في الوقت الذي تشتعل فيه المنافسة في عالم السيارات الكهربائية حول الأداء والسعر والتصميم، هناك سباق آخر أكثر هدوءاً، لكنه أكثر حسماً: سباق البطاريات.
لعل أهم جولة في هذا السباق وأكثرها جرأة، والتي بدأت للتو، تتمثل في دخول بطاريات الحالة الصلبة (Solid-State Batteries) مرحلة الإنتاج الأولي لدى شركات مثل «تويوتا» و«كوانتوم سكايب» (QuantumScape)، بعد سنوات من الأبحاث والتجارب المكثفة.
هذه التقنية لا تعد فقط تحسيناً تدريجياً على بطاريات الليثيوم-أيون، بل تمثل قفزة نوعية على مستوى الكثافة الطاقية، الأمان، وسرعة الشحن.
على العكس من البطاريات التقليدية التي تعتمد على إلكتروليت سائل لنقل الأيونات بين القطبين، تعتمد البطاريات الصلبة على مادة صلبة موصلة، ما يفتح المجال أمام تغييرات جذرية في البنية والسلامة والكفاءة.
أعلنت شركة «تويوتا» اليابانية أنها بدأت الإنتاج الأولي لبطاريات الحالة الصلبة في منتصف 2025، مع خطط لتضمينها في طرازات محدودة خلال عام 2027.
تقول «تويوتا» إن تقنيتها تتيح مدى قيادة يتجاوز 1000 كيلومتر في شحنة واحدة، مع زمن شحن أقل من 10 دقائق، وهو ما قد يعيد تعريف توقعات العملاء في سوق السيارات الكهربائية.
الشركة المدعومة من «فولكسفاغن» أكدت أنها دخلت المرحلة «ب» (B) من الإنتاج، أي الاختبارات الفعلية مع شركائها من شركات السيارات.
ورغم بعض التأخيرات في السنوات الماضية، فإنها تُعد من أوائل اللاعبين الذين قدّموا خلايا بحجم عملي وقابل للاستخدام الفعلي.
هذه الشركات الثلاث تعمل على مشاريع موازية، سواء عبر شراكات أو مختبرات داخلية. والاتجاه العام يشير إلى نضوج تقني حقيقي في هذا القطاع، وليس مجرّد وعود مستقبلية كما كان الحال قبل خمس سنوات.
إن دخول هذه البطاريات مرحلة الإنتاج لا يعني فقط تحسين الأداء، بل يفتح أيضاً الباب أمام:
لكن في المقابل، فإن تكاليف التصنيع الحالية لا تزال مرتفعة نسبياً، والنجاح التجاري مرهون بسرعة توسيع الإنتاج وخفض الكلفة تدريجياً.
ليس بالضرورة في المدى القصير.
تمتلك «تسلا» تكنولوجيا بطاريات متمرسة وسلاسل توريد راسخة، وتُركز حالياً على تحسين خلايا 4680 الخاصة بها. لكنها إن لم تواكب هذه القفزة خلال ثلاث إلى خمس سنوات، فقد تجد نفسها في موقف دفاعي أمام شركات مثل «تويوتا» التي تملك سجلاً طويلاً من الاعتمادية والدقة في الابتكار الهادئ.
بين الضجة الإعلامية والاختبارات الميدانية، يبدو أن بطاريات الحالة الصلبة لم تعد حلماً بعيداً، بل أصبحت جزءاً من خطط الإنتاج الفعلية لأكبر شركات السيارات في العالم.
إنها ليست مجرد ترقية تقنية، بل محرك تغيير اقتصادي وصناعي سيعيد تشكيل موازين القوة في سوق السيارات الكهربائية.
والسؤال الآن لم يعد «هل ستنجح؟»، بل: «متى تصل إلى الجميع؟».