logo
مقالات الرأي

الطلاق البائن.. هل يمكن لأميركا والصين العودة إلى ما كان؟

الطلاق البائن.. هل يمكن لأميركا والصين العودة إلى ما كان؟
الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال اجتماع مع نظيره الصيني شي جين بينغ ضمن قمة قادة مجموعة العشرين في مدينة أوساكا اليابانية يوم 29 يونيو 2019.المصدر: رويترز
تاريخ النشر:2 يونيو 2025, 07:35 م

أكثر من أربعة أشهر مضت على بداية الولاية الثانية لدونالد ترامب، وهي فترة لم تخلو من الفوضى والتقلبات. وبينما شهدت الأسابيع الثلاثة الأخيرة نوعاً من الهدوء النسبي، فإن المشهد العام يوحي بأن هذا الهدوء هش، مؤقت، وربما مضلل.

فقد أُعلن عن هدنة جمركية مع الصين في جنيف، لكن سرعان ما بدأ ترامب يتحدث عن «انتهاك شامل» من قبل بكين، بينما تصعّد الأخيرة احتجاجها على السياسات الأميركية العدائية، مثل إلغاء تأشيرات بعض الطلاب الصينيين وتقييد البرمجيات المتقدمة.

أخبار ذات صلة

معادن الصين النادرة.. لماذا تهدّد بنسف هدنة الحرب التجارية؟

معادن الصين النادرة.. لماذا تهدّد بنسف هدنة الحرب التجارية؟

الجمارك: هل أصبحت واقعاً دائماً؟

في ظل ما يُعرف بـ«يوم التحرير الجمركي»، فُرضت رسوم ضخمة على واردات صينية، ثم خففت مؤقتا خلال هدنة 90 يوما. لكن لا أحد يعرف ماذا سيحدث في «اليوم 91». تعوّد المستثمرون على هذا النمط الترامبي: يهدد، ثم يتراجع.

هذه الظاهرة أُطلق عليها الصحفيون (TACO) — أي أن ترامب دائما يتراجع في اللحظة الأخيرة. لكن هل يعود في لحظة ما إلى الخطة الأصلية؟ وهي خطة قائمة على أن التعرفة الجمركية أداة دائمة لإعادة الهيمنة الأميركية على التجارة العالمية؟

اللافت أن هذه الرسوم ليست مجرد أداة انتخابية عابرة؛ بل تمثل أحد القناعات القليلة التي يؤمن بها ترامب بصدق منذ الثمانينيات. لذا، لا يبدو أنها ستختفي بمجرد نهاية ولايته. وإذا أعيد انتخابه أو بقي تياره في السلطة، فالتعرفة مرشحة لأن تصبح سياسة دائمة لا استثناء.

أميركا أولاً.. وأخيراً؟

لكن هل تستطيع الولايات المتحدة أن تنفصل اقتصاديا عن العالم؟ هل تستطيع أن تعيش وحدها في عصر سلاسل الإمداد العابرة للقارات؟ الشكوك تتزايد. ليس فقط لأن العالم يعتمد على الدولار والسندات الأميركية كملاذ آمن، ولكن لأن الأسواق بدأت تشكك في مصداقية هذا الملاذ نفسه. تراجع قيمة الدولار وتذبذب عوائد السندات الأميركية في أوقات الأزمات مؤخرا يكشف قلقا عالميا من غياب العقلانية في السياسات الاقتصادية الأميركية.

الأمر لا يتعلق فقط بالرسوم. تهديدات ترامب بإقالة رئيس الاحتياطي الفيدرالي، التدخل السياسي المباشر في السياسة النقدية، ومهاجمة شركات أميركية مثل (Walmart) لأنها تعكس التكاليف على المستهلك، كل ذلك يوحي بأن الولايات المتحدة تتحول من حامية الأسواق إلى مصدر فوضى داخلها.

أخبار ذات صلة

ترامب أسقطه من جديد.. أين وصل الدولار بعد عاصفة التعريفات؟

ترامب أسقطه من جديد.. أين وصل الدولار بعد عاصفة التعريفات؟

هل العودة ممكنة بعد ترامب؟

يأمل كثير من المستثمرين أن يعود النظام العالمي لما كان عليه قبل ترامب. لكن الواقع أن العالم تغير. أوروبا بدأت تعيد بناء منظومتها الدفاعية والاقتصادية بعيدا عن الاعتماد على أميركا. الأسواق الأوروبية تشهد أداءً أفضل من الأميركية لأول مرة منذ عقود. الصين من جهتها لم تعد ترى في أمريكا شريكا، بل خصما طويل الأمد.

والأهم أن العالم بدأ يتأقلم مع غياب القيادة الأميركية — لا عن طريق المواجهة، بل بالانفصال التدريجي. وهذا ما قد يُسميه البعض «الطلاق النهائي».

ما بعد الانفصال: من الخاسر؟

ربما يحتفظ ترامب بقاعدته الشعبية القوية رغم التضخم. وربما يستطيع أن يحمّل الصين أو الشركات المسؤولية عن ارتفاع الأسعار، كما فعل مع (Walmart). لكن إذا استمرت الأسعار في الارتفاع، وإذا تراجعت الثقة بالدولار، فإن تداعيات هذا الطلاق لن تقف عند الحدود الأمريكية. بل ستكون لها ارتدادات عالمية.

الطلاق بين أميركا والصين، وربما بينها وبين العالم، لم يعد سيناريو نظرياً. إنه واقع يتشكل على مراحل، بإرادة سياسية، وبأسلوب فردي يفتقد للمؤسسات. وإذا كان الزواج السياسي بين القوتين قد وُلد في مطلع الألفية مع انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية، فإن عهد ترامب — بتهوره وتهديده للنظام الاقتصادي — قد يكون بالفعل شهادة الطلاق البائن النهائية.

logo
اشترك في نشرتنا الإلكترونية
تابعونا على
تحميل تطبيق الهاتف
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC