في وقتٍ تزداد فيه التحديات الجيوسياسية والتقلبات الاقتصادية عالمياً، يتخذ المستثمرون مواقف متباينة بين من يبحث عن الأمان، ومن يغامر سعياً وراء العائد.
ويبدو أن الذهب والفضة يجسّدان هذين التوجهين بوضوح منذ مطلع عام 2025، فالذهب واصل أداءه الدفاعي كملاذ تقليدي في ظل توترات الأسواق العالمية، بينما حققت الفضة مكاسب لافتة مدفوعة بالطلب الصناعي المتزايد وتعافي النشاط الاقتصادي في عدد من الاقتصادات الكبرى.
لكن، بحلول منتصف مايو 2025، بدأت الأسعار في التراجع لكلا المعدنين، إذ خسر الذهب بعضاً من مكاسبه مع تحسُّن شهية المخاطرة في الأسواق وعودة الزخم لأسهم التكنولوجيا، فيما تأثرت الفضة بتباطؤ مؤشرات التصنيع في الصين وتراجع مفاجئ في أسعار الطاقة، ما ضغط على التوقعات الصناعية.
رغم هذا التراجع، لا يزال الأداء السنوي للمعادن الثمينة يعكس تحولات أعمق في مزاج السوق العالمي، فقد سجّل الذهب ارتفاعاً بنحو 6% منذ بداية العام، مستفيداً من مخاوف المستثمرين حيال التباطؤ الاقتصادي والتوترات الجيوسياسية. إلا أن الفضة نجحت في التفوق، حيث ارتفعت أسعارها بنسبة تجاوزت 11% خلال الفترة نفسها، بحسب بيانات الأسواق حتى منتصف مايو.
يُعزى هذا الأداء المتفاوت إلى اختلاف طبيعة الطلب على كل من المعدنين، فبينما يُنظر إلى الذهب كأصل تحوطي في أوقات الأزمات، تعتمد الفضة بدرجة كبيرة على الطلب الصناعي، حيث يُستخدم نحو نصف إنتاجها في قطاعات التكنولوجيا، والطاقة الشمسية، والإلكترونيات الدقيقة.
خلال الأشهر الخمسة الأولى من 2025، تراوحت نسبة سعر الذهب إلى الفضة حول 83 إلى 1، أي أن أونصة واحدة من الذهب تعادل حوالي 83 أونصة فضة.
هذه النسبة تُعد أعلى من المتوسط التاريخي الذي يتراوح عادةً بين 60 و65، ما دفع كثيراً من المحللين إلى اعتبار الفضة أقل سعراً من قيمتها الحقيقية مقارنة بالذهب، ما يعزز جاذبيتها الاستثمارية.
أثار الاتفاق الأخير بين الولايات المتحدة والصين لتخفيف الرسوم الجمركية موجة من التفاعلات المتباينة في أسواق المعادن.
ففي حين خفّت وتيرة الإقبال على الذهب باعتباره ملاذاً آمناً بعد تراجع التوترات، استفادت الفضة من تحسن التوقعات الصناعية والتجارية، خاصة مع تقليص الرسوم الأميركية على السلع الصينية من 145% إلى 30%، وخفض بكين رسومها على المنتجات الأميركية من 125% إلى 10%.
صعدت مؤشرات الأسهم الأميركية بقوة منذ أبريل، إذ ارتفع مؤشر «داو جونز» بنحو 15% خلال خمسة أسابيع، وقفز «ناسداك» بنسبة قاربت 29%، ما دفع بعض المستثمرين إلى تسييل مواقعهم في الذهب والتوجه نحو الأصول ذات المخاطر الأعلى.
لكن هذا الصعود كان له أثرٌ مختلف على الفضة، التي استفادت من التفاؤل حيال قطاعي التكنولوجيا والصناعة، بفضل ارتباطها الوثيق بالطلب الصناعي.
الذهب: يظل الطلب مدفوعاً من قبل البنوك المركزية، خصوصاً في آسيا، حيث تعزز دول مثل الصين والهند احتياطاتها من المعدن النفيس.
كذلك، يسهم موسم الأعراس في الهند، وهو أحد أكبر أسواق المجوهرات الذهبية في العالم، في دعم الطلب خلال النصف الأول من العام.
الفضة: تعتمد بشكل كبير على الاستخدام الصناعي، لا سيما في صناعات الطاقة النظيفة مثل الألواح الشمسية، إلى جانب الإلكترونيات والتقنيات الحديثة.
كما لعب التعافي الصناعي في الصين، وزيادة الاستثمارات في مشاريع الطاقة المتجددة، دوراً محورياً في ارتفاع الطلب على الفضة.
يرى خبراء السوق أن الفضة لا تزال تتداول دون قيمتها الحقيقية مقارنة بالذهب، ما يجعلها مؤهلة لمزيد من المكاسب في حال استمر تعافي النشاط الصناعي العالمي.
كما يُرجح أن تواصل الاستثمارات المرتفعة في مشاريع الطاقة الشمسية وتكنولوجيا البطاريات دعم الزخم حول هذا المعدن، الذي غالباً ما يُشار إليه بـ«الذهب الصناعي».