بحلول منتصف عام 2025، دخلت شركة «تسلا»، التي كانت في وقت سابق الرائدة في سوق السيارات الكهربائية، في حالة من الاضطراب، فقد تراجعت المبيعات، وتقدّم المنافسون بقوة، وتردّد المستهلكون. أما إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي المثير للجدل، فبدا كمن انسحب ذهنياً من خطوط الإنتاج.
البيانات أظهرت فصلاً بعد فصل صورة قاتمة: فقد انخفضت المبيعات العالمية للمركبات بنسبة 13.5% في الربع الثاني، بعد تراجع بـ13% في الربع الأول. وهوت أرباح «تسلا» 71% خلال الربع الأول، وفقاً لصحيفة «وول ستريت جورنال».
لكن ماسك لم يتزعزع، فقد دعا المستثمرين إلى رفع أنظارهم عن الواقع الصعب والتركيز على «القلعة اللامعة على رأس التل»، في إشارة الى مستقبل لا تقوم فيه «تسلا» بإنتاج سيارات ميسورة الكلفة، بل أساطيل من سيارات الأجرة ذاتية القيادة وروبوتات شبيهة بالبشر.
لطالما سعى ماسك إلى تحويل «تسلا» من شركة سيارات إلى شركة تكنولوجية، لكن التحول هذه المرة كان جذرياً. فبالرغم من أن 75% من إيرادات «تسلا»، البالغة 100 مليار دولار في العام 2024، جاءت من مبيعات السيارات، لم يعد هذا النشاط أولوية بالنسبة له، بل ركز اهتمامه على تطوير المركبات الذاتية القيادة وبرنامج روبوت «أوبتيموس» (Optimus) البشري الشكل.
لكن هذا ليس ما وعدت به «تسلا» مساهميها في البداية. ففي العام الماضي، أوقفت الشركة مشروع «موديل 2»، الذي وعدت أن يكون سيارة كهربائية بسعر 25 ألف دولار. وعندما سُئل ماسك عن المشروع في الربيع، وصف تطوير السيارات منخفضة السعر بأنه «سخيف» واعتبرها سيارات «غير مجدية»، مقترحاً بدلاً من ذلك سيارة أجرة ذاتية القيادة بالكامل، بلا مقود، أطلق عليها اسم «سايبركاب» (Cybercab).
في غضون ذلك، بقي خط إنتاج «تسلا» راكداً، إذ لم تطلق الشركة سوى طراز جديد واحد خلال خمس سنوات: «سايبرتراك» (Cybertruck) المصنوعة من الفولاذ المقاوم للصدأ، والتي لم تحقق نتائج قوية في السوق. ومع تراجع الطلب، اتجهت الشركة إلى خفض الأسعار. وقال نائب رئيس هندسة المركبات، لارس مورافي، إن «قيمة القسط الشهري» باتت العامل الأهم في تسويق سيارات «تسلا».
استحوذ المنافسون، لا سيما شركة «بي واي دي» (BYD) الصينية و«جنرال موتورز» (General Motors) الأميركية، على حصة سوقية أكبر بفضل إطلاق طرازات كهربائية جديدة ومتطورة؛ ما زاد من الضغط على «تسلا» التي تواجه تراجعاً مستمراً في مبيعاتها.
وبينما كانت المبيعات العالمية لـ«تسلا» تتراجع بنسبة 13.5% في الربع الثاني، شهدت مبيعات السيارات الكهربائية في الولايات المتحدة انخفاضاً بنحو 7% في نفس الفترة. تزامن هذا مع تقارير عن تراجع حاد في مبيعات شركات مثل «فورد» و«هيونداي» و«كيا»، فيما شهدت «جنرال موتورز» طفرة نسبية بعد إطلاق طرازات كهربائية جديدة.
ويدرس الكونغرس الأميركي حالياً إلغاء الإعفاءات الضريبية المخصصة للسيارات الكهربائية؛ ما يضيف ضغطاً إضافياً على سوق السيارات الكهربائية بشكل عام وعلى «تسلا» بشكل خاص، حيث يشكل هذا التحول التشريعي تحديًا في وقت يواجه فيه القطاع تباطؤاً في الطلب.
