إلا أن اجتماعين مهمين في أبريل، ويونيو المقبلين، يبحثان إحكام السيطرة على سوق الإنتاج، والأسعار، ما لم تكن هناك حاجة إلى اجتماع استثنائي، لإدخال تعديلات على الاتفاق النفطي الساري إلى نهاية العام الحالي، بخفض الإنتاج بمقدار مليوني برميل يومياً، وهو ما يعني أن السعر قد يصل إلى 120 دولاراً للبرميل، مع تعافي الطلب الصيني.
ولا شك أن "أوبك" واجهت تحديات عالمية كبيرة في قطاع الطاقة، خلال العامين الماضيين، مثلت أصعب فترات التراجع الاقتصادي على المنتجين والمستهلكين، وظلت الولايات المحدة بمثابة "رأس الحربة" أو "المطرقة"، التي تنتقد سياسات "أوبك"، فيما تأتي روسيا والصين بمثابة "السندان"، الذي لا يألو جهداً في إحداث التقلبات في سوق النفط.
ويمكن قراءة الخطوات الأميركية وتفسيرها في الآتي:
أولاً: اظهار أنها من حماة البيئة وسياسات المناخ، وتعمل على خفض الانبعاثات الكربونية إلى النصف بحلول 2030، وهوما يتطلب تلقائياً وقف إنتاج النفط والغاز، لكن ذلك لايعدو مجرد شعارات للاستهلاك الداخلي السياسي.
ثانياً: التقارير الفنية تكشف أن القدرات الإنتاجية للنفط والغاز الأميركية، قد لا تقل كثيراً قبل عام 2027.
ثالثاً: التعارض في السياسيات الأميركية مع الحكومات الغربية، التي تطالب بوقف الاعتماد على الوقود الأحفوري حماية للبيئة.
ولهذ فالمطرقة، التي تمثلها السياسات الأميركية على"أوبك" والتصادم بينهما، ستظل عنواناً رئيسياً أمام الإدارات الأميركية، على عكس ما تراه "أوبك" بأن العالم لن يتخلى عن الوقود الأحفوري بسرعة، ولهذا ستظل أسعار البترول في ارتفاع تبعاً لذلك، إذا ما تم الاعتماد على النفط والغاز لفترة أطول، دون اللجوء إلى بدائل الطاقة النظيفة.
وما يدلل على ذلك أن أسعار النفط شهدت تقلبات كبيرة على مدى سنوات، إذ انخفضت إلى ما دون 20 دولاراً للبرميل، خلال "جائحة كوفيد-19"، قبل أن ترتفع مقتربة من 130 دولارًا، مع اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا.
وتناقضت تصريحات للمسؤولين الروسيين في تعاملهم مع"أوبك"، بينما أكد الكرملين أنه تم التشاور مع بعض أعضاء مجموعة (أوبك+)، بشأن قرارها خفض إنتاج النفط، وقال نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك، إن قرار موسكو يأتي طواعية، رداً على تطبيق الغرب عقوبات وسقفاً لأسعار النفط الروسي، تمثل أهمها في:
1) اتفاق مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي وأستراليا، على حظر تقديم خدمات التأمين البحري والتمويل والوساطة، للنفط الروسي المنقول بحراً، والذي يزيد سعره على 60 دولاراً للبرميل.
2) حظر مشتريات المنتجات النفطية الروسية، وحدد سقفا للأسعار اعتباراً من بداية فبراير الحالي.
3) اعتراض روسيا على آلية "السقف السعري"، في بيع النفط والمنتجات النفطية الروسية، واعتباره تدخلاً في علاقات السوق، واستمرارا لسياسة الطاقة المدمرة التي يتبعها الغرب تجاه موسكو.
4) اعتزام الرئيس فلاديمير بوتين، توضيح العديد من سياساته المقبلة، في كلمة مقررة له أمام الجمعية الفيدرالية فى 21 فبراير الجاري، ومنها الوضع الاقتصادي والحرب النفطية.
وحسبما نقلت وكالة "بلومبرغ"، ذكر مندوبون أن التحالف سيحافظ على الإمدادات، رغم خطط الكرملين بخفض الإنتاج.
وإجمالاً فبعد سلسلة من العقوبات الغربية، تواجه روسيا المزيد من التحديات في الإبقاء على حجم إنتاجها من النفط، وهو مصدر رئيسي لإيرادات الدولة، التي سجلت عجزاً في الميزانية بلغ 25 مليار دولار في يناير الماضي.
وعقب إعلان القرار قفزت أسعار النفط في الأسواق، بأكثر من 2%، حيث تم تداول عقود "برنت" فوق مستوى 86 دولاراً للبرميل.
وذكرت الوكالة الدولية على موقعها، أن منتجي النفط قد يضطرون لإعادة النظر في سياسات الإنتاج، بعد تعافي الطلب في الصين، ثاني أكبر مستهلك للنفط في العالم، لكن "أوبك" اعتبرت من جانبها، بحسب "وول ستريت جورنال" أن النهج الحذر، هو المسار الأفضل للتعامل مع أسواق الطاقة، وليس التوقعات، وأنه في مجال الطاقة هناك فرص كبيرة للحلول المشتركة والجماعية.
ولهذا فإن "أوبك" ترى أن خطواتها صحيحة، ولن تبقى مرهونة للمطرقة والسندان، لأن قراراتها "اقتصادية" وليست "سياسية، بل إن تحالف (أوبك+) لعب تاريخياً، دوراً بناء في تلبية الطلب الإضافي، والحفاظ على توازن سوق النفط العالمي.