شهدت الأسواق المالية الأميركية اليوم الثلاثاء تراجعاً ملحوظاً في أسهم شركات التكنولوجيا، في وقت تلقت فيه أسهم التجزئة دعماً إيجابياً بفضل النتائج القوية التي أعلنتها شركة هوم ديبوت. في المقابل، سجلت عوائد سندات الخزانة الأميركية انخفاضاً، مع استمرار المستثمرين في ترجيح احتمالية قوية لخفض أسعار الفائدة خلال اجتماع الفيدرالي في شهر سبتمبر، وذلك قبيل الخطاب المرتقب لرئيس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي)، جيروم باول، في منتدى جاكسون هول نهاية هذا الأسبوع.
مؤشر ناسداك 100، الذي كان قد ارتفع بنحو 40% منذ اضطرابات أبريل، تراجع بنسبة تقارب 1%، وجاءت شركة إنفيديا على رأس قائمة الشركات الكبرى المتراجعة. ويبدو أن حالة التراجع في قطاع التكنولوجيا قد ألقت بظلالها على السوق، في حين ارتفعت أسهم عدد من شركات التجزئة الكبرى متأثرة بنتائج "هوم ديبوت" القوية.
من جهة أخرى، صرّح وزير التجارة الأميركي، هوارد لوتنيك، بأن هناك مناقشات جارية بين الحكومة الأمريكية وشركة إنتل، تتعلق بإمكانية دخول الحكومة كمستثمر في الشركة، في خطوة غير معتادة تعكس أهمية صناعة أشباه الموصلات في الاستراتيجية الاقتصادية والأمنية الأميركية.
في سوق السندات، ارتفعت أسعار سندات الخزانة مما أدى إلى انخفاض العائد على سندات العشر سنوات بمقدار نقطتين أساس إلى 4.31%. ولم يطرأ تغير يُذكر على مؤشر بلومبرغ للدولار، فيما استمر تمركز المستثمرين في الأسواق الأميركية عند مستويات مرتفعة، مدعوماً بموسم أرباح قوي في الربع الثاني، بحسب ما أشارت إليه تقارير من استراتيجيي "سيتي غروب".
رغم ذلك، عبّر بعض المحللين عن قلق متزايد من أن الأسواق أصبحت مُسعّرة بالكمال، إذ لا تترك مجالاً كبيراً لأي مفاجآت سلبية، سواء من ناحية البيانات الاقتصادية أو من تطورات السياسة النقدية. يرى البعض أن الاتجاه الصعودي للأسواق قد يكون هو المسار الأسهل حالياً، لكنه ليس بالضرورة المسار الأكثر أماناً.
وتتجه الأنظار الآن إلى خطاب جيروم باول يوم الجمعة، حيث يترقب المستثمرون إشارات حول نوايا الفيدرالي بشأن أسعار الفائدة. الأسواق حالياً تتوقع بنسبة كبيرة أن يتم خفض الفائدة بمقدار ربع نقطة في سبتمبر، مع توقع خفض إضافي قبل نهاية العام. ويرى بعض المحللين، مثل إيان لينغن من BMO، أن الخطر الأكبر بالنسبة لسوق السندات هو أن يخيب باول هذه التوقعات المتفائلة، ما قد يؤدي إلى تصحيح في الجزء القصير من منحنى العائد.
بدوره، يرى ستيفن شوارتز من «بايونير فاينانشال» أن خفض الفائدة مبرر في ظل تشديد الأوضاع المالية، وتباطؤ التضخم، وظهور إشارات ضعف في سوق العمل. وعلى الرغم من تقلب بيانات التضخم الأخيرة، يرى السوق أن موجة التضخم التي شهدها عام 2022 قد أصبحت خلفنا، وأن الاقتصاد الأمريكي لا يزال قويًا بما يكفي لمواصلة النمو، حتى مع بعض التقلبات قصيرة الأجل.
مع ذلك، ليس الجميع متفقاً على لهجة باول المتوقعة. في بنك أوف أمريكا، يتوقع بعض الاستراتيجيين ألا يكون باول ميّالاً للتيسير كما يتوقع السوق، خاصة في ظل البيانات الاقتصادية التي تجمع بين الضعف والنمو في آن معاً، وهو ما يصفه البعض بالبيئة الركودية التضخمية. كذلك، لمّحت عضو مجلس الاحتياطي الفيدرالي، ميشيل بومان، في مقابلة مع بلومبرغ إلى أنها لا تفضل الحديث حالياً عن إمكانية توليها رئاسة الفيدرالي، ما يشير إلى استمرار حالة الترقب داخل البنك المركزي.
على صعيد آخر، قالت وكالة «ستاندرد آند بورز» للتصنيف الائتماني إن العائدات من الرسوم الجمركية من شأنها أن تخفف من تأثير التخفيضات الضريبية على الوضع المالي الأمريكي، مما يدعم الحفاظ على التصنيف الائتماني الحالي للبلاد.
وفي المشهد الجيوسياسي، دعا الرئيس الأميركي دونالد ترامب نظيره الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى التحلي ببعض المرونة، في محاولة جديدة منه لإنهاء الحرب الدائرة بين البلدين.
وأشار إلى رغبته في عقد قمة ثنائية تجمع الزعيمين، وهو ما اعتبره بعض المحللين بادرة إيجابية، رغم أن المفاوضات الصعبة، خاصة تلك المتعلقة بالحدود والسيادة، لا تزال أمامها طريق طويل.
ختاماً، وبينما يبدو أن الطريق نحو السلام العالمي أو الاستقرار الاقتصادي ما زال محفوفاً بالتحديات، فإن الأسواق تبقى رهينة الإشارات القادمة من الفيدرالي، وتحديداً من جيروم باول، الذي قد يرسم يوم الجمعة ملامح السياسة النقدية الأمريكية في المرحلة المقبلة.