز الطبيعي إلى أنظمة هجينة تمزج الهيدروجين بالغاز لإنتاج الحديد دون تعديلات هيكلية مُكلفة، إذ يمكن أن تسهل أنظمة التشغيل الهجينة الانتقال إلى الإنتاج منخفض الانبعاثات في مصانع المنطقة، نظراً لأنها تسمح بمرافق إنتاج أصغر، ما يقلل من تكاليف رأس المال.
تمثل مصانع الصلب في الشرق الأوسط 46% من الإنتاج العالمي للحديد المختزل المباشر (DRI)، والذي يستخدم كمادة خام لإنتاج الصلب، وفقاً لـ«الاتحاد العربي للحديد والصلب»، ما يضع المنطقة في دائرة الضوء الأوروبية التي تتحرك بسرعة نحو أنماط الإنتاج الخضراء.
تتوقع دراسة «معهد اقتصاديات الطاقة والتحليل المالي»، أن ترتفع قدرات إنتاج الحديد المختزل المباشر عالمياً إلى 175 مليون طن سنوياً بحلول عام 2030، وستمثل منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ثلث النمو.
ما يرفع من جاذبية مصنعي الحديد والصلب في المنطقة في ظل اعتماد تقنيات الانبعاثات المنخفضة، ضريبة الكربون الأوروبية التي من المقرر أن تطبق على واردات الحديد والصلب ومنتجات أخرى اعتباراً من عام 2026، لتزداد تدريجياً حتى عام 2034. ففي حين أنها ستقيد دخول المنتجات ذات الانبعاثات العالية من خلال آلية تعديل حدود الكربون (CBAM)، فإنها ستجعل في المقابل مصدري الصلب في المنطقة، من أوائل الموردين للاتحاد الأوروبي.
التحوّل إلى مركز عالمي لتصدير «الصلب الأخضر» في المستقبل، سيكون مرهوناً إلى حد كبير بتوافر الهيدروجين الأخضر الرخيص. وترى شركة «وود ماكنزي» (Wood Mackenzie) المتخصصة في مجال الطاقة، أن الشرق الأوسط (إلى جانب أستراليا)، في وضع أفضل للاستفادة من مستويات الإشعاع الشمسي العالية.
وقد تولّت دول عديدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا زمام المبادرة في تبني إنتاج الهيدروجين الأخضر مبكراً، ووضعت أهدافاً طموحة لتصبح مصدراً هاماً لهذا المصدر الجديد للطاقة.
إضافة إلى تلبية 50% من احتياجاتها عبر مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2030، لدى السعودية طموحات في إنتاج الهيدروجين الأزرق والأخضر مع خطط لإنتاج 2.9 مليون طن سنوياً بحلول عام 2030، و4 ملايين طن سنوياً بحلول عام 2035.
وفي ظل سعيها لأن تصبح واحدة من أكبر منتجيه في العالم، تستهدف دولة الإمارات إنتاج 1.4 مليون طن سنوياً من الهيدروجين منخفض الانبعاثات بحلول عام 2031، معظمها من الهيدروجين الأخضر. وعلى مدى أطول، تهدف الدولة إلى زيادة الإنتاج إلى 7.5 مليون طن و15 مليون طن سنوياً بحلول عامي 2040 و2050 على التوالي.
كما تخطط الإمارات لاستثمار ما يصل إلى 54 مليار دولار بحلول عام 2030، لمضاعفة إمداداتها من الطاقة المتجددة ثلاث مرات.
هذه الإستراتيجية تصب في خدمة أهداف أكبر شركة للحديد ومواد البناء في الدولة. فعمليات الإنتاج في مجموعة «إمستيل» (حديد الإمارات أركان سابقاً)، أصبحت معياراً عالمياً للصناعة من ناحية الانبعاثات الكربونية، حيث تنتج في عملياتها كربوناً أقل بنسبة 45%
مقارنة مع المتوسط المسجّل في القطاع، بحسب البيانات المتاحة على الموقع الإلكتروني للشركة، وذلك نتيجة لتقنيات التقاط واحتجاز الكربون، والاعتماد على الهيدروجين الأخضر والطاقة النظيفة.
في أواخر أكتوبر الماضي، أعلنت «إمستيل» وشركة «مصدر» الإماراتية المتخصّصة في الطاقة المتجددة، عن استكمال تطوير المشروع التجريبي لإنتاج «الصلب المستدام» باستخدام الهيدروجين الأخضر. هذا المشروع، الذي تحتضنه أبوظبي، يعد الأول من نوعه في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وقد أعلن سعيد الغافري، الرئيس التنفيذي لشركة «حديد الإمارات» التابعة لمجموعة «إمستيل»، عن مشروع جديد لإنتاج الحديد منخفض الكربون في أبوظبي بالتعاون مع شركاء يابانيين لتلبية الطلب العالمي المتزايد على المنتجات الصديقة للبيئة.
وكشف الغافري في تصريحات على هامش مؤتمر «فاست ماركتس الشرق الأوسط للحديد والصلب 2024» أمس، أن المشروع في مرحلة دراسة الجدوى حالياً مع الشركاء، ويتوقع بدء الإنتاج التجاري فيه بعد عام 2027.
كما أشار إلى أن المشروع يمثل توسعاً إستراتيجياً للشركة محلياً وعالمياً، مع الالتزام بتطوير التقنيات المبتكرة التي تساعد في تقليل البصمة الكربونية لمنتجاتها.
على الرغم من تكلفة الابتكارات الجديدة المرتفعة في البداية، يرى الغافري أنها تنخفض بمرور الوقت مع التوسع في الإنتاج. وقال إن دعم الحكومة والمؤسسات المالية أمر بالغ الأهمية، خصوصاً خلال المراحل المبكرة عندما تكون تكاليف التكنولوجيا مرتفعة.
وأضاف: «مع تقدّم المشاريع، تثبت الشراكات المالية قدرتها على تحقيق عوائد استثمارية قوية».