وول ستريت
وول ستريت

بطل شطرنج عالمي يقود الذكاء الاصطناعي في غوغل

ديميس هاسابيس باحث بريطاني في مجال الذكاء الاصطناعي، وعالم في مجال الأعصاب، ورائد أعمال، ومصمم عالمي لألعاب فيديو، وبطل عالمي في الشطرنج، شارك بتأسيس شركة "ديب مايند" (DeepMind)، المسؤولة عن بحوث الذكاء الاصطناعي ومقرها لندن، وتم الاستحواذ عليها من قبل شركة "غوغل" (Google) في عام 2014.
كما حقق هاسابيس إسهامات كبيرة في مجال الذكاء الاصطناعي، خاصة بمجال تطوير خوارزميات التعلم العميقة.

انضم هاسابيس إلى غوغل وكانت مهمته إبقاؤها في طليعة الذكاء الاصطناعي، وعاش سنة نجاحات، لكن دخل الذكاء الاصطناعي مؤخراً في حالة من الفوضى.

وبدأ برنامج الدردشة الآلي التابع لشركة "غوغل" في إثارة غضب المستخدمين بردود متحيزة، تفتقر إلى السياق التاريخي، فتدخل هاسابيس وأوضح أن هذا: "لم يكن السلوك المقصود للنظام الذي بناه فريقه."

وفي مقابلة أجريت معه في فبراير مع صحيفة وول ستريت جورنال، بعد ساعات من توقف غوغل عن السماح لبرنامج "جيميني" الخاص به، بإنشاء صور للأشخاص قال هاسابيس: "هناك فروق دقيقة أكثر مما أعتقد لم يدركها المسؤولون عن ضبط هذه التقنيات".

وكان هاسابيس، البالغ من العمر 47 عاماً، ثاني أفضل لاعب شطرنج في العالم، بالنسبة لفئته العمرية عندما كان مراهقاً، وساعد في إنشاء لعبة الفيديو الناجحة "Theme Park". وبصفته رئيساً لمختبر أبحاث الذكاء الاصطناعي في شركة "ديب مايند"، أشرف على الاختراعات التي ظهرت على أغلفة مجلات الطبيعة والعلوم.

ويتطلب التحدي الحالي الذي يواجهه هاسابيس بكل المقاييس قدراً كبيراً من البراعة، فمنذ الانتشار الكبير لـ "تشات جي بي تي" (ChatGPT) في أواخر عام 2022، كانت غوغل في مهمة لإثبات أنها لا تزال في طليعة التكنولوجيا التي وصفها الرئيس التنفيذي ساندر بيتشاي، بأنها أكثر أهمية من اختراع النار أو الكهرباء، وأصبح الأمر متروكاً لـ "هاسابيس" لتحقيق رؤية بيتشاي.

وقال هاسابيس من لندن، مقره الرئيسي لتوجيه أبحاث غوغل الأكثر أهمية في مجال الذكاء الاصطناعي، بعد الهيكلة الشاملة التي أجراها بيتشاي العام الماضي: "لا أنام كثيراً".

وقد جعله هذا التغيير أيضاً مسؤولاً عن موظفين في قسم مقره كاليفورنيا، يُدعى "برين" (Brain)، والذي ركز على تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي، لتحسين منتجات غوغل وهي الآن جزء من "غوغل ديب مايند" (Google DeepMind) المعاد تسميته.

وبعد توليه مسؤولية الفريق المكون من أكثر من 2500 شخص، سعى هاسابيس إلى تسريع عملية تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي الكبيرة.

في المهمة الجديدة، خصص هاسابيس فترات طويلة في الليل، لإجراء مكالمات فيديو مع قادة غوغل في ماونتن فيو، كاليفورنيا. وسبق له أن خصص وقتاً للعمل المستقل ومتابعة الأبحاث المنشورة مؤخراً، وهي ممارسة قال إنه يود استئنافها في مرحلة ما.

