وتتحول هذه الضغوط الداخلية إلى ضغوط عسكرية، حيث يحاول النظام الداخلي تثبيت نفسه، ويعاني بعض البلدان من أحداث مؤلمة مترافقة مع هذه التغييرات ولكنها تعتبرها روتينية، بينما تُزعزع استقرار بلدان أخرى، وتُسبب أضراراً لا يمكنها تحملها.
ويعتبر الاسم الآخر لهذا الترتيب "التقدم"، وهو أبعد ما يكون عن مسيرة انتصار نحو الرفاه، ولكنه صراع مؤلم في الواقع. وتتحول متاعب هذا التقدم إلى اتهامات ضد أشخاص آخرين ودول أخرى. ويجب أن يكون شخص ما مسؤولاً عن تعطيل التغيير وإرباكه، ويتم توجيه أصابع الاتهام دائماً إلى الآخرين وليس إلى النفس أبداً.
وكانت أوروبا أساس هذه الدورة الحالية في أوائل التسعينيات، عندما تفكك الاتحاد السوفييتي وتم التوقيع على معاهدة ماستريخت لتوحيد القارة. وفي عام 2001، شهدت الولايات المتحدة هجمات 11 سبتمبر. وفي عام 2013، أصبح شي جين بينغ رئيساً للصين. وفي دورة التاريخ، يعتبر العقد أو العقدان وقتاً قصيراً نسبياً.
وكان المقصود من تفتيت الاتحاد السوفييتي في ذلك الوقت، إنشاء منطقة أكثر كفاءة، وكان الهدف من توحيد أوروبا في مظلة "الاتحاد الأوروبي"، هو تقليل احتمالات الصراع مع خلق حالة رخاء واسعة النطاق. وكان رد الولايات المتحدة على هجوم 11 سبتمبر يهدف إلى الحد من تهديد الإرهاب، وكان المقصود من انتخاب شي وضع الصين على الطريق نحو ازدهار غير مسبوق.
ولم تنتهِ أي من هذه النوايا بالفشل التام، حيث أدى تفكك الاتحاد السوفييتي، إلى وصول بعض دول الاتحاد السوفييتي السابق والدول التابعة له، إلى درجة أعلى من الرخاء. وأدى توحد أوروبا إلى فترة من الإنتاجية النسبية، ومنع الرد الأميركي هجوماً آخر على غرار هجمات 11 سبتمبر على الولايات المتحدة، وارتفع النمو في الصين. وكما هو الحال في الدورات الأخرى، لم تكن النوايا فاشلة تماماً، على الأقل حتى الدورة التالية.
لقد مر علينا الآن جيل كامل منذ بداية التحول الأخير، وخطوط الصدع في المرحلة السابقة، هي في المرحلة النهائية من التغيير. وتنخرط روسيا في محاولة لإعادة بناء الاتحاد السوفييتي، بدءاً بحربها في أوكرانيا، والاتحاد الأوروبي منقسم بشدة، واقترحت ألمانيا وفرنسا إضفاء الطابع المؤسسي على الانقسام، وفي الأيام الأخيرة شهدنا هجوم حماس على إسرائيل.
إن الولايات المتحدة، بعد أن منعت وقوع المزيد من الهجمات الكبرى من قبل الإرهابيين، وصلت إلى المرحلة النهائية المتوقعة من دورتها الخاصة، حيث ستهيمن التوترات بين الناس حول السياسة والعرق والدين والجنس، وأي شيء آخر قد يدور في الذهن على مدى السنوات القليلة المقبلة. كما مهدت الطفرة الاقتصادية التي حققتها الصين الطريق أمام ضعف اقتصادي هائل وتوترات سياسية.
هناك نقطتان أحاول توضيحهما هنا. أولاً، تضم الدول ملايين من الناس، ويلقي هؤلاء الأشخاص باللوم في قراراتهم على القادة، لأن العملية الحقيقية التي يعيش فيها الملايين من الناس معاً معقدة للغاية، بحيث لا يمكن فهمها. يجب إلقاء اللوم على شخص ما، ولا يمكن أن يكون هو نفسه، لذلك هناك غضب يترافق مع كل دورة. ثانياً، وربما الأهم، أن مشكلة الفترة الجديدة تنبع من حل الفترة الماضية.
لذلك، نحن في مرحلة جديدة، تعود أصولها إلى المرحلة السابقة، وتتألف من الحرب والأزمة الاقتصادية والغضب المتبادل. هذه هي الحقائق العالمية، والتي غالباً ما تكون مأساوية، لكنني متأكد من أن اليونانيين القدماء نظروا إلى هذا الأمر بنفس الطريقة. فهل يمكننا تجنب هذه الدورات؟ أود أن أعتقد ذلك، لكننا لم نفعل ذلك بعد.
جورج فريدمان هو رئيس جيوبوليتيكال فيوتشرز ومؤلف كتاب "العاصفة قبل الهدوء: الخلافات الأميركية، وأزمة عشرينيات القرن الحادي والعشرين، والانتصار بعدها" (2020).