رغم المؤشرات السلبية، لا تزال «تسلا» تحتفظ بقيمة سوقية تقارب التريليون دولار، مدفوعة بثقة المستثمرين في رؤية ماسك البعيدة المدى. لكن محللين مثل آدم جوناس من «مورغان ستانلي» (Morgan Stanley) يقدّرون أن قيمة نشاط السيارات الأساسية في «تسلا» بين 50 و100 دولار للسهم، مقارنة بالسعر السوقي الحالي الذي يقترب من 300 دولار؛ ما يعكس فجوة كبيرة بين القيمة الجوهرية والتقييم السوقي.
وفي هذا السياق، يتوقع المحللون أن تنخفض مبيعات «تسلا» بنسبة 10% والأرباح بنسبة 20% في الربع الثاني من عام 2025، في مؤشر على استمرار التحديات المالية والتشغيلية.
تواجه «تسلا» مشاكل متزايدة في سلسلة التوريد نتيجة التوترات التجارية مع الصين، وكندا، والمكسيك؛ ما يعرقل تأمين مكونات حيوية لصناعة السيارات الكهربائية. وتضعف هذه التحديات الجيوسياسية قدرة الشركة على الاستجابة للسوق المتغير.
كما أثارت تحركات ماسك السياسية، لا سيما إنفاقه نحو 300 مليون دولار لدعم حملة دونالد ترامب، جدلاً واسعاً. الى جانب ذلك، أضر دخوله في صراعات علنية مع ترامب، الذي سخر لاحقاً من فكرة ترحيله رغم جنسيته الأميركية، بصورة ماسك وتسبب في انقسام بين عملاء «تسلا».
وبحسب تقارير، بدأ بعض أعضاء مجلس إدارة «تسلا» يعبرون عن قلقهم من تراجع تركيز ماسك المتقلّب على قيادة الشركة؛ ما يعكس مخاوف داخلية متزايدة.
شهدت «تسلا» أيضاً اضطرابات في صفوفها الإدارية هذا العام، حيث غادر أوميد أفشار، المقرب من ماسك والمسؤول عن العمليات في أميركا الشمالية وأوروبا.
وعُيّن توم زو، الرئيس السابق لفرع «تسلا» في الصين، لإعادة الاستقرار في نشاط الشركة، كما استقال ميلان كوفاتش، مدير برنامج روبوت «أوبتيموس»، لأسباب عائلية؛ ما يسلط الضوء على النزيف الإداري داخل الشركة.
رغم هذه التحديات، بدا ماسك مطمئناً. ففي 22 يونيو، وخلال الإطلاق التجريبي لـ«خدمة الـروبوتاكسي» (Robotaxi service) في أوستن، تكساس، احتفل مع فريقه حول طاولة مليئة بعلب البيتزا وعبوات «دايت كولا»، في مشهد يعكس التناقض بين الاحتفال وطبيعة الأزمة التي تعصف بالشركة.
وعلى عكس بدايات «تسلا» التي قادتها إلى ريادة السيارات الكهربائية، تجد الشركة نفسها الآن في موقع اللحاق بالمنافسين، حيث تدير شركة «وايمو» (Waymo) التابعة لـ«غوغل» أساطيل من السيارات الذاتية القيادة في عدة مدن أميركية.
ويؤمن ماسك بأن شبكة الـ«روبوتاكسي» قد تضيف ما بين 5 و10 تريليونات دولار إلى القيمة السوقية لـ«تسلا». وقد عرضت الشركة تسليماً ذاتياً لأول سيارة من طراز «موديل Y» إلى منزل أحد العملاء. ويتوقع أن تكون هناك مئات الآلاف من سيارات «تسلا» ذاتية القيادة على الطرق الأميركية بحلول 2026، تعمل ضمن شبكة تشبه «أوبر» (Uber) أو «إير بي إن بي» (Airbnb).
في تقريرها البيئي الأخير، رسمت «تسلا» صورة لمدينة مستدامة، حيث يساعد الروبوت «أوبتيموس» السكان في مهام يومية مثل سقي النباتات وحمل المشتريات، وتتنقل سيارات كهربائية تعمل بالطاقة الشمسية في شوارع نظيفة. وقال التقرير: «نؤمن أن القيادة الذاتية ستوفر الأرواح والوقت والمال، وتحسن جودة الحياة للجميع».
وبينما لا يزال المستثمرون يراهنون على حلم ماسك التكنولوجي، تبقى «تسلا» مطالبة بإثبات أن الحلم قابل للحياة في سوق يزدحم بالمنافسين والشكوك.