وشبه هاسابيس "غوغل ديب مايند" بـ "خط إنتاج لا هوادة فيه"، وقام بتوحيد الفرق التي تعمل على مشاريع متداخلة، وعين قادة لإدراتهم من (Brain) و(DeepMind)، حسبما قال أشخاص مطلعون على الجهود.

ولطالما قاوم هاسابيس مغادرة مسقط رأسه في لندن، عندما كان يقود شركة "ديب مايند"، التي كانت تعمل بشكل مستقل عن "غوغل" تحت إدارة الشركة الأم "ألفابت".

وذكر مطلعون على الأمر أنه عارض خطة المسؤولين التنفيذيين في شركة غوغل للدمج، بسبب رغبته في أن تحتفظ شركة "ديب مايند" بهذا الاستقلال.

واليوم، أصبح هاسابيس أكثر أهمية من أي وقت مضى بالنسبة لثروات غوغل. وقال أحد الأشخاص المطلعين على المناقشات، إن البعض داخل غوغل دعوا في الأسابيع الأخيرة، إلى أن يكون لهاسابيس تأثير أكبر في تحويل أبحاث فريقه إلى منتجات استهلاكية.

وقال كولن مردوخ، أحد كبار نواب هاسابيس: "إنه يأخذ عمله على محمل الجد".

وفي فبراير أخبر بيتشاي الموظفين، أن الشركة ستجري تغييرات هيكلية لمعالجة أوجه القصور في روبوت "جيميني"، دون تقديم تفاصيل.

ولاحقاً انتعشت أسهم شركة "ألفابت"، التي انخفضت بأكثر من 4%، بعد الجدل حول "جيميني"، بعد أنباء مفادها أن شركة "أبل" تفكر في استخدام تقنيات "غوغل إيه آي" في أجهزة "آيفون".

مهووس بالعلوم

يظهر هاسابيس في أغلب الأوقات مرتدياً سترات بعبارات علمية، يراه الجميع مهووساً بعالم الرياضيات البريطاني آلان تورينغ، وهو شخصية مؤثرة في التطور المبكر للذكاء الاصطناعي الحديث، والذي شارك في الاهتمام بالدماغ البشري.

وقال هاسابيس في جامعة ستانفورد العام الماضي: "أعتبر نفسي محارباً ومناصراً لـ تورينغ". ومنذ فترة طويلة كان يقول إنه يريد بناء ذكاء اصطناعي عام، أو AGI، يمكنه إنجاز أي مهمة بشرية.

وصفه الأشخاص الذين عملوا معه، بأنه قائد متطلب وتنافسي، وله سجل في توجيه الباحثين بنجاح نحو أهداف طموحة.

بدأ هاسابيس في بناء منتجات تكنولوجية منذ كان مراهقاً يلعب ألعاب الفيديو، وبعد تخرجه من جامعة كامبريدج بدرجة علمية في علوم الكمبيوتر، أسس شركة Elixir Studios، وهي شركة أنتجت لعبة محاكاة سياسية تسمى "الجمهورية: الثورة".

وقال لأحد المحاورين عند الترويج للعبة: "إننا نعيد إنشاء بلد بالكامل بتفاصيل دقيقة". تلقت اللعبة آراء متباينة، وأصدرت Elixir نسخة أخرى قبل إيقافها بعد عامين.

سعى هاسابيس لتحقيق طموحات أكبر في شركة "ديب مايند"، التي شارك في تأسيسها عام 2010 بعد حصوله على درجة الدكتوراه في علم الأعصاب من كلية لندن الجامعية.

استحوذت غوغل على شركة "ديب مايند" مقابل حوالي 650 مليون دولار في عام 2014، بعد حرب مزايدة مع فيسبوك، وهي صفقة قدرت قيمة حصة هاسابيس بحوالي 100 مليون دولار.

وبتشجيع من قادة غوغل، بما في ذلك المؤسس المشارك لاري بيج، لمتابعة الذكاء الاصطناعي العام، مع القليل من المخاوف بشأن التكلفة، دفع هاسابيس شركة "ديب مايند" لمعالجة ما سماه التحديات الكبرى.

وقال للموظفين إنهم يجب أن يفكروا في بناء الذكاء الاصطناعي العام، الذي يمكن أن يخترع اكتشافات تستحق جوائز نوبل، حسبما قال الأشخاص الذين سمعوا هذه التصريحات.

وتضمنت إنجازات "ديب مايند" تطوير نظام "ألفا غو" (AlphaGo) الذي تغلب على لاعب محترف في لعبة Go. كما أصبحت نموذجا آخر اسمه "ألفا فولد" (AlphaFold)، والذي وصفه هاسابيس بتطبيقه المفضل للذكاء الاصطناعي، الأساس لشركة مختبرات الأدوية (Isomorphic Labs)، المملوكة لشركة ألفابت والتي يشرف عليها أيضاً. كما أبرمت شراكات العام الماضي مع شركات الأدوية، مثل "إيلي ليلي" و"نوفارتيس" تصل قيمتها مجتمعة إلى 2.9 مليار دولار.

اجتذب صعود شركة "ديب مايند" التدقيق في مجتمع الذكاء الاصطناعي، وأعرب إيلون موسك، أحد المستثمرين الأوائل، عن قلقه بشأن مخاطر الذكاء الاصطناعي بعد اجتماعه مع هاسابيس في عام 2012، وفقاً لدعوى قضائية رفعها مؤخراً ضد شركة "أوبن إيه آي" (OpenAI).

مجلس لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي

ودعا هاسابيس "ماسك" للانضمام إلى مجلس لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي، وعدت شركة "ديب مايند" بإنشائه، وفقاً لتلك الدعوى القضائية. ووصف ماسك، الذي حاول شراء "ديب مايند" بنفسه، هذه الجهود بأنها خدعة.

وقالت المتحدثة باسم غوغل، أماندا كارل، إن هاسابيس وماسك، ناقشا الفوائد والمخاطر المحتملة للذكاء الاصطناعي في عام 2012.

وبصفته قائداً لشركة "ديب مايند"، كان هاسابيس حريصاً على حماية استقلالها داخل شركة "ألفابت"، واصطدم معه في السنوات الأخيرة جيف دين، كبير علماء الهندسة في غوغل لفترة طويلة، حول كيفية التعاون بين فريقيهما، حسبما قال أشخاص مطلعون.

ومن بين أمور أخرى، قال دين إن شركة "ديب مايند" لم تشارك بالأبحاث، التي يمكن أن تفيد عمل مشروع "برين" (Brain).

وقالت كارل، المتحدثة باسم غوغل، إن اندماج فريقي "برين" و"ديب مايند" كان سلساً للغاية، وقالت إن دين وهاسابيس، عملا معاً بشكل وثيق لعدة سنوات ويواصلان القيام بذلك.

في حين قام هاسابيس بتوجيه شركة ديب مايند نحو تحقيق إنجازات، مثل اكتشاف الأدوية، كانت مختبرات أبحاث الذكاء الاصطناعي الأخرى مثل OpenAI، تكرس موارد أكبر لهدف آخر انتهى به الأمر إلى جذب خيال الجمهور: بناء برامج يمكنها إنشاء نصوص في برنامج دردشة آلي صديق للمستهلك.

وقال موظفون حاليون وسابقون إن إطلاق ChatGPT فاجأ هاسابيس وديب مايند، وردت شركة "ديب مايند" بتطوير روبوت محادثة يسمى "سبارو" Sparrow، تم تدريبه على الاستجابة بشكل أكثر واقعية من المنتجات المماثلة، لكن المديرين التنفيذيين لشركة غوغل، وجدوا أنه لم يكن جاهزاً للجمهور.

ووصف هاسابيس هذا الجيل من أنظمة الذكاء الاصطناعي الكبيرة، بأنه "فعال بشكل غير معقول"، وتوقع أن تكون التقنيات التي ابتكرتها "ديب مايند" مهمة لبناء أنظمة أكثر قوة.

وعن تزايد اعتماد المستهلكين لأدوات الذكاء الاصطناعي قال هاسابيس: "هذا ما كنت أعتقده دائماً، لم أكن لأتمكن من التنبؤ بالتوقيت".

بدأ هاسابيس، جنبًا إلى جنب مع دين وآخرين في غوغل، في أوائل العام الماضي مناقشة دمج الموارد لإنتاج نظام ذكاء اصطناعي، يمكنه منافسة نموذج "أوبن إيه آي"، وقام بيتشاي بترقية هاسابيس بعد أشهر، وأصبح مسؤولاً عن واحدة من أكبر فرق الذكاء الاصطناعي في العالم.

وبحلول شهر ديسمبر/كانون الأول، تمكنت غوغل إلى حد كبير من تحقيق اختراقات تنافس إنجازات "أوبن إيه آي" وداعمها الأساسي "مايكروسوفت" من خلال "جيميني".

وبعد فترة وجيزة، قدمت غوغل إصداراً جديداً، يمكنه تحليل 700 ألف كلمة نصية أو ما يصل إلى ساعة واحدة من الفيديو، وهو الإنجاز الذي فاجأ العديد من الباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي.

أعادت غوغل في فبراير تسمية برنامج الدردشة الآلي الخاص بها إلى "جيميني"، بما يتوافق مع العلامة التجارية للتكنولوجيا، التي أنتجها فريق هاسابيس.

جيميني أغرق الشركة في أزمة

أعرب المستخدمون عن غضبهم من قيام جيميني، بإنتاج صور للجنود الألمان ذوي البشرة السمراء في الحقبة النازية، وفي بعض الحالات، رفض إنتاج صور ذوي البشرة البيضاء. وتحول الغضب، الذي عززته عشرات التغريدات من منافسه ماسك، إلى رد فعل عنيف أوسع ضد ردود جيميني على مجموعة من الاستفسارات.

تلقت "غوغل ديب مايند" ضربة قوية في أعقاب الجدل، حيث اشتكى الباحثون من أن استجابات برنامج الدردشة الآلية شوهت عملهم بشكل غير عادل، حسبما قال مطلعون.

وقال سيرجي برين، المؤسس المشارك لشركة غوغل، في مارس، إن الجدل الدائر حول جيميني يبدو أنه نتج عن عدم كفاية الاختبارات، وذلك خلال حديثه خلال حدث في مقر في هيلزبورو، كاليفورنيا، معروف باسم AGI House.

ويستخدم تطبيق "جيميني" تقنية أخرى طورتها "غوغل ديب مايند"، وهي Imagen 2، لإنتاج الصور. وقامت غوغل بعد ذلك بوضع برامج إضافية على النظام لتحفيز مخرجات أكثر تنوعاً عند المستخدم.

وقال هاسابيس: "إنها سلسلة واسعة جداً من التطويرات التي يجب أن تحدث". وقال إن غوغل لا تزال تحدد الطريقة الأكثر فعالية لتنظيم تلك العمليات.

وفي حديثه في مؤتمر في برشلونة، بعد أيام من قيام غوغل بسحب قدرة برنامج الدردشة الآلي، على إنشاء صور للأشخاص، قال هاسابيس إن الميزة ستتم استعادتها في غضون أسابيع قليلة.

وقال هاسابيس في مقابلة مع صحيفة وول ستريت جورنال: "بغض النظر عما نحاول القيام به داخلياً، هناك بضع مئات فقط من الأشخاص، يختبرون هذه التقنيات"، "الأمر لا يشبه اختبار ملايين المستخدمين له، ثم الإبلاغ عن النتائج التي توصلوا إليها."

Related Stories

No stories found.
إرم الاقتصادية
www.erembusiness